أضرار واقي الشمس على البشرة

أضرار واقي الشمس: نظرة علمية شاملة على التأثيرات السلبية المحتملة

لطالما اعتُبر واقي الشمس أحد الركائز الأساسية للوقاية من أضرار الأشعة فوق البنفسجية، حيث يُنصح باستخدامه يوميًا لحماية البشرة من الشيخوخة المبكرة وسرطان الجلد. غير أن هذا الاستخدام الواسع والمتزايد قد أثار تساؤلات حول ما إذا كانت بعض مكونات واقيات الشمس تحمل في طياتها أضرارًا صحية أو بيئية. ورغم الفوائد المؤكدة لهذا المنتج، فإن النقاشات العلمية الأخيرة تشير إلى ضرورة التوازن بين الحماية والمخاطر، خصوصًا فيما يتعلق بالتعرض الطويل لبعض المواد الكيميائية، ومدى امتصاصها عبر الجلد، وتأثيراتها على الجسم والبيئة. يُقدم هذا المقال دراسة متعمقة حول أضرار واقي الشمس المحتملة، بناءً على الأدلة العلمية والمصادر الطبية.

أولاً: المكونات الكيميائية في واقيات الشمس

تتكون معظم واقيات الشمس من مزيج من المواد الكيميائية أو المعدنية التي تمتص أو تعكس الأشعة فوق البنفسجية. ويمكن تقسيمها إلى نوعين رئيسيين:

• واقيات كيميائية: تحتوي على مركبات عضوية تمتص الأشعة فوق البنفسجية وتحولها إلى حرارة، ومن أبرزها: أوكسي بنزون (Oxybenzone)، أفوبينزون (Avobenzone)، أوكتينوكسات (Octinoxate)، أوكتوكريلين (Octocrylene).

• واقيات معدنية: تحتوي على ثاني أكسيد التيتانيوم (Titanium Dioxide) أو أكسيد الزنك (Zinc Oxide) وتعمل على عكس الأشعة فوق البنفسجية.

ثانياً: الامتصاص الجلدي والتأثيرات الهرمونية

كشفت دراسات متعددة أن بعض المكونات الكيميائية لواقيات الشمس يمكن أن تُمتَص عبر الجلد وتدخل مجرى الدم. دراسة أجرتها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) نُشرت في مجلة JAMA في 2020، أظهرت أن مستويات بعض المواد مثل أوكسي بنزون وأوكتوكريلين وأفوبينزون، ارتفعت في الدم بعد أيام قليلة من الاستخدام المتكرر. ورغم أن هذه الدراسة لم تؤكد ضررًا مباشرًا، إلا أنها أشارت إلى أن تلك المواد تحتاج إلى تقييم شامل للسلامة بسبب تجاوزها الحدود المسموح بها.

وقد تم ربط بعض المواد مثل أوكسي بنزون باضطرابات هرمونية محتملة، إذ أظهرت تجارب على الحيوانات أنها قد تتداخل مع نشاط الهرمونات الجنسية وتؤثر على وظائف الغدة الدرقية. كما توجد شكوك حول ارتباطها بانخفاض مستويات التستوستيرون لدى الذكور أو اضطرابات في الطمث لدى النساء، رغم أن الدراسات البشرية لا تزال غير حاسمة.

ثالثاً: التحسس الجلدي والتهيج

من أبرز الأضرار الموثقة لاستخدام واقي الشمس هي التفاعلات الجلدية، خصوصًا عند أصحاب البشرة الحساسة أو عند استخدام منتجات تحتوي على عطور أو مواد حافظة. ومن أبرز أعراض التحسس:

• احمرار الجلد وتهيجه

• ظهور بثور أو طفح جلدي

• شعور بالحكة أو الحرقة

يرتبط هذا التحسس غالبًا بمركبات مثل أفوبينزون أو أوكتينوكزات أو الكحوليات العطرية. كما أن بعض الواقيات غير مناسبة لمن يعانون من الأكزيما أو الوردية، وقد تؤدي إلى تفاقم الأعراض.

رابعاً: التأثيرات البيئية

من الجوانب المهمة التي يجب تسليط الضوء عليها هي الآثار البيئية لواقيات الشمس، خاصةً في البيئات البحرية. تشير أبحاث بيئية إلى أن مكونات مثل أوكسي بنزون وأوكتينوكسات تسبب أضرارًا للشعاب المرجانية، إذ تساهم في:

• تبييض الشعاب المرجانية وموتها

• تشوه نمو يرقات المرجان

• تغير في التوازن البيولوجي للكائنات الدقيقة في البحار

وقد دفعت هذه النتائج بعض الدول مثل هاواي وبالاو إلى حظر استخدام واقيات الشمس التي تحتوي على هذه المواد ضمن مياهها الإقليمية، لحماية الشعاب المرجانية.

خامساً: إنتاج الجذور الحرة وتسريع شيخوخة الجلد

بعض الدراسات المختبرية وجدت أن استخدام بعض المواد الكيميائية الموجودة في واقيات الشمس قد يؤدي إلى إنتاج الجذور الحرة عند تعرضها للأشعة فوق البنفسجية، خاصة إذا تم امتصاصها من الجلد ولم تُغسل. وقد تؤدي هذه الجذور الحرة إلى تلف الخلايا وتسريع عمليات الشيخوخة وحتى احتمالية تلف الحمض النووي.

هذا الأمر لا يزال موضع جدل علمي، حيث يرى البعض أن فوائد الحماية من الأشعة فوق البنفسجية تفوق بكثير مخاطر الجذور الحرة المحتملة، لا سيما إذا استخدمت الواقيات بشكل معتدل ومعزز بمضادات أكسدة.

سادساً: أضرار على العين والمنطقة حولها

عند استخدام واقيات الشمس بالقرب من العينين، قد تحدث حالات تهيج شديدة، تشمل:

• حرقة شديدة في العين

• دموع غزيرة

• غشاوة مؤقتة في الرؤية

وذلك عند دخول الواقي إلى العين بسبب العرق أو ملامسة اليد للعين. لذلك يُنصح باستخدام واقي شمس خالٍ من العطور وخفيف القوام في هذه المنطقة.

سابعاً: خطر الاستخدام المفرط والشعور الزائف بالأمان

يؤدي الاعتماد الكلي على واقي الشمس إلى ما يُعرف بـ”الشعور الزائف بالأمان”، حيث يظن المستخدم أنه محمي تمامًا من كل ضرر شمس، مما يجعله يعرض بشرته لأشعة الشمس لفترات أطول دون اتخاذ احتياطات أخرى. هذا الشعور قد يكون مضللًا، لأن واقي الشمس ليس درعًا مطلقًا، بل له فترة فعالية محددة ويتأثر بالعوامل البيئية كالماء والعرق.

ثامناً: اختلال في امتصاص فيتامين د

رغم أن الدراسات العلمية لم تُجمع بشكل قاطع على هذه النقطة، إلا أن هناك مخاوف من أن الاستخدام اليومي والمكثف لواقيات الشمس قد يقلل من قدرة الجلد على تصنيع فيتامين د بسبب حجب الأشعة فوق البنفسجية من النوع B (UVB) الضرورية لهذا الإنتاج.

انخفاض مستويات فيتامين د قد يرتبط بمشكلات في العظام، واضطرابات مناعية، وحالات اكتئاب موسمي، ما يتطلب مراقبة توازن بين الحماية من أشعة الشمس والحصول على ما يكفي من هذا الفيتامين الحيوي.

جدول يوضح أبرز المواد المثيرة للجدل في واقيات الشمس وتأثيراتها:

تاسعاً: البدائل الآمنة والواعية

للحد من أضرار واقي الشمس دون التفريط في الحماية، يُفضل اتباع بعض الإرشادات:

• اختيار واقيات تحتوي على أكسيد الزنك أو ثاني أكسيد التيتانيوم غير النانوي

• تجنب المنتجات التي تحتوي على أوكسي بنزون وأوكتينوكسات

• استخدام واقيات شمس عضوية (Mineral-Based) المعتمدة من هيئات موثوقة

• ارتداء ملابس واقية، القبعات، والنظارات الشمسية لتقليل الحاجة المفرطة لاستخدام الواقيات

• تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس خلال ساعات الذروة

المصادر:

1. Matta, M. K., et al. (2020). Effect of Sunscreen Application on Plasma Concentration of Sunscreen Active Ingredients: A Randomized Clinical Trial. JAMA. https://jamanetwork.com/journals/jama/fullarticle/2765918

2. Downs, C. A., et al. (2016). Toxicopathological effects of the sunscreen UV filter, oxybenzone (benzophenone-3), on coral planulae and cultured primary cells and its environmental contamination in Hawaii and the U.S. Virgin Islands. Archives of Environmental Contamination and Toxicology. https://doi.org/10.1007/s00244-015-0227-7

هذه المعطيات تبيّن أن واقي الشمس ليس منتجًا بلا آثار جانبية، ورغم أن فوائده المؤكدة في الحماية من الأشعة فوق البنفسجية تجعله ضروريًا في كثير من الأحيان، إلا أن توعية المستهلك بالمكونات المحتملة الضارة والبدائل الآمنة تعتبر عنصرًا حاسمًا في الاستخدام المسؤول والصحي له.