عنوان المقال: أقوال عن المنافقين
تُعدّ مسألة النفاق من أخطر الظواهر السلوكية والأخلاقية التي عرفها الإنسان على امتداد التاريخ، وقد حظيت باهتمام بالغ في الأديان، والفلسفات، والأدب، والتاريخ السياسي والاجتماعي، لما تخلقه من خلل في منظومة القيم وتفكك في نسيج العلاقات الإنسانية. فالمنافق لا يحمل وجهًا واحدًا، بل يتلون بحسب مصلحته، ويتقن الكذب والتملق والخداع، مما يجعله مصدر خطر دائم على أي جماعة أو مجتمع يعيش فيه. وقد عبّرت الحكم والأقوال عبر القرون عن جوهر هذه الظاهرة بكل ما فيها من خبث وتضليل، وأدانت أصحابها بأقسى العبارات وأكثرها حدة.
النفاق في الفكر الديني والأخلاقي
من الناحية الدينية، وخاصة في الإسلام، يُعتبر النفاق من أعظم الآثام، وقد خُصّ المنافقون بسورة كاملة في القرآن الكريم، هي سورة المنافقون، لما يُمثله سلوكهم من خطر مزدوج؛ إذ يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ويخدعون المؤمنين بأقوالهم وأفعالهم. يقول تعالى:
“إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا” – (النساء: 145)
هذا التوصيف يجعل من النفاق أشد خطرًا من الكفر الصريح، إذ إن المنافق يتغلغل بين الصفوف ويهدم من الداخل. والنبي محمد ﷺ وصف المنافق بخصال ثلاث، فقال:
“آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.” – رواه البخاري ومسلم.
كما أشار القرآن إلى طبيعة سلوكهم، بقوله تعالى:
“يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ” – (البقرة: 9)
الحكم والأقوال عن المنافقين في التراث العربي
عُرفت المجتمعات العربية، قبل الإسلام وبعده، بموقف صارم تجاه المنافقين. فقد اعتُبر النفاق خيانة مبطنة وتهديدًا للوحدة الاجتماعية. وقد قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
“إن المنافق يقول ما يُعجبك، ويعمل ما يُغضبك، ويظهر لك الحب، ويبطن لك البغض.”
وقال الحسن البصري:
“المنافق متلون، لا يثبت على حال، ولا يعرف له قرار، تارة معك وتارة عليك، إن رأى مصلحة فيك مال، وإن رأى غيرك أقوى انقلب.”
وقال عبد الله بن المبارك:
“المنافق لا يُؤمن جانبُه، ولا يُطمأن لقلبه، ولا تُصدق لسانه، ولو أقسم ألف يمين.”
هذه الأقوال وغيرها تعبّر عن الوعي المتقدم لدى مفكري الإسلام بالضرر العميق الذي يسببه النفاق، وضرورة الحذر من المنافقين، وعدم الركون إلى مظهرهم أو خطابهم اللين المخادع.
النفاق في الفلسفة والحكمة العالمية
النفاق لم يكن حكرًا على البيئة الإسلامية أو العربية، بل تناولته الفلسفات الغربية والأدب السياسي عبر قرون من التحليل والتجربة. الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو قال:
“المنافق كالحرباء، يتغير حسب الضوء، ويأخذ لون محيطه، لكنه لا يتغير من الداخل.”
أما جان جاك روسو فقد عبّر بحدة عن كراهيته للنفاق، فقال:
“المنافق شخص فقد ذاته، يلبس قناعًا فوق قناع، حتى ينسى ملامحه الأصلية.”
وفي التراث الإنجليزي نجد مقولة شهيرة:
“Hypocrisy is the homage vice pays to virtue.”
أي أن النفاق هو الثناء الزائف الذي يقدمه الرذيل إلى الفضيلة.
وكتب ويليام شكسبير في إحدى مسرحياته:
“المنافق يضع وجوهًا لا تُحصى، لا تعرفه حتى نفسه.”
أما نيتشه، الفيلسوف الألماني، فقال في وصفه للمنافقين:
“أسوأ أنواع الكذب هو الذي نقوله لأنفسنا، والمنافقون هم سادة هذا النوع من الكذب.”
صفات المنافقين في الأدب السياسي
في التاريخ السياسي، لعب المنافقون أدوارًا خطيرة، إذ تمكّنوا من تسلق المناصب العليا بالنفاق والتملق، واستغلال السلطة لتحقيق مصالح شخصية، دون الالتزام بأي مبدأ أخلاقي. وقد كتب مكيافيلي، في كتابه “الأمير”، عن كيفية استخدام الأقنعة السياسية لتحقيق الغايات، لكنه لم يدافع عن النفاق بقدر ما شرحه كواقع مؤلم.
