أقوال وحكم عن القراءة

عنوان المقال: حكم وأقوال في حب القراءة

القراءة ليست مجرد وسيلة للحصول على المعلومات، بل هي فعل معرفي وثقافي وروحي يسهم في صياغة وعي الإنسان وتوسيع آفاقه ومداركه. إنها نافذة يطلّ من خلالها العقل البشري على عوالم لا تُعدّ ولا تُحصى، فهي مفتاح العلوم ومصدر الإلهام ومحرّك التقدّم الإنساني. وقد تناول الحكماء والمفكرون والأدباء على مرّ العصور القراءة بأقوالهم وحكمهم التي عبّرت عن مكانتها المحورية في تطوّر الفرد والمجتمع.

في هذا المقال، نغوص في عمق أقوال الأدباء والمفكرين والفلاسفة حول القراءة، نستعرض دلالاتها الفكرية والحضارية، ونرصد تأثيرها في بناء المجتمعات ونهضة الأمم، مستعرضين أهم ما قيل عنها من حكم خالدة، وتفسيرات معمّقة للدور الإنساني الذي تلعبه القراءة في حياة الإنسان.

القراءة: مفتاح الوعي الإنساني

منذ فجر التاريخ، ارتبطت القراءة بالمعرفة، وكانت أول كلمة نزلت في القرآن الكريم “اقرأ”، في إشارة عميقة إلى جوهر الرسالة الإلهية التي جعلت من القراءة وسيلة لبناء العقل والفكر. إنها البوابة التي تعبر منها الشعوب إلى الحضارة، والطريق الذي يسلكه الإنسان للوصول إلى ذاته وفهم الكون من حوله. فالقراءة لا تملأ العقل بمعلومات جامدة فحسب، بل تبني بنية التفكير النقدي، وتزرع الفضول، وتحفّز الخيال.

قال الكاتب الفرنسي فولتير:

“من لا يقرأ، لا يميز بين الحياة والموت”.

وهذه العبارة تختزل جوهر العلاقة بين القراءة والحياة، فالعقل الذي لا يقرأ يعيش في فراغ، ويتحول إلى كيان خامل لا يستطيع إدراك ذاته أو التفاعل مع محيطه.

أقوال مأثورة عن القراءة

أقوال عربية:

• جبران خليل جبران:
  
  “الكتب هي الآثار الأكثر بقاءً من أي عمل فني آخر. لا تموت، ولا تنضب، وتظل تنقل المعرفة من جيل إلى آخر.”

• طه حسين:
  
  “القراءة مفتاح الحياة، وهي التي تفتح أمام الإنسان الأبواب المغلقة.”

• عباس محمود العقاد:
  
  “لست أهوى القراءة لأكتب، ولا لأزداد عمراً في تقدير الحساب، إنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني.”

أقوال عالمية:

• فرانسيس بيكون:
  
  “القراءة تصنع الإنسان الكامل، والمحادثة تصنع الإنسان المستعد، والكتابة تصنع الإنسان الدقيق.”

• أمبرتو إيكو:
  
  “من لا يقرأ يعيش حياة واحدة فقط، أما من يقرأ فيعيش آلاف الحيوات.”

• مارك توين:
  
  “الشخص الذي لا يقرأ ليس أفضل حالاً من الشخص الذي لا يستطيع القراءة.”

• كارل ساجان:
  
  “الكتب تحف ذهنية، أدوات لإشعال التفكير، بداخلها تجد الأرواح القديمة تنطق بالحكمة.”

أثر القراءة على العقل والنفس

القراءة تحرّر الإنسان من قيود الجهل، وتمنحه أدوات التحليل والنقد والتمييز. عندما يقرأ الإنسان، يتعرض لوجهات نظر متعددة، ويتعرّف على ثقافات مختلفة، مما يصقل تفكيره ويعمّق نظرته للوجود. وعلى الصعيد النفسي، تُعد القراءة ممارسة تأملية تهدئ الأعصاب وتمنح الإنسان فسحة للهروب من ضغوط الحياة اليومية.

في دراسة نفسية حديثة، تبيّن أن القراءة لمدة ست دقائق فقط يمكن أن تقلل من مستويات التوتر بنسبة تصل إلى 68%، متفوقة بذلك على الاستماع للموسيقى أو المشي. وهذا يدل على أن القراءة ليست ترفاً، بل ضرورة نفسية وجسدية.

