ترتيب أكبر 10 اقتصادات في العالم العربي 2023

يشهد العالم العربي تحولاً اقتصادياً كبيراً في ظل التحديات العالمية المتسارعة، من تغيرات الطاقة والأسواق العالمية إلى الرقمنة والتحول الأخضر. ويُعتبر قياس حجم الاقتصاد عبر الناتج المحلي الإجمالي (GDP) المؤشر الأهم لفهم القوة الاقتصادية النسبية للدول. في عام 2023، حافظت بعض الدول العربية على مواقعها ضمن قائمة أكبر الاقتصادات العربية، بينما شهدت دول أخرى تغيراً في ترتيبها نتيجة لتقلبات أسعار النفط، الاستثمارات الأجنبية، وتحولات السياسات الاقتصادية. هذا المقال يقدم تحليلاً مفصلاً وموسعاً لأكبر 10 اقتصادات عربية لعام 2023، مستعرضاً العوامل التي ساهمت في هذا الترتيب، وأبرز ملامح الأداء الاقتصادي لكل دولة.

جدول ترتيب أكبر 10 اقتصادات عربية حسب الناتج المحلي الإجمالي الاسمي (2023)

المملكة العربية السعودية: عملاق اقتصادي يتوسع خارج النفط

تُعتبر المملكة العربية السعودية أكبر اقتصاد عربي في عام 2023، بإجمالي ناتج محلي تجاوز التريليون دولار. هذه القفزة الكبيرة تعكس مزيجاً من ارتفاع أسعار النفط، إضافة إلى الإصلاحات الجذرية التي تقودها “رؤية السعودية 2030″، والتي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط من خلال تنمية قطاعات مثل السياحة، التكنولوجيا، الصناعة، والترفيه. ويمثل “صندوق الاستثمارات العامة” أحد أدوات الدولة في تمويل المشاريع العملاقة مثل “نيوم” و”القدية”.

في عام 2023، سجل الاقتصاد السعودي نمواً بنسبة تفوق 3.5%، رغم التقلبات في أسعار النفط العالمية. ويرتبط هذا النمو بالاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، والانفتاح الكبير على الأسواق العالمية، إضافة إلى برامج التوطين وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل.

الإمارات العربية المتحدة: نموذج التنويع الاقتصادي الناجح

الاقتصاد الإماراتي يحتل المرتبة الثانية عربياً، ويُعد من أكثر اقتصادات المنطقة تنوعاً. فبالإضافة إلى موارد النفط والغاز، تعتمد الإمارات على قطاعات العقارات، السياحة، الخدمات المالية، اللوجستيات، والتكنولوجيا. إمارة دبي تُعد مثالاً حياً على التحول الاقتصادي الناجح، حيث يشكل القطاع غير النفطي أكثر من 70% من الناتج المحلي.

في عام 2023، استفادت الإمارات من موقعها الجغرافي الاستراتيجي، ومن سياستها الاقتصادية المنفتحة على التجارة العالمية، خاصة في ظل تصاعد النزاعات الجيوسياسية في مناطق أخرى من العالم. كما واصلت الإمارات جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة عبر تشريعات جديدة مثل السماح بالملكية الأجنبية الكاملة.

مصر: اقتصاد سكاني ضخم بين الفرص والتحديات

رغم التحديات الاقتصادية المتفاقمة، تحتفظ مصر بالمركز الثالث ضمن الاقتصادات العربية. ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لمصر في عام 2023 قرابة 387 مليار دولار، مدفوعاً بالاستهلاك المحلي الضخم، والبنية السكانية الكبيرة التي تقترب من 105 ملايين نسمة.

تعاني مصر من تحديات مثل ارتفاع معدلات التضخم، انخفاض قيمة الجنيه المصري، وزيادة الديون. ومع ذلك، تواصل الحكومة تنفيذ برامج إصلاح اقتصادي تشمل تحرير سعر الصرف، توسيع البنية التحتية، وتوسيع قاعدة التصدير خاصة في قطاعي الزراعة والصناعات التحويلية.

وقد مثلت قناة السويس في عام 2023 مورداً رئيسياً للعملة الأجنبية، إلى جانب قطاع السياحة الذي بدأ في التعافي بعد جائحة كورونا.

العراق: مورد نفطي واعد يواجه تحديات الاستقرار

يحتل العراق المرتبة الرابعة في قائمة أكبر الاقتصادات العربية لعام 2023. يعتمد العراق بشكل شبه كلي على صادرات النفط التي تشكل أكثر من 90% من عائداته. وقد شهد الاقتصاد العراقي نمواً ملحوظاً نتيجة ارتفاع أسعار النفط، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي قرابة 267 مليار دولار.

ومع ذلك، يواجه العراق تحديات كبيرة تتمثل في ضعف البنية التحتية، الفساد الإداري، وعدم الاستقرار السياسي. كما أن البطالة والفقر ما زالا يشكلان هاجساً رئيسياً، مما يجعل الإصلاحات الاقتصادية ضرورة ملحة لتحقيق استدامة النمو.

قطر: اقتصاد قائم على الغاز وتحول استراتيجي نحو التنويع

مع ناتج محلي إجمالي بلغ نحو 234 مليار دولار في 2023، تعد قطر خامس أكبر اقتصاد عربي. تتمتع قطر بثالث أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، وهي من أبرز المصدرين للغاز المسال. كما استفادت من استضافة كأس العالم 2022 في تعزيز بنيتها التحتية وتوسيع قطاعات غير تقليدية مثل السياحة والخدمات.

تعمل الحكومة القطرية على تنفيذ خطط تنموية طويلة الأجل مثل “رؤية قطر الوطنية 2030″، التي تسعى لتنويع مصادر الدخل وتقوية القطاع الخاص. كما أن العلاقات التجارية المتنامية مع آسيا، وخاصة الصين والهند، تمنح الاقتصاد القطري مرونة إضافية.

الجزائر: اقتصاد نفطي في خضم محاولات الإصلاح

في المركز السادس تأتي الجزائر، بناتج محلي يقارب 206 مليار دولار. يُعد الاقتصاد الجزائري من أكثر الاقتصادات العربية اعتماداً على النفط والغاز، حيث تشكل هذه الموارد أكثر من 95% من إيرادات التصدير.

تحاول الجزائر منذ سنوات تنويع اقتصادها عبر تشجيع الزراعة والصناعات المحلية، غير أن ضعف المناخ الاستثماري، وتعقيد الإجراءات الإدارية، تبقى من العوائق الكبرى. في عام 2023، بدأت الجزائر خطوات لإصلاح النظام المصرفي وجذب الاستثمارات الأجنبية، لكنها ما زالت بحاجة إلى تسريع وتيرة الإصلاحات لتقليل هشاشة اقتصادها أمام تقلبات أسعار الطاقة.

المغرب: تنوع اقتصادي يدفع النمو رغم التحديات

المغرب يحتل المرتبة السابعة عربياً، باقتصاد يعتمد على عدة قطاعات رئيسية مثل الزراعة، الصناعات الغذائية، السياحة، وصناعة السيارات والطيران. ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي للمغرب في عام 2023 نحو 150 مليار دولار.

ورغم التحديات المتعلقة بالجفاف وارتفاع أسعار الطاقة العالمية، فإن المغرب حافظ على استقراره الاقتصادي عبر تعزيز العلاقات التجارية مع أوروبا وأفريقيا، وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاعات استراتيجية. كما يواصل المغرب تطوير مصادر الطاقة المتجددة، لا سيما مشاريع الطاقة الشمسية والرياح.

الكويت: اقتصاد غني يحافظ على استقراره المالي

الكويت، التي يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي حوالي 146 مليار دولار، تأتي في المركز الثامن. ويعتمد اقتصاد الكويت بصورة شبه كاملة على صادرات النفط، التي تمثل أكثر من 90% من الإيرادات الحكومية.

ورغم هذا الاعتماد، فإن الكويت تتميز بسياسات مالية محافظة واحتياطيات ضخمة في “صندوق الأجيال القادمة”، ما يمنحها قدرة على الصمود في وجه الأزمات الاقتصادية. غير أن ضعف التنوع الاقتصادي وبطء الإصلاحات الهيكلية يحدان من إمكانات النمو المستقبلي.

سلطنة عمان: تنويع مدروس ورؤية اقتصادية واضحة

تحتل سلطنة عمان المرتبة التاسعة، بإجمالي ناتج محلي يقارب 114 مليار دولار. وتتميز السلطنة بخطة تنويع طموحة تُعرف باسم “رؤية عمان 2040″، تركز على قطاعات مثل السياحة، التعدين، الصناعة، واللوجستيات.

في عام 2023، حققت عمان تقدماً في خفض العجز المالي وتحقيق فوائض بفضل ارتفاع عوائد النفط، إضافة إلى تحسين البيئة الاستثمارية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية. ومن أبرز نجاحات عمان هو استقرارها المالي النسبي مقارنة ببعض دول الجوار، ما يعزز الثقة في مستقبلها الاقتصادي.

الأردن: اقتصاد مرن يواجه ضغطاً ديمغرافياً ومالياً

في المركز العاشر يأتي الأردن، الذي بلغ ناتجه المحلي الإجمالي حوالي 52 مليار دولار. يُعتبر الاقتصاد الأردني من أكثر الاقتصادات المرنة في العالم العربي رغم قلة الموارد الطبيعية. ويعتمد بشكل كبير على التحويلات الخارجية، المساعدات، والسياحة.

الضغوط المالية، ارتفاع الدين العام، ونقص مصادر الطاقة تمثل التحديات الكبرى التي تواجه الأردن. إلا أن هناك جهوداً حثيثة لتطوير قطاعات الاقتصاد الرقمي، التعليم، والخدمات المالية بهدف تحقيق نمو مستدام.

خاتمة تحليلية: ملامح مستقبل الاقتصادات العربية

يُظهر ترتيب الاقتصادات العربية لعام 2023 أن الاعتماد المفرط على النفط والغاز ما زال يشكل سمة رئيسية للعديد من الدول، في حين بدأت أخرى في تحقيق خطوات ملموسة نحو التنويع الاقتصادي. وبالنظر إلى الاتجاهات العالمية مثل التحول الأخضر، الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الرقمي، فإن المستقبل سيتطلب من الدول العربية إعادة هيكلة اقتصاداتها على أسس أكثر استدامة وابتكاراً.

وقد بدأت بعض الاقتصادات العربية الكبرى، مثل السعودية والإمارات، في تبني هذه التوجهات بفعالية، بينما تواجه دول أخرى تحديات داخلية تحول دون تسريع النمو. ويبقى الاستثمار في رأس المال البشري، تطوير التعليم، وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي من العوامل المفصلية لضمان استدامة هذه الاقتصادات في العقود القادمة.

المراجع:

1. صندوق النقد الدولي (IMF) – تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2023

2. البنك الدولي – قاعدة بيانات الناتج المحلي الإجمالي لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2023