أقسام التفسير بالمأثور
التفسير بالمأثور هو أحد أنواع التفسير التي تعتمد على النصوص المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة، والتابعين، لشرح معاني آيات القرآن الكريم. يُعدّ هذا النوع من التفسير من أقدم وأشهر طرق تفسير القرآن، وقد حظي بقبول واسع بين العلماء المسلمين على مر العصور. ولأهمية هذا النوع من التفسير في الحفاظ على معاني القرآن الكريم، فقد تعددت الأقسام التي ينقسم إليها. في هذا المقال، سنستعرض أقسام التفسير بالمأثور بشكل مُفصل.
1. التفسير بالحديث النبوي الشريف
التفسير بالحديث النبوي الشريف يعدّ من أهم أقسام التفسير بالمأثور، حيث يُعتمد فيه على الأحاديث النبوية الشريفة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي تفسّر وتبيّن معاني بعض آيات القرآن الكريم. من أشهر الأحاديث التي تم تفسير القرآن بها، تلك التي وردت في كتب الحديث المعروفة مثل “صحيح البخاري” و”صحيح مسلم”. هذه الأحاديث تُعتبر من أسمى وأوثق وسائل فهم معاني الآيات، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين للقرآن والمفسر الأول له.
أمثلة على ذلك: حديث تفسير قوله تعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” (البقرة: 83)، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من لا يُحسن القول لا يُحسن العمل”.
2. التفسير بأقوال الصحابة
التفسير بأقوال الصحابة هو القسم الثاني من أقسام التفسير بالمأثور، ويشمل تفسيرات الصحابة الكرام الذين عاشوا في عصر الوحي، وتعلموا القرآن مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم. هؤلاء الصحابة كانوا أقدر الناس على فهم معاني القرآن لكونهم قد عاشوا في بيئة الوحي، وسمعوا الآيات تتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة.
من أشهر الصحابة الذين عرفوا بتفسيرهم للقرآن الكريم الصحابي الجليل عبد الله بن عباس، الذي كان يُلقب بـ “ترجمان القرآن”، وكان له العديد من الأقوال في تفسير آيات القرآن. على سبيل المثال، تفسيره لقوله تعالى: “فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ إِنِّي نَسِيتُ” (السجدة: 14)، حيث قال: “إن هذا من الله تعالى يوبخهم على تركهم ما كانوا يعلمونه من دلائل القرآن”.
3. التفسير بأقوال التابعين
التفسير بأقوال التابعين يأتي بعد التفسير بأقوال الصحابة، وهو يعتمد على آراء العلماء الذين عاشوا في الجيل الذي تلا جيل الصحابة، ودرسوا القرآن الكريم معتمدين في تفسيره على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة الكرام. التابعون ليسوا مباشرة في الاتصال بالوحي، ولكنهم ورثوا الفهم الصحيح عن الصحابة.
من أشهر التابعين الذين قدموا تفسيرات قيمة للقرآن الكريم: سعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعكرمة. على سبيل المثال، تفسير مجاهد لقوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ” (البقرة: 277)، حيث قال مجاهد: “أن الإيمان لا يكون كاملاً إلا بالعمل الصالح، ولا عمل صالح إلا بالصدق مع الله”.
4. التفسير بالأخبار الواردة عن أهل البيت
التفسير بالأخبار الواردة عن أهل البيت يشمل أقوال آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا أهل علم ودراية بالقرآن. ويعد تفسيرهم للقرآن من المصادر القيمة لفهم المعاني الدقيقة للآيات.
من أبرز من قاموا بتفسير القرآن من أهل البيت هو الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وابنه الإمام الحسن، والإمام الحسين، وغيرهم من أئمة آل البيت. فهذه الأقوال تمثل تراثًا علميًا عميقًا، ودائمًا ما تأتي لتوضح المعاني التي قد تكون غامضة في بعض الآيات القرآنية.
5. التفسير بالقراءات المختلفة
القراءات القرآنية تختلف من قراءة إلى أخرى في النطق، ولكنها تتفق في المعنى الإجمالي. ويعتمد التفسير بالقراءات على فهم الفرق بين القراءات المختلفة للألفاظ القرآنية.
تُعتبر القراءات القرآنية وسيلة من وسائل تفسير القرآن الكريم بالمأثور، لأنها تظهر الاختلافات الدقيقة بين الطرق التي قرأ بها الصحابة، وهذه الاختلافات تعطي معاني متعددة للآيات.
على سبيل المثال، في الآية: “فَفَجَرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا” (القمر: 12)، في قراءة حفص: “فَفَجَرْنَا” بالفاء، بينما في قراءة ورش تأتي “فَفَجُرْنَا” بالباء. هذه الاختلافات تؤثر على الإيقاع والمعنى الدقيق للآية.
6. التفسير بالاجتهادات الفقهية
التفسير بالاجتهادات الفقهية يعتمد على ما أورده العلماء الفقهاء الذين درسوا النصوص القرآنية في إطار تخصصاتهم الفقهية. هذه التفسيرات لا تعتمد على الأحاديث النبوية أو أقوال الصحابة فقط، بل على اجتهادات شخصية يراها الفقيه بما يتناسب مع السياق الشرعي والواقعي للزمان والمكان.
من أشهر الفقهاء الذين قدموا اجتهادات فقهية تفسيرية: الإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، والإمام مالك، والإمام أبو حنيفة. هؤلاء العلماء أسسوا طرقًا لفهم آيات القرآن بناءً على القواعد الفقهية، مثل تفسير الآيات المتعلقة بالمعاملات والأحكام الشرعية.
7. التفسير بالتفسير الإشاري
التفسير الإشاري يعتمد على التأويل الرمزي والإشاري للآيات القرآنية، ويُستخدم هذا النوع من التفسير في فهم الآيات التي تتعلق بأمور غيبية أو روحانية. ويُركّز هذا النوع من التفسير على الفهم العميق للآيات والتوجه بها نحو معاني روحية أو إشارات عرفانية.
يُعتبر التفسير الإشاري من أنواع التفسير التي يعتمد عليها بعض العلماء المتصوفة والمفسرين الذين يتبعون الطرق الباطنية في تفسير القرآن. بينما يعتقد البعض أن التفسير الإشاري يمكن أن يكون أكثر ارتباطًا بالبعد الروحي للإنسان وليس بالجانب الحرفي للآية.
8. التفسير بالاستنباط من السياق القرآني
التفسير بالاستنباط من السياق القرآني يتطلب النظر في الآيات القرآنية معًا، وفهم العلاقات بين الآيات داخل السورة، أو بين سور القرآن بشكل عام. في هذا النوع من التفسير، يتم الاعتماد على فهم السياق العام للآية في إطار الآيات الأخرى التي تسبقها أو تليها.
هذا النوع من التفسير يُستخدم من قبل المفسرين الذين يسعون إلى استخراج دلالات دقيقة وآفاق جديدة من القرآن، عن طريق تفسير الآية بالنظر إلى السياق الذي وردت فيه، بعيدًا عن تفسيرها بمعزل عن غيرها من الآيات.
الخاتمة
يُعد التفسير بالمأثور من الطرق الرئيسية التي يعتمد عليها العلماء والمفسرون في تفسير القرآن الكريم. هذا التفسير يمثل امتدادًا لفهم معاني الكتاب المقدس الذي أُرسل هداية للبشرية. ومن خلال هذه الأقسام، يمكن للإنسان أن يتعرف على مختلف الوسائل والأساليب التي اعتمدها علماء الأمة في تفسير كتاب الله.
إن فهم القرآن عن طريق التفسير بالمأثور يُعتبر من أعظم الأمانات التي حملها علماء الأمة، ولا يزال هذا النوع من التفسير يشكل مرجعية أساسية لكل من يطلب معرفة معاني القرآن بصدق وشفافية.