القراءة وبناء المجتمعات

المجتمعات التي تقرأ هي المجتمعات التي تتقدم وتنتج وتبدع. ففي كل حضارة نهضت، كانت القراءة في صلب المشروع الحضاري. ومتى ما انتشرت القراءة في مجتمع، ازدهرت معه مختلف قطاعات الحياة: من التعليم إلى الاقتصاد، ومن الفن إلى السياسة.

وقد أدركت الدول المتقدمة أهمية القراءة، فأنشأت المكتبات العامة والمراكز الثقافية، وجعلت من الكتاب ركيزة أساسية في العملية التعليمية. أما في البلدان التي تعاني من التراجع الحضاري، فإن أحد أبرز مظاهر هذا التراجع هو عزوف الناس عن القراءة، وانشغالهم بوسائط سطحية لا تبني فكراً ولا تنمّي وعياً.

جدول لأشهر أقوال عن القراءة

القراءة في العصر الرقمي

مع تطور التكنولوجيا، تغيّرت طبيعة القراءة، وأصبح القارئ يعيش في عصر القراءة الرقمية. من الكتب الإلكترونية إلى المقالات التفاعلية، انتقل الإنسان من الورق إلى الشاشة. وعلى الرغم من أن هذا التحول سهّل الوصول إلى المعرفة، إلا أنه في كثير من الأحيان ساهم في تقليل عمق القراءة.

في ظل الفيض المعلوماتي الرقمي، أصبحت الحاجة إلى القراءة العميقة أكثر إلحاحاً. فالفارق بين القارئ الحقيقي ومن يكتفي بالمسح السطحي للمحتوى هو فارق في العمق والنضج والتأثير. لذا، فإن القراءة الواعية تتطلب تركيزاً وتفرغاً وقدرة على التحليل، لا مجرد المرور على الكلمات.

القراءة وتشكيل الهوية الفكرية

الإنسان القارئ لا يتشكّل بالصدفة، بل هو نتاج تربية ثقافية، وبيئة محفزة، وإرادة شخصية. وكل كتاب يقرأه يترك أثراً في تكوينه، ويضيف لبنة في بناء شخصيته وهويته الفكرية. فالقارئ الحقيقي هو من يملك استقلالاً فكرياً، وقادراً على صياغة آرائه بناءً على فهم عميق واستيعاب متين.

ولهذا، فإن القراءة لا تصنع فقط المثقف، بل تصنع الإنسان الحر، المتحرر من الجهل، والمستقل في تفكيره. إنها وسيلة للتحرر من التبعية والانقياد، وبوابة نحو العقلانية والتفكر والنقد.

القراءة كأداة للنهضة

في تاريخ الأمم، نجد أن كل نهضة حضارية سبقتها نهضة معرفية، والقراءة كانت في قلب تلك النهضة. فقد شهد العصر العباسي على سبيل المثال ازدهاراً علمياً غير مسبوق بفضل الترجمة والقراءة والاهتمام بالعلوم. وكذلك في عصر النهضة الأوروبية، كانت المطبعة والثقافة القرائية هي المحرك الأساسي للحراك الفكري والاجتماعي.

اليوم، في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتنافس فيه الأمم، لا يمكن لأي أمة أن تدخل سباق الحضارة من دون مجتمع قارئ. القراءة ليست ترفاً فكرياً، بل هي حاجة حضارية، وهي العمود الفقري لأي مشروع نهضوي.

الخاتمة

القراءة فعل وجودي، يشكل عمق الإنسان ويمتد أثره إلى كل جوانب الحياة. إنها الجسر الذي يربط الإنسان بماضيه، ويفتح أمامه أبواب المستقبل، وهي التي تحول الإنسان من كائن بيولوجي إلى كائن فكري. وقد عبّر عن هذا المعنى كبار المفكرين والأدباء في أقوال خالدة، تعكس ما للقراءة من قيمة عليا.

ولعل أبلغ ما يمكن أن نختم به هذا المقال هو ما قاله الأديب الإيطالي إيتالو كالفينو:

“اقرأ لتعيش.”

المصادر والمراجع:

1. عباس محمود العقاد، ساعات بين الكتب، دار المعارف، القاهرة.

2. أمبرتو إيكو، اسم الوردة، دار المدى.