أغرب العادات في العالم: طقوس وممارسات تتحدى المألوف

في أعماق الثقافات المختلفة التي تمتد على وجه الكرة الأرضية، تتوارث الشعوب عادات وتقاليد قد تبدو غريبة أو حتى صادمة للعين الخارجية، لكنها في السياق الثقافي المحلي تحمل معاني عميقة وامتداداً تاريخياً متجذراً. هذه العادات، التي نشأت من ظروف بيئية، اجتماعية، دينية، واقتصادية فريدة، تجسّد التنوع الهائل في التجربة الإنسانية. لا تكشف هذه العادات فقط عن طرق مختلفة لفهم الحياة، بل تشير أيضاً إلى المرونة الفريدة للبشر في التكيّف، والتعبير عن الهويّة، والانتماء الجماعي.

طقوس المومياوات الحيّة في إندونيسيا (طوريجا – Toraja)

في منطقة “طوريجا” الواقعة في سولاويزي بإندونيسيا، تُمارَس طقوس فريدة تتعلق بتكريم الموتى تُعرف باسم “ماينين” (Ma’nene)، حيث يقوم الأهالي بإخراج جثامين أحبائهم من القبور كل بضع سنوات، لتنظيفها، وتلبيسها ملابس جديدة، والتقاط صور عائلية معهم. لا يُعتبر الموت نهاية للحياة بالنسبة لسكان طوريجا، بل مرحلة انتقالية طويلة يمكن أن تستمر لسنوات. يُحتفظ بالجثث أحيانًا داخل المنزل حتى يتمكّن الأقارب من تحضير جنازة لائقة.

هذه العادة ليست فقط تكريماً للموتى، بل تشكل أيضاً رابطاً حيّاً بين الأجيال وتعزز الروابط الأسرية، مهما فرّقت بينهم الحياة أو الموت.

كسر الصحون في حفلات الزفاف – اليونان

في تقليد قديم يرمز إلى الفرح والبهجة، يقوم المدعوون في حفلات الزفاف اليونانية بكسر الصحون على الأرض أو حتى على رؤوس العرسان أحياناً. يُعتقد أن هذا الفعل يجلب الحظ السعيد ويبعد الأرواح الشريرة. على الرغم من أن هذه العادة قد تراجعت نسبياً لأسباب قانونية وسلامة عامة، إلا أن بعض المناطق لا تزال تحافظ عليها كجزء أصيل من مراسم الزواج.

طقوس العبور إلى الرجولة – قبيلة ساتيري ماوي في الأمازون

في قلب غابات الأمازون، يمارس فتيان قبيلة ساتيري ماوي (Sateré-Mawé) طقساً غريباً لاختبار الرجولة والشجاعة: يتم إدخال أيديهم داخل قفازات مليئة بنمل الرصاص، المعروف بلدغته المؤلمة جداً، والتي توصف بأنها من أشد الآلام في العالم. يُطلب من الفتى أن يحتفظ بالقفازات لمدة 10 دقائق دون أن يُظهر ألماً. يُكرَّر هذا الطقس عشرين مرة خلال حياته حتى يُعتبر بالغاً بحق.

يرى أبناء القبيلة أن الألم يعزز الصبر ويُظهر قوة الشخصية، كما أن تحمل العذاب جزء أساسي من تحمّل مسؤوليات الرجولة.

الطماطم تتساقط كالمطر – مهرجان التوماتينا في إسبانيا

كل عام في بلدة بونيول الإسبانية، يُقام مهرجان “لا توماتينا”، حيث يتراشق المشاركون بأكثر من 100 طن من الطماطم الناضجة. ورغم أن أصل المهرجان غير واضح، إلا أنه تحوّل إلى حدث عالمي يجذب الآلاف. الطماطم المستخدمة تُخصص للمهرجان وتُعتبر غير صالحة للاستهلاك البشري.

المهرجان، على غرابته، يبرز الجانب المرح والمجنون من الاحتفالات الإسبانية، ويعدّ تعبيراً عن الانفصال المؤقت عن القيود الاجتماعية والاندماج في طقس جماعي عفوي.

كيّ الأجسام بالفحم – قبائل إثيوبيا

في قبائل “هامار” في جنوب إثيوبيا، يُجبر الفتيان على القفز فوق صف من الثيران العارية كجزء من طقس عبور إلى الرجولة، لكن أغرب ما في الأمر هو طقس الجلد العلني للفتيات المتعلقات بالفتى. يُسمح لهؤلاء الفتيات بطلب ضربهنّ بالعصي من قِبل الرجال، ويُترك لهن الندوب كعلامة على الولاء للعائلة. تعتبر هذه الجراح علامات جمال وشرف، وكلما كانت الجروح أعمق وأكثر عدداً، زاد احترامها.

رغم ما يبدو عليه الطقس من قسوة، فإنه يحمل دلالات ثقافية قوية تتعلق بالولاء والصمود.

الأقدام الذهبية – عادة ربط الأقدام في الصين

على مدى قرون، مارست النساء في الصين تقليدًا مؤلمًا يُعرف باسم ربط الأقدام (Foot Binding)، حيث تُربط أقدام الفتيات الصغيرات بإحكام لتُجبر على اتخاذ شكل صغير يشبه زهرة اللوتس. كان يُعتقد أن الأقدام الصغيرة علامة على الجمال والأنوثة والرقي الاجتماعي. تعرضت العديد من النساء لتشوّهات وعجز دائم نتيجة لهذه الممارسة التي حُظرت رسميًا في أوائل القرن العشرين لكنها تركت أثراً لا يُمحى في الثقافة الصينية.

بلع رماد الأحبة – قبائل الأمازون

من بين أغرب الطقوس الجنائزية في العالم، ما تمارسه بعض قبائل الأمازون كجزء من الحداد على المتوفين. بعد حرق جثة الميت، تُجمع رماده وتُخلط مع حساء أو طعام ليأكله أفراد العائلة. يرمز هذا إلى إعادة دمج روح الفقيد في جماعة الأحياء، والتأكيد على أن علاقات الدم لا تنتهي بالموت.

مهرجان حمل الزوجة – فنلندا

في مشهد فكاهي وغريب في آنٍ معاً، تقيم فنلندا سنوياً مسابقة دولية تُعرف بـ “حمل الزوجة” (Wife Carrying World Championship)، حيث يركض الأزواج عبر مسار مليء بالعقبات وهم يحملون زوجاتهم على ظهورهم. الفائز يحصل على وزن زوجته من البيرة.

بدأت هذه العادة كمزحة محلية ثم تحولت إلى حدث رياضي ساخر ذي طابع احتفالي.

قطع الأصابع حزناً – قبيلة داني في بابوا غينيا الجديدة

من أكثر العادات إثارة للدهشة، تلك التي تمارسها قبيلة “داني” في بابوا غينيا الجديدة، حيث تقوم النساء بقطع مفصل من أصابعهن عندما يفقدن أحد أفراد العائلة. يُعتقد أن الألم الجسدي يساعد في التعبير عن الحزن ويظهر التضحية الحقيقية.

رغم أن الحكومة حاولت حظر هذه الممارسة، إلا أنها لا تزال تُمارَس في بعض المناطق الريفية المعزولة.

النحيب الجماعي – إيران وبعض الدول الآسيوية

في بعض المجتمعات الإيرانية والآسيوية، يُمارس طقس النحيب الجماعي أثناء الجنائز، حيث تستأجر العائلات “نساء نائحات” للقيام بالبكاء والصراخ والعويل. يُعتبر هذا جزءاً من تكريم الفقيد والتعبير عن شدة الفقد، ويُعتقد أنه يسرّع من عملية الحداد.

الضحك في الجنازات – غانا

على النقيض من النحيب، تحوّل بعض المجتمعات في غانا مراسم الجنازة إلى احتفال بالحياة. تُقام الجنازات على وقع الرقصات والأغاني والضحك، وغالباً ما تُصمم التوابيت بأشكال غريبة مثل الأسماك، السيارات، أو الطائرات، تعبيراً عن مهنة المتوفى أو أحلامه.

مهرجان إخصاء الثيران – إسبانيا

في مناطق من إسبانيا مثل فالنسيا، يُمارَس طقس قديم يُعرف بـ “Toro Jubilo”، حيث تُشعل النار في قرني الثور ويتم إطلاقه في ساحة عامة. يُعدّ هذا الطقس تقليدًا شعبيًا يحتفل بالشجاعة والرجولة، إلا أنه واجه احتجاجات متكررة من منظمات حقوق الحيوان بسبب قسوته.

ضرب العريس بالحذاء – الهند

في بعض المناطق الريفية في الهند، يقوم أصدقاء العروس بضرب العريس بالحذاء كنوع من المزاح الثقافي أثناء مراسم الزواج. يُنظر إلى هذه العادة كوسيلة لإضفاء أجواء فكاهية على الحفل، وتعبيرًا عن الودّ بين الأسرتين.

النوم مع المتوفى – أستراليا القديمة

مارست بعض القبائل الأسترالية عادة غريبة تتمثل في نوم أحد الأقرباء مع جثة الميت لبضعة أيام قبل دفنه. يُعتقد أن هذه الممارسة تساعد في نقل الطاقة الروحية من المتوفى إلى الحي، وتُعدّ بمثابة وداع نهائي.

طقوس الإخصاء الطوعي – كوريا القديمة

في بعض الفترات من التاريخ الكوري، كان الرجال يلجؤون طوعاً إلى الإخصاء من أجل الالتحاق بوظائف البلاط الملكي، حيث يُعتبر الخصيان أكثر ولاءً وأماناً. رافق هذا الإجراء طقوس دينية واجتماعية معقدة، وكان يُنظر إليه كنوع من التضحية في سبيل خدمة الدولة.

جدول: مقارنة بين بعض أغرب العادات من حيث الهدف والموقع والتأثير الثقافي

المراجع:

1. BBC – The strangest traditions around the world

2. National Geographic – Bizarre Cultural Rituals

هذه العادات، رغم غرابتها الظاهرة، تُعتبر انعكاسات حقيقية للثقافة والهوية والتاريخ، وتؤكد على تنوع التجربة الإنسانية في مواجهة الحياة والموت، الفرح والحزن، الطفولة والبلوغ. لا يمكن تقييم هذه الممارسات بمنظور واحد، بل يجب فهمها ضمن سياقها الثقافي والاجتماعي الخاص.