أقوال عن الظلم والاستبداد

عنوان المقال: أقوال مأثورة عن الظلم والاستبداد

يُعد الظلم من أكثر السلوكيات التي استنكرها العقلاء على مر العصور، وذمها الأنبياء والحكماء، لما له من آثار كارثية على الأفراد والمجتمعات. فالظلم لا يقتصر فقط على اغتصاب الحقوق أو الاعتداء على الآخرين، بل يشمل أيضًا السكوت عن الظلم، والتغاضي عن الاستبداد، والمشاركة في أنظمة قائمة على القهر والقمع. الاستبداد، من جانبه، هو الوجه المؤسسي للظلم، حيث يتمركز الظلم في يد فرد أو جماعة، تُخضع الآخرين لإرادتها بالقوة وتكتم أنفاسهم، وتمنع عنهم الحرية والعدالة.

لقد حفلت كتب التراث والأدب، ونتاجات الفلاسفة والمصلحين عبر العصور، بفيض من الأقوال المأثورة التي تُدين الظلم والاستبداد، وتُبيّن بشاعة آثارهما، وتحفّز الشعوب والأفراد على الوقوف في وجههما. في هذا المقال، سيتم استعراض مجموعة واسعة من الأقوال التي قيلت عن الظلم والاستبداد، مع تحليل خلفياتها التاريخية والفكرية والاجتماعية، بهدف تسليط الضوء على البعد الإنساني لهذه القضايا الجوهرية.

أولاً: الظلم في الفكر الإنساني والأخلاقي

الظلم مرفوض في كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، ويُعد من أعظم الجرائم الأخلاقية التي يمكن أن يرتكبها الإنسان في حق أخيه الإنسان. ومن أشهر ما قيل عن الظلم:

• علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): “يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم.”
  
  تعكس هذه المقولة مبدأً عميقًا في العدل الإلهي، حيث تُمهل العدالة الإلهية الظالم لكنها لا تُهمله، ويأتي يوم يذوق فيه الظالم مرارة فعله.

• ابن خلدون: “الظلم مؤذن بخراب العمران.”
  
  هذه الجملة الشهيرة في مقدمته الشهيرة، تُجسد نظرة واقعية لعواقب الظلم على المجتمعات، إذ أن الظلم هو العامل الأساسي في انهيار الحضارات وزوال الدول.

• الإمام الشافعي: “بلوت بني الدنيا فلم أر فيهم… سوى من غدا والبخل ملء إهابه… فجردت من غمد القناعة صارمًا… قطعت رجائي منهم بذبابه… فلا ذا يودني لفضل لديّه… ولا ذا يزورني لغناه أو نابه… إذا ما أتيت الأمر من غير بابه… ضللت، وإن تقصدْ إليه أتيته.”

• جبران خليل جبران: “الحق يحتاج إلى رجلين: رجل ينطق به، ورجل يفهمه.”
  
  يعبّر جبران عن أن الظلم لا يُواجه بالكلمات فقط، بل بفهم عميق ووعي حيّ، وأن مواجهة الاستبداد تتطلب أكثر من مجرد الاحتجاج، بل تحتاج إلى وعي جماهيري حقيقي.

ثانيًا: الاستبداد السياسي والاجتماعي في الأقوال المأثورة

الاستبداد هو نظام قائم على القمع وإلغاء التعددية ومنع التفكير الحر، وهو عدو للإنسانية وللتقدم. من الأقوال العظيمة التي تناولت هذا الموضوع:

• عبد الرحمن الكواكبي: “الاستبداد أصل لكل فساد، وقاعدة لكل انحطاط.”
  
  هذا القول من كتابه “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” يمثل جوهر فكر الكواكبي، حيث يرى أن الاستبداد لا ينتج عنه سوى الفساد الأخلاقي والسياسي والاجتماعي.

• جون لوك: “حيث تنتهي القوانين يبدأ الاستبداد.”
  
  يعكس هذا القول بوضوح أن الاستبداد لا يظهر إلا حين تُعلّق القوانين وتُهمّش المؤسسات، ويُصبح الحاكم فوق المحاسبة.

• فولتير: “قد أختلف معك في الرأي، ولكنني مستعد أن أموت من أجل أن تدلي برأيك.”
  
  هذا القول يُبرز موقفاً مبدئياً ضد الاستبداد الفكري، ويعبر عن عمق الإيمان بحرية الرأي والتعبير كقيمة إنسانية عليا.

ثالثًا: أقوال الشعراء في ذم الظلم والاستبداد

عبر التاريخ العربي والإسلامي، تناول الشعراء ظاهرة الظلم والاستبداد بلغة صارخة، وغالبًا ما كانت قصائدهم تحريضية على التمرد والوعي. من أشهر هذه الأقوال:

• المتنبي:
  
  “إذا أنت أكرمت الكريم ملكته… وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا
  
  ووضع الندى في موضع السيف بالعُلا… مضرٌّ، كوضع السيف في موضع الندى”
  
  هنا يربط المتنبي بين الظلم والاستبداد من جهة، وبين الخلل في موازين العدالة والمروءة من جهة أخرى.