وكان المفكر العربي عبد الرحمن الكواكبي قد انتقد النفاق السياسي بشدة، واعتبره أداة رئيسية في ترسيخ الاستبداد، فقال:
“المنافق هو أكبر عون للظالم، يزين له الشر، ويبرر له الطغيان، ويخدع العامة بتملقه وتدينه الكاذب.”
أقوال مأثورة عن المنافقين
| القائل | الحكمة عن النفاق |
|---|---|
| الإمام الشافعي | “إذا رأيت الرجل يُكثر من الكلام في غير ذكر الله، فاعلم أن قلبه مريض، وهو عرضة للنفاق.” |
| ابن القيم الجوزية | “النفاق هو مرض القلوب، وأصعب أمراضها علاجًا، لأنه مموه ومخادع.” |
| نجيب محفوظ | “المنافق يطلب رضا الجميع، فلا يرضى عنه أحد.” |
| جبران خليل جبران | “ويل لأمة تكثر فيها الطقوس وتقل فيها القيم، وتكثر فيها الوجوه وتقل فيها الوجدان.” |
| غاندي | “أكره النفاق أكثر من الكذب، لأن المنافق يعيش بالكذب، ويتنفسه كهواء.” |
| أفلاطون | “المنافق عدو خفي، لا يُواجهك أبدًا، بل يطعن من خلفك.” |
| توفيق الحكيم | “المنافق هو ممثل بارع، لكنه لا يدري متى يُسدل الستار.” |
أثر النفاق في المجتمعات
النفاق لا يُسبب فقط أذى فرديًا، بل يؤدي إلى خلخلة البنية الأخلاقية للمجتمع بأكمله، إذ يزرع الشك، ويهدم الثقة، ويعطل التقدم. في مجتمع يعج بالمنافقين، لا يُكافأ الصادق ولا يُحترم النزيه، بل يُكافأ من يُجيد التلون، ويتقن فنون المراوغة. هذه البيئة تؤسس لتحول القيم وتدني الأخلاق، وتخلق طبقة من المنتفعين الذين يبيعون الضمير بثمن بخس.
المنافق في العلاقات الاجتماعية
في العلاقات الإنسانية، يُعد وجود المنافقين سببًا دائمًا للتوتر والانهيار، فالمنافق لا يُمكن الاعتماد عليه، وهو على استعداد لخيانة أقرب الناس له إذا تغيّرت مصالحه. وجوده بين الأصدقاء خطر، وفي الأسرة كارثة، وفي العمل فتنة. ولذلك نجد التحذيرات المتكررة في كتب الأخلاق من مخالطة المنافق، أو الثقة به، أو الركون إلى وعوده الزائفة.
آثار النفاق على النفس الإنسانية
المنافق لا يعيش بسلام داخلي، بل يعيش حياة مزدوجة، فيها اضطراب دائم بين ما يُظهر وما يُبطن. وتؤدي هذه الحالة إلى تآكل الضمير، وفقدان الهوية، وانعدام الاتزان النفسي. فهو يخشى دائمًا الانكشاف، ويعيش في قلق دائم، لأن كل كذبة منه تجرّ أخرى، وكل تلوّن يُرغمه على مزيد من الادّعاء. وهذا ما جعل كثيرًا من علماء النفس يرون النفاق شكلًا من أشكال “الانفصام الأخلاقي”.
التصدي للنفاق: موقف إنساني وأخلاقي
التصدي للنفاق لا يكون فقط بكشف المنافقين وفضحهم، بل بتعزيز قيم الصدق، والشفافية، والوضوح، في كل مناحي الحياة. فالمجتمعات التي تربي أبناءها على الصدق وتكافئ الصراحة، لا تترك للنفاق بيئة خصبة. وكذلك المؤسسات التي تبني سلوكها على الشفافية والمساءلة، تضيّق الخناق على المنافقين الذين يتسلقون المراتب بالكذب والخداع.
في النهاية، النفاق مرض اجتماعي ونفسي وأخلاقي، لا يُمكن التساهل معه أو اعتباره أمرًا عابرًا. ولهذا حذرت منه الحكماء، ورفضه الفلاسفة، وحرّمت الأديان سلوكياته، لما له من أثر مدمر على الأفراد والمجتمعات.
المصادر
-
القرآن الكريم – تفسير ابن كثير
-
ابن قيم الجوزية، “مدارج السالكين”
