أعراض الإنفلونزا: نظرة شاملة إلى الجوانب السريرية والتطورات الصحية المرتبطة

الإنفلونزا أو النزلة الوافدة (Influenza) من الأمراض الفيروسية الشائعة التي تصيب الجهاز التنفسي العلوي والسفلي، وتتسبب في تفشي موسمي يؤثر على مئات الملايين من الأشخاص حول العالم سنوياً. تختلف شدة أعراض الإنفلونزا من حالة إلى أخرى، وقد تمتد من أعراض خفيفة لا تكاد تُذكر إلى حالات شديدة مهددة للحياة، خاصة لدى الفئات ذات المناعة الضعيفة مثل المسنين، الأطفال، والمرضى المزمنين. يعود السبب الرئيسي في هذا التفاوت إلى طبيعة الفيروس نفسه وسرعة تحوّره، إضافةً إلى العوامل المناعية للمصاب. وتعد معرفة الأعراض التفصيلية للإنفلونزا خطوة حاسمة في التمييز بينها وبين الأمراض التنفسية الأخرى مثل الزكام أو “البرد العادي”، والتي قد تتشابه في المراحل الأولى.

أولاً: طبيعة فيروس الإنفلونزا وموسميته

ينتمي فيروس الإنفلونزا إلى عائلة Orthomyxoviridae، وينقسم إلى أنواع رئيسية هي A، B، وC، ويُضاف إليها نوع D الذي لا يصيب الإنسان عادة. النوعان A وB هما الأكثر ارتباطاً بالتفشيات الموسمية. يتميز الفيروس بقدرته العالية على التحور الجيني، وهو ما يفسر الحاجة إلى تحديث اللقاح سنوياً. تنتشر الإنفلونزا غالباً خلال فصلي الخريف والشتاء، وتتفاقم نسب العدوى في البيئات المغلقة أو المكتظة.

ثانياً: الأعراض الأولية للإنفلونزا

تبدأ أعراض الإنفلونزا بشكل مفاجئ بعد فترة حضانة قصيرة تتراوح ما بين يوم إلى أربعة أيام. وتُعتبر الأعراض التالية من أبرز المؤشرات الأولية للإصابة:

• الحمى المفاجئة: من العلامات الكلاسيكية للإنفلونزا، وقد تصل درجات الحرارة إلى 39 أو 40 درجة مئوية، وتستمر غالباً من يومين إلى خمسة أيام.

• القشعريرة والتعرق: تحدث نتيجة التغيرات السريعة في درجة حرارة الجسم.

• الصداع الحاد: يتركز عادة في الجبهة والمحيط العيني، ويرتبط بارتفاع الحرارة واستجابة الجهاز المناعي للفيروس.

• التعب والإرهاق العام: شعور عام بالضعف الجسدي والذهني قد يستمر حتى بعد زوال الأعراض الحادة.

ثالثاً: الأعراض التنفسية المرافقة

تمثل الأعراض التنفسية قلب الصورة السريرية للإنفلونزا، وتشمل:

• السعال الجاف المستمر: من أكثر الأعراض إزعاجاً، وقد يتحول في المراحل المتقدمة إلى سعال رطب مصحوب بالبلغم.

• احتقان الأنف وسيلانه: يشبه في مظهره احتقان الزكام، إلا أن حدّته عادة تكون أشد وأسرع تطوراً.

• التهاب الحلق: يظهر كعرض مبكر وغالباً ما يكون مصحوباً بألم عند البلع.

• صعوبة في التنفس: تظهر لدى الفئات الضعيفة، وتشير إلى احتمال وصول الفيروس إلى الجهاز التنفسي السفلي (الشعب الهوائية والرئتين).

رابعاً: الأعراض العضلية والهيكلية

فيروس الإنفلونزا يتسبب في تفاعل التهابي واسع النطاق يؤدي إلى:

• آلام عضلية شديدة: تُعرف باسم “Myalgia”، وتشمل مناطق الفخذين، الظهر، الكتفين، والساقين.

• تيبّس المفاصل: يرافقه شعور بعدم القدرة على الحركة بحرية.

• التعب الجسدي المزمن: قد يستمر لأسابيع بعد انتهاء المرحلة الحادة.

خامساً: الأعراض الهضمية والمضاعفات المعوية

في بعض الحالات، وخصوصاً عند الأطفال أو المرضى ذوي المناعة الضعيفة، قد تظهر أعراض هضمية مثل:

• الغثيان والقيء

• الإسهال

• آلام البطن

غالباً ما تكون هذه الأعراض نتيجة لتأثير الفيروس على الجهاز العصبي المعوي أو كمضاعفات جانبية للأدوية المستعملة لعلاج الإنفلونزا.

سادساً: الفروقات السريرية بين الإنفلونزا والزكام

سابعاً: متى تكون الأعراض خطيرة؟

في بعض الأحيان، قد تتطوّر أعراض الإنفلونزا إلى مضاعفات تتطلب تدخلاً طبياً عاجلاً، ومنها:

• ضيق التنفس الشديد أو الزرقة

• ألم في الصدر أو ضغط مستمر

• هذيان أو تغيّر في الحالة الذهنية

• الحمى المستمرة لأكثر من خمسة أيام

• علامات الجفاف مثل جفاف الفم، قلة التبول، الدوخة عند الوقوف

تُعتبر هذه العلامات مؤشراً لاحتمال تطور الإصابة إلى ذات رئة فيروسية أو بكتيرية، التهاب عضلة القلب، أو فشل تنفسي.

ثامناً: الإنفلونزا عند الفئات الحساسة

تُظهر الإنفلونزا أشكالاً سريرية مختلفة حسب الفئة العمرية والحالة المناعية:

• الأطفال: قد يظهر عليهم التهيج، فقدان الشهية، التقيؤ، وفي حالات نادرة التشنجات الحرارية.

• كبار السن: لا يعانون دائماً من الحمى، لكنهم يواجهون ضعفاً عاماً، فقداناً مفاجئاً للوظائف الحيوية، وتدهوراً عقلياً مؤقتاً.

• النساء الحوامل: أكثر عرضة للمضاعفات، وقد تتفاقم الأعراض بشكل أسرع، وتؤثر على الحمل في بعض الحالات.

• مرضى السكري وأمراض القلب والرئة: يكون لديهم خطر متزايد للإصابة بمضاعفات مثل الالتهاب الرئوي الحاد.

تاسعاً: مدة الأعراض وتطورها الزمني

عادةً ما تتبع أعراض الإنفلونزا هذا التسلسل الزمني:

1. اليوم الأول إلى الثالث: ظهور مفاجئ للحمى والصداع وآلام العضلات.

2. اليوم الثالث إلى السادس: احتداد السعال واحتقان الأنف، وتراجع الحمى تدريجياً.

3. اليوم السادس إلى العاشر: زوال الحمى، استمرار السعال، وبداية تحسن عام في النشاط الجسدي.

4. بعد الأسبوع الأول: تبدأ مرحلة النقاهة، لكن قد يستمر التعب والسعال لعدة أسابيع.

عاشراً: تشخيص الإنفلونزا

يعتمد التشخيص المبدئي على الفحص السريري، ولكن يمكن تأكيد الإصابة عبر الفحوصات المعملية، ومنها:

• اختبار المستضد السريع (Rapid Antigen Test): يعطي نتائج في غضون 15 دقيقة.

• تفاعل البوليميراز المتسلسل (RT-PCR): أكثر دقة، ويكشف عن نوع الفيروس.

• زرع الفيروس (Viral Culture): يُستخدم في الدراسات وليس التشخيص الفوري.

الحادي عشر: المضاعفات المحتملة

إذا لم تُعالج الإنفلونزا بشكل جيد أو أصيب بها شخص من ذوي الحالات الحرجة، فإنها قد تؤدي إلى:

• الالتهاب الرئوي

• التهاب عضلة القلب أو التأمور

• التهاب الدماغ أو السحايا

• الفشل التنفسي الحاد

• العدوى البكتيرية الثانوية

الثاني عشر: الوقاية من الإنفلونزا وتقليل شدة الأعراض

أهم طرق الوقاية تتلخص في:

• اللقاح السنوي: يقلل من احتمال الإصابة بنسبة تتراوح بين 40% و60%.

• غسل اليدين باستمرار: يقلل من انتقال الفيروسات.

• الابتعاد عن الأماكن المزدحمة أثناء تفشي المرض

• الالتزام بالعزل المنزلي عند ظهور الأعراض

كما تُسهم الأدوية المضادة للفيروسات مثل “Oseltamivir” في تقليل شدة الأعراض ومدة المرض إذا أُعطيت خلال أول 48 ساعة من ظهور الأعراض.

الثالث عشر: أهمية التمييز المبكر والاستجابة السريعة

التمييز المبكر بين الإنفلونزا والزكام العادي أو كوفيد-19 يتيح البدء في العلاج المناسب وتجنب المضاعفات. الاستجابة السريعة من قبل النظام الصحي أو الفرد نفسه قد تعني الفرق بين الشفاء السريع والمضاعفات الخطيرة. التوعية المستمرة بالأعراض وتطوراتها تلعب دوراً جوهرياً في تعزيز الجاهزية المجتمعية وتقليل العبء على المرافق الصحية.

المراجع:

1. World Health Organization (WHO) – Influenza (Seasonal): https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/influenza-(seasonal)

2. Centers for Disease Control and Prevention (CDC) – Influenza Symptoms & Diagnosis: https://www.cdc.gov/flu/symptoms/index.html