• أحمد شوقي:
  
  “الحرية الحمراء تُسقى بالدما… وجِراحاتُ الأحرار لها عطرٌ”
  
  يعبّر شوقي عن أن مقاومة الاستبداد لا تكون إلا بالتضحيات، وأن الحرية لا تُنال دون ثمن.

• معروف الرصافي:
  
  “علم ودستور ومجلس أمة… كل عن المعنى الصحيح محرف
  
  أحرامٌ على بلابله الدوح… حلالٌ للطير من كل جنس؟”
  
  يسلط الرصافي الضوء على التناقضات في نظم الحكم الاستبدادي، حيث تُفرغ المؤسسات من مضمونها الحقيقي وتُستعمل كشعارات فارغة.

رابعًا: الظلم في الديانات السماوية

الشرائع السماوية جاءت جميعها لتحرر الإنسان من القهر والظلم، وتدعو إلى إقامة العدل والحق.

• في القرآن الكريم:

  “ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار” [إبراهيم: 42]
  
  آية عظيمة تؤكد أن الله لا يترك الظالم بلا عقاب، بل يُمهله ليزداد إثمه، ثم ينزل به العقاب العادل.

  “إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون” [يونس: 44]
  
  هنا نفي مطلق لوقوع الظلم من الخالق، وتأكيد أن الظلم إنما هو من صنع البشر أنفسهم.

• في الإنجيل:

  “طوبى للجياع والعطاش إلى البر، لأنهم يُشبعون” [متى 5:6]
  
  إشارة إلى أن الجوع للعدالة والرغبة في الحق من القيم التي يُثاب عليها الإنسان.

خامسًا: أثر الظلم والاستبداد على الشعوب

الظلم والاستبداد لا يُنتجان إلا الفقر، والجهل، والتخلف. وتُبين كتب التاريخ أنه لا يوجد استقرار حقيقي تحت سلطة ظالمة، لأن الظلم يولّد النقمة، ويغذّي الحقد، ويدفع نحو الانفجار.

سادسًا: مواقف تاريخية ضد الظلم والاستبداد

• الثورة الفرنسية (1789):
  
  جاءت نتيجة قرون من الظلم الإقطاعي، حيث طالب الشعب بالمساواة والعدالة والحرية، وأسقط الحكم المطلق للملوك.

• عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
  
  يروى أنه قال: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟”، في موقفه من ظلم أحد ولاته للمصري القبطي. يمثل هذا القول قاعدة حقوقية عظيمة في رفض الاستبداد الإداري والسياسي.

• غاندي:
  
  قاوم الاحتلال البريطاني للهند دون سلاح، وقال: “الاستبداد لا يُقاوَم بالعنف بل باللاعنف”، وأثبت أن الوقوف أمام الظلم لا يتطلب دائماً سلاحاً، بل إرادة حرة.

سابعًا: مقاومة الاستبداد والظلم في الفكر الإصلاحي الحديث

شهد القرن التاسع عشر وبداية العشرين مجموعة من المفكرين العرب الذين تصدوا لمظاهر الاستبداد في العالم الإسلامي، أبرزهم:

• الكواكبي، الذي رأى أن الاستبداد هو المرض الذي يجب استئصاله أولًا قبل الحديث عن أي نهضة.

• محمد عبده، الذي دعا إلى تحرير العقول من الخرافة والطغيان الفكري.

• جمال الدين الأفغاني، الذي اعتبر أن تحرير الإنسان المسلم يبدأ برفض الاستعباد السياسي.

هؤلاء المفكرون كانوا طلائع الإصلاح، وقد دفعوا ثمناً باهظاً في سبيل قولهم للحق، ومواجهتهم للاستبداد.

خاتمة تحليلية

الظلم لا يدوم، والاستبداد إلى زوال. فالتاريخ مليء بالشواهد التي تثبت أن حكم الظالم لا يستقر، وسلطة المستبد تُهدم من داخلها. الشعوب التي تعي قيمة الحرية وتقدّس الكرامة الإنسانية لا يمكن أن ترضى بالذل طويلاً. إن ما قاله الحكماء والفلاسفة والشعراء عن الظلم والاستبداد ليس مجرد أقوال مرسلة، بل هي دروس ووصايا، اختُصرت فيها تجارب شعوب وأمم. لا سبيل للنهضة والازدهار إلا بالعدل، ولا كرامة للإنسان إلا في ظل الحرية.

المراجع:

• الكواكبي، عبد الرحمن. طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد.

• ابن خلدون. المقدمة.