أضرار لحم البقر الصحية

أضرار لحم البقر

تُعد لحوم الأبقار من أكثر أنواع اللحوم استهلاكًا حول العالم، لما تتميز به من نكهة غنية وقيمة غذائية عالية من حيث البروتينات والحديد والزنك وفيتامين B12. ومع ذلك، فإن الإفراط في تناول لحم البقر أو تناوله بطرق غير صحية قد يكون له العديد من التأثيرات السلبية على الصحة العامة. وقد ركزت الدراسات الحديثة على المخاطر المرتبطة بالاستهلاك المفرط أو المنتظم للحوم الحمراء، وعلى رأسها لحم البقر، مما أثار قلقًا متزايدًا بين المتخصصين في مجال الصحة العامة. يتناول هذا المقال تحليلًا دقيقًا وشاملاً للأضرار الصحية التي يمكن أن تترتب على تناول لحم البقر، مدعومًا بأحدث الأدلة العلمية والبيانات الوبائية، مع تسليط الضوء على الجوانب البيئية والاقتصادية أيضًا.

ارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب

يرتبط الاستهلاك المرتفع للحم البقر، خصوصًا اللحوم الغنية بالدهون المشبعة، بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. تحتوي لحوم البقر على نسب مرتفعة من الكوليسترول والدهون المشبعة، وهي عوامل تساهم في زيادة مستويات البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL) في الدم، المعروف باسم “الكوليسترول الضار”، مما يؤدي إلى تراكم الصفائح الدهنية في الشرايين وتضييقها، وهو ما يُعرف بتصلب الشرايين. وقد أظهرت دراسات متعددة أن الأشخاص الذين يتناولون كميات كبيرة من اللحوم الحمراء بانتظام لديهم خطر أكبر للإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.

زيادة احتمالية الإصابة بأنواع معينة من السرطان

أدرجت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) التابعة لمنظمة الصحة العالمية اللحوم الحمراء ضمن “المواد المحتملة المسببة للسرطان” (Group 2A)، مستندةً إلى أدلة قوية تربط استهلاك اللحوم الحمراء، وخاصةً المعالجة منها مثل اللحم المقدد والنقانق، بزيادة خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم. ويُعتقد أن مركبات مثل الهيم الحديدي (heme iron) الموجودة بكميات عالية في لحم البقر، بالإضافة إلى النيتروزامينات والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات الناتجة عن الطهي بدرجات حرارة عالية، تسهم في تعزيز نمو الخلايا السرطانية.

التأثيرات السلبية على صحة الكلى

تشير بعض الدراسات إلى أن تناول كميات كبيرة من البروتين الحيواني، وعلى رأسه لحم البقر، قد يضع عبئًا كبيرًا على الكلى، خاصةً لدى الأفراد الذين يعانون من أمراض الكلى المزمنة أو المعرضين لها. الإفراط في البروتين يؤدي إلى زيادة إفراز اليوريا والنفايات النيتروجينية التي تتطلب مجهودًا إضافيًا من الكليتين لتصفيتها من الدم. وعلى المدى الطويل، قد يُسرّع ذلك من تدهور وظائف الكلى ويفاقم حالات الفشل الكلوي الكامن.

ارتفاع ضغط الدم وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية

أظهرت بيانات من دراسات تغذية سكانية طويلة المدى أن الأشخاص الذين يستهلكون لحوم البقر بشكل منتظم، خاصة الأنواع المعالجة منها أو المحفوظة بالملح والمواد الحافظة، يكون لديهم خطر أكبر للإصابة بارتفاع ضغط الدم. يحتوي لحم البقر المعالج على نسب عالية من الصوديوم، الذي يُعد من أبرز العوامل التي تساهم في زيادة ضغط الدم. ارتفاع الضغط بدوره يزيد من مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية، والفشل القلبي، وتمدد الأوعية الدموية.

زيادة الوزن والسمنة

يرتبط الإفراط في تناول لحم البقر، خصوصًا الأنواع الدهنية والمقلية أو المشوية مع الصلصات الدهنية، بزيادة احتمال الإصابة بالسمنة. يحتوي لحم البقر على سعرات حرارية عالية نسبيًا، وبالأخص عند استهلاكه بكميات كبيرة أو ضمن وجبات غنية بالدهون. كما أن الإفراط في تناول البروتين دون توازن مع العناصر الغذائية الأخرى مثل الألياف والخضروات يؤدي إلى اختلالات في النظام الغذائي وتخزين الدهون الزائدة في الجسم.

التأثيرات على صحة الجهاز الهضمي

يمكن أن يتسبب لحم البقر، خصوصًا عند طهيه بطرق غير صحية أو تناوله غير مطهو جيدًا، في مشاكل هضمية مثل عسر الهضم، الانتفاخ، والإمساك. لا يحتوي لحم البقر على الألياف الغذائية، التي تلعب دورًا حيويًا في تنظيم حركة الأمعاء، مما يجعل الإفراط فيه دون توازن مع الأغذية الغنية بالألياف سببًا مباشرًا في اضطرابات الجهاز الهضمي. بالإضافة إلى ذلك، قد يحمل اللحم غير المطهو جيدًا بكتيريا ممرضة مثل الإشريكية القولونية (E. coli) أو السالمونيلا، التي تسبب التهابات معوية حادة.

التسمم الغذائي والمخاطر الميكروبيولوجية

يُعد لحم البقر وسطًا خصبًا لنمو العديد من الكائنات الدقيقة الخطيرة، لا سيما إذا لم يتم حفظه أو طهيه بطريقة صحيحة. ومن أكثر البكتيريا شيوعًا المرتبطة بلحم البقر نذكر:

الآثار البيئية لاستهلاك لحم البقر

إلى جانب الأضرار الصحية، يرتبط استهلاك لحم البقر بتداعيات بيئية خطيرة. يُعد إنتاج لحوم الأبقار أحد أكبر مصادر انبعاث غازات الدفيئة، لاسيما غاز الميثان الذي تنتجه الماشية أثناء الهضم. كما يتطلب إنتاج كيلوغرام واحد من لحم البقر كميات كبيرة من المياه والطاقة، مقارنةً بأنواع اللحوم الأخرى أو البروتينات النباتية. وقد أظهرت دراسات أن تقليل استهلاك لحم البقر يمكن أن يساهم بشكل كبير في تقليل البصمة الكربونية الفردية وحماية الموارد البيئية.

مقاومة المضادات الحيوية

من الممارسات الشائعة في صناعة تربية الأبقار استخدام المضادات الحيوية لتحفيز النمو والوقاية من الأمراض في ظروف التربية المكثفة. يؤدي هذا الاستخدام المفرط إلى ظهور سلالات بكتيرية مقاومة للمضادات الحيوية، والتي يمكن أن تنتقل إلى الإنسان عبر استهلاك اللحوم أو من خلال البيئة. وقد حذرت منظمات الصحة العالمية من هذه الظاهرة، معتبرةً إياها من أخطر التحديات التي تواجه الصحة العامة في القرن الحادي والعشرين.

الأثر الاقتصادي والاجتماعي

يُشكل الاعتماد الزائد على لحوم البقر عبئًا ماليًا على المستهلكين، خاصةً في الدول التي تُستورد فيها هذه اللحوم بأسعار مرتفعة. كما يمكن أن يؤدي تعزيز النمط الغذائي المعتمد على البروتين الحيواