عدد أقمار كوكب المريخ: دراسة تفصيلية وشاملة

يُعتبر كوكب المريخ رابع كواكب المجموعة الشمسية من حيث البعد عن الشمس، ويتميز بكونه أحد أكثر الكواكب اهتمامًا لدى العلماء والفلكيين، نظرًا لخصائصه الفيزيائية والجيولوجية التي تشبه إلى حد بعيد الأرض. من بين الظواهر الفريدة التي تثير الفضول حول المريخ هي أقمرته المعروفة، أو بالأحرى أقمرته، حيث يمتلك المريخ قمرين صغيرين، وهما فوبوس وديموس. هذه الأقمار الصغيرة تحمل أهمية كبيرة في فهم تكوين النظام الشمسي، وتاريخ الكوكب الأحمر نفسه، فضلاً عن تأثيرها على البحوث الفضائية والاستكشافات المستقبلية.

1. تاريخ اكتشاف أقمار المريخ

بدأت رحلة اكتشاف أقمار المريخ في أوائل القرن العشرين، وبالتحديد في عام 1877 حينما اكتشف الفلكي الأمريكي آسا كليمنت كلايد (Asaph Hall) أول قمر للمريخ وأطلق عليه اسم “فوبوس” (Phobos)، وبعد فترة قصيرة من اكتشافه، اكتشف القمر الثاني “ديموس” (Deimos). تم اكتشاف هذين القمرين باستخدام تلسكوب كبير في مرصد واشنطن الوطني، وكان ذلك اكتشافًا مذهلاً في عصره لأن هذا الكوكب لم يكن معروفًا بامتلاكه أقمارًا مثل كوكب الأرض أو زحل.

تعتبر هذه الأقمار من بين أصغر الأقمار في النظام الشمسي، ولا تتجاوز أبعادها بضعة كيلومترات، مما يجعلها تختلف كليًا عن الأقمار الضخمة الأخرى مثل قمر الأرض أو أقمار كوكب المشتري.

2. وصف عام لأقمار المريخ: فوبوس وديموس

2.1 فوبوس (Phobos)

يعد فوبوس القمر الأكبر والأقرب إلى كوكب المريخ، حيث يبلغ قطره حوالي 22.2 كيلومترًا فقط، ويبعد عن المريخ حوالي 6000 كيلومتر. يتسم فوبوس بسرعة دوران عالية حول المريخ، حيث يكمل دورة كاملة حول الكوكب في حوالي 7 ساعات و39 دقيقة، أي أنه يدور حول المريخ أسرع من دوران المريخ حول نفسه.

يشبه فوبوس في شكله غير المنتظم جسمًا صخريًا مليئًا بالفوهات الناتجة عن التصادمات النيزكية، كما أن سطحه مغطى بغبار ناعم يعرف بـ”الريغوليث”، وهو الذي يعطيه لونه الرمادي الداكن. أهم ما يميز فوبوس هو قربه الشديد من المريخ، مما يؤدي إلى تعرضه لقوى جاذبية كبيرة تؤثر على مداره بشكل مستمر، حيث من المتوقع أنه بعد ملايين السنين قد يقترب فوبوس من المريخ إلى درجة قد يؤدي فيها تحلله أو سقوطه على سطح الكوكب.

2.2 ديموس (Deimos)

يعد ديموس القمر الأصغر والأبعد عن كوكب المريخ، حيث يبلغ قطره حوالي 12.4 كيلومترًا، ويبعد عن المريخ حوالي 20,000 كيلومتر. يدور ديموس حول المريخ بشكل أبطأ من فوبوس، حيث يكمل دورة كاملة في حوالي 30.3 ساعة.

مثل فوبوس، يتميز ديموس بشكله غير المنتظم وسطحه المغطى بفوهات صغيرة وجليدية، ولكن سطحه يبدو أكثر سلاسة نسبيًا مقارنة بفوبوس بسبب وجود أقل عدد من الفوهات الكبيرة.

3. الخصائص الفيزيائية والكيميائية لأقمار المريخ

تتمتع أقمار المريخ بخصائص فيزيائية وكيميائية فريدة تميزها عن بقية أقمار النظام الشمسي. من أبرز هذه الخصائص:

• الكتلة والكثافة: تتمتع الأقمار بكثافة منخفضة نسبيًا، مما يشير إلى أنها تتكون من مواد صخرية وجليدية، مع وجود فراغات بينها، وهذا يدعم فرضية أنها أجسام غير متماسكة بشكل كامل.

• الشكل: غير منتظمة، حيث لا تمتلك هذه الأقمار شكل كروي مثالي، بسبب حجمها الصغير وعدم وجود جاذبية كافية لجعلها تتشكل بشكل كروي.

• المدارات: يدور كلا القمرين حول المريخ في مدار شبه دائري، ويختلف بعدهما بشكل كبير عن بعضهما البعض.

• السطح: مغطى بفوهات ناتجة عن الاصطدامات النيزكية، وهو ما يشير إلى تاريخ تصادمي طويل، بالإضافة إلى وجود غبار دقيق يغطي سطحها.

4. نظريات أصل أقمار المريخ

ثمة العديد من النظريات التي تحاول تفسير أصل وجود هذين القمرين، وما إذا كانا تشكلوا مع المريخ نفسه أو تم التقاطهما لاحقًا من خلال جاذبية الكوكب.

4.1 نظرية التقاط الكويكبات

واحدة من النظريات الرائجة هي أن فوبوس وديموس كانا كويكبتين صغيرين في حزام الكويكبات بين المريخ والمشتري، تم التقاطهما بواسطة جاذبية المريخ في مرحلة ما من تاريخ النظام الشمسي. تدعم هذه النظرية شكلهما غير المنتظم وتركيبتهما التي تشبه الكويكبات.

4.2 نظرية التكون المشترك

تقترح هذه النظرية أن أقمار المريخ تشكلت في نفس الوقت الذي تشكل فيه الكوكب نفسه، من خلال تراكم الغبار والغاز في قرص التراكم حول المريخ في بدايات تكون النظام الشمسي.

4.3 نظرية الاصطدام العملاق

تشير هذه النظرية إلى أن فوبوس وديموس قد تشكلتا من بقايا اصطدام كبير بين المريخ وجسم فضائي آخر، شبيهة بالنظرية التي تفسر تشكل قمر الأرض، ولكن لا توجد دلائل قوية تثبت هذه الفرضية حتى الآن.

5. أهمية دراسة أقمار المريخ في العلوم الفضائية

تشكل أقمار المريخ موضوعًا أساسيًا للعديد من الدراسات الفضائية لأسباب متعددة:

• فهم أصل النظام الشمسي: بفضل تركيبها وحركاتها المدارية، يمكن أن توفر معلومات مهمة عن نشأة الكواكب الصغيرة وحزام الكويكبات.

• البحوث المستقبلية للاستكشاف: قد تكون فوبوس وديموس منصات مثالية للهبوط الأول من قبل بعثات مأهولة لاستكشاف المريخ، وذلك لقربهما النسبي وسهولة الوصول إليهما مقارنة بسطح المريخ.

• المصادر الطبيعية: يُعتقد أن هذه الأقمار قد تحتوي على مواد أولية قابلة للاستخدام في عمليات البناء الفضائي أو الوقود، ما قد يساعد في إقامة قواعد فضائية مستقبلية.

6. مقارنة بين أقمار المريخ وأقمار الكواكب الأخرى

تختلف أقمار المريخ اختلافًا كبيرًا عن أقمار الكواكب العملاقة في النظام الشمسي مثل المشتري وزحل، حيث تمتلك هذه الكواكب عددًا كبيرًا من الأقمار بأحجام مختلفة، تتراوح من الصغيرة جدًا إلى الضخمة.

يوضح الجدول الفارق الشاسع بين أقمار المريخ الصغيرة وأقمار الكواكب العملاقة التي تتميز بأحجام أكبر وتأثيرات جاذبية أكبر.

7. مستقبل الأقمار المريخية

يشير العلماء إلى أن مستقبل فوبوس مختلف عن ديموس؛ حيث إن فوبوس يقترب تدريجيًا من المريخ نتيجة قوى المد والجزر التي يؤثر بها المريخ عليه. في غضون 30 إلى 50 مليون سنة، من المتوقع أن ينهار فوبوس إما بالسقوط على سطح المريخ أو بالتحطم إلى حلقات غبارية حول الكوكب، مشابهاً لحلقات زحل.

أما ديموس، فهو في مدار مستقر نسبيًا وسيبقى يدور حول المريخ لفترة أطول بكثير.

8. جهود البعثات الفضائية لاستكشاف أقمار المريخ

شهدت العقود الأخيرة جهودًا متواصلة لاستكشاف المريخ وأقماره، حيث أرسلت وكالات فضائية مثل ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية بعثات متعددة تركزت على دراسة المريخ نفسه وأقماره.

من المشاريع المستقبلية التي تستهدف فوبوس وديموس:

• بعثة اليابان (MMX): وهي مهمة تهدف إلى الهبوط على فوبوس وجمع عينات من سطحه وإعادتها إلى الأرض، مما سيساعد على فهم تركيب القمر بشكل أفضل.

• المسوحات المدارية: تستمر الأقمار الصناعية التي تدور حول المريخ في جمع بيانات دقيقة حول خصائص الأقمار، مثل تكوينها وتركيبها الجيولوجي.

هذه البعثات تسعى إلى توفير قاعدة معرفية متكاملة قد تسهم في التوسع البشري المستقبلي نحو الكوكب الأحمر وأقماره.

تُعد أقمار المريخ، فوبوس وديموس، من الأجسام السماوية الصغيرة لكنها غنية بالمعلومات العلمية، فهي مفتاح لفهم الكثير عن تاريخ النظام الشمسي، إضافة إلى دورها المستقبلي في رحلات الفضاء واستكشاف الكوكب الأحمر. عبر دراسة خصائصها المداراتية والفيزيائية والكيميائية، تتكشف أمامنا تفاصيل دقيقة عن نشأة النظام الشمسي، وطبيعة المواد التي تشكلت منها الكواكب والأقمار الصغيرة.

المصادر والمراجع:

• NASA Solar System Exploration: Mars Moons Overview

• Murray, C.D. & Dermott, S.F. (1999). Solar System Dynamics. Cambridge University Press.