أقوال عن القراءة وأثرها

عنوان المقال: أقوال خالدة عن القراءة

تُعد القراءة واحدة من أرقى الأنشطة الإنسانية وأكثرها ارتباطًا برقيّ الحضارات وتقدّم الشعوب، فهي ليست مجرّد ترفٍ ثقافي بل ضرورة عقلية ونفسية، تُشكّل في عمقها أداةً لبناء الذات، وتوسيع المدارك، وتنوير العقول. لقد أدرك المفكرون والفلاسفة والمربّون منذ القدم مكانة القراءة ودورها المحوري في بناء المجتمعات، فخلّدت كتب التاريخ والأدب أقوالًا ملهمة عن القراءة، جاءت كثمرة لتجارب فكرية ونتاج لملاحظات دقيقة حول أثر الكلمة المكتوبة في الإنسان والمجتمع.

في هذا المقال الموسّع، نغوص في أقوال كبار المفكرين والكتّاب من مختلف الثقافات عن القراءة، مع إبراز البعد الفلسفي والتربوي والمعرفي لهذه الأقوال، لنكشف عن القيمة الجوهرية لهذا الفعل البسيط في الظاهر، العظيم في الجوهر.

القراءة في ميزان الحضارات

عبر التاريخ، اقترنت النهضة الحضارية دومًا بازدهار المعرفة، وكانت القراءة دائمًا في صلب هذا الازدهار. فالحضارات التي أولت اهتمامًا خاصًا بالكتب والمكتبات والتعليم، نجحت في ترك بصمات خالدة في سجل الإنسانية. ولعل المكتبات القديمة مثل مكتبة الإسكندرية ومكتبة بغداد في العصر العباسي، تمثلان أبهى صور هذا الارتباط.

قال الكاتب الأمريكي كارل ساغان:

“الكتب هي السحر المحمول، فهي تنقلنا من عتمة الجهل إلى نور الفهم.”

هذا السحر الذي تحدّث عنه ساغان لا يقتصر على الكتب العلمية، بل يشمل الروايات، والفلسفة، والتاريخ، وكل أشكال الأدب التي تفتح أبوابًا لفهم العالم من زوايا متعددة.

أقوال الفلاسفة والمفكرين عن القراءة

فرانسيس بيكون

“القراءة تصنع الإنسان الكامل؛ والمشورة تصنع الإنسان المستعد؛ والكتابة تصنع الإنسان الدقيق.”

بيكون، في هذه العبارة الموجزة، لخص دورة المعرفة: القراءة تزوّد بالمواد الخام للأفكار، النقاش ينقّحها، والكتابة تُثبتها. القراءة عنده ليست نشاطًا ترفيهيًا بل جزء لا يتجزأ من بناء الإنسان المتكامل.

جان بول سارتر

“قراءة كتاب جيد يشبه الدخول في حوار صامت مع أعظم العقول في العصور الماضية.”

فالقراءة، كما يراها سارتر، ليست عزلة، بل تواصل حميميّ مع المفكرين الذين عاشوا عبر الأزمان، وتجاوز للحدود الزمنية والمكانية.

جورج أورويل

“القراءة وسيلة للبقاء؛ في عالم فوضوي لا نملك فيه إلا أن نعود للكتب كي نفهم.”

أورويل الذي شهد اضطرابات الحروب والفكر السياسي، يرى أن الكتاب يمثل ملاذًا ضدّ العبث والضياع.

أقوال الأدباء عن القراءة

خورخي لويس بورخيس

“كنت أتصور الجنّة نوعًا من المكتبة.”

هذه المقولة تُجسّد أقصى درجات العشق للكتب، فبورخيس الذي فقد بصره لاحقًا، بقي يرى القراءة كنشاط يتجاوز حدود الزمان والمكان.

مارغريت فولر

“اليوم قارئة، وغدًا قائدة.”

عبارة تجسّد تمكين الفرد من خلال القراءة، وتربط بوضوح بين الثقافة والقيادة، وبين بناء الذات وقدرتها على التأثير.

أمبرتو إيكو

“من لا يقرأ يعيش حياة واحدة فقط، أما من يقرأ فيعيش آلاف الحيوات.”

في هذا القول تتجلى الروح الروائية لإيكو، الذي يربط بين تعددية الشخصيات التي نعيشها أثناء القراءة وتعدد الخبرات الإنسانية.

أقوال عربية خالدة عن القراءة

لم يكن الفكر العربي بعيدًا عن تقديس القراءة، بل كانت جزءًا من بنية الحضارة الإسلامية، التي جعلت من أول كلمة في القرآن: “اقرأ”. لقد فهم العلماء المسلمون منذ البدايات أن القراءة ليست فعلًا محدودًا، بل انطلاقة لرحلة العقل.

الجاحظ

“الكتاب هو الجليس الذي لا يملّك، والصديق الذي لا يغشّك، والرفيق الذي لا يرفثك، والمستمع الذي لا يستبطئك، والمعلّم الذي لا يضجرك.”

كلمات الجاحظ تعكس فلسفة كاملة في التعامل مع الكتاب ككائن حيّ، ذو أثر وجداني وفكري، يعيد تشكيل القارئ دون عناء.

ابن خلدون

“القراءة غذاء للعقل كما أن الطعام غذاء للبدن.”

يرى ابن خلدون في القراءة عملية مماثلة للأكل، من حيث ضرورتها وانتظامها لتقوية الكيان العقلي للإنسان.

القراءة كتحرر من الجهل

قال مالك بن نبي:

“كل أمة لا تقرأ تموت، ولو كانت حية في الظاهر.”

يتناول هذا القول العلاقة بين القراءة والوعي الجمعي للأمم، فالقراءة ليست ترفًا نخبويًا بل صمام أمان يحفظ الهوية ويصون الفعل الحضاري. والجهل لا يعني فقط غياب المعرفة بل الانغلاق عن التعددية، والنفور من الآخر، وعدم القدرة على النقد والتجديد.

دور القراءة في بناء الشخصية

القراءة ليست فقط عملية تعليمية، بل بناء نفسي وأخلاقي وثقافي. فهي تمنح الفرد أدوات التفكير المنطقي، والقدرة على التحليل، والمرونة في مواجهة الأزمات.

قال أفلاطون:

“من يقرأ كثيرًا ويتأمل، لا يعبأ كثيرًا بصغائر الأمور.”

تُكسب القراءة القارئ عمقًا وبعدًا عن السطحية والانفعال، فتجعل منه شخصًا أكثر رزانة واتزانًا.

وقال مصطفى صادق الرافعي:

“إذا أردت أن تعرف مقام الأمة، فانظر إلى ما تقرأ.”

وهو بذلك يربط القراءة بالهوية الجمعية، ويعكس كيف أن ما نقرؤه يمثل مرآة لمدى ارتقاءنا أو تراجعنا الحضاري.

جدول ملخّص لأبرز الأقوال حول القراءة وتأثيرها

القراءة والحرية الفكرية

من أكثر ما يرتبط بالقراءة هو حريّة الفكر. فالمجتمعات التي تقرأ هي المجتمعات التي ترفض أن تُلقَّن، والتي تقف في وجه الاستبداد، لأنها تمتلك قدرة تحليلية، وقابلية للمساءلة والنقد.

قال فولتير:

“من يسيطر على الكتاب، يسيطر على الوعي.”

وهنا يظهر وجه آخر للقراءة: سلاح في وجه التجهيل والسيطرة، وأداة للتحرّر الذاتي من قيود التلقين.

القراءة والخيال

القراءة لا تفتح فقط أبواب المعرفة، بل تفتح أبواب الخيال أيضًا، خاصة من خلال الأدب والرواية والشعر. وقد قال ألبرتو مانغويل:

“كل كتاب هو عالم موازٍ، نعيش فيه حياة غير حياتنا.”

ففي القراءة تتوسّع الذات، وتكبر الروح، ويصير الإنسان أكثر احتواءً للعالم، وأكثر فهمًا لتعقيداته.

خاتمة فكرية

إن الأقوال التي قيلت عن القراءة عبر القرون، لم تكن مجرّد عبارات أدبية أو ملاحظات عابرة، بل كانت تعبيرًا صادقًا عن مكانة هذا الفعل الجوهري في مسيرة الإنسان نحو النور، والتحرر، والفهم. ولأن القراءة فعل فردي نتائجه جماعية، فإن كل قارئ يُسهم بصمت في نهضة أمته، ويضع لبنة في صرح الحضارة. إن الكلمات التي قيلت في حقّ القراءة، تُعدّ هي نفسها دافعًا للمزيد من القراءة، لأن كل حكمة في هذا المقال وُلِدت أصلًا من قارئ عظيم عرف كيف يستنطق السطور ويخلق منها رؤية.

المراجع

1. الجاحظ، “البيان والتبيين”، دار الكتب العلمية.

2. ألبرتو مانغويل، “تاريخ القراءة”، ترجمة: بدر الرفاعي، دار المدى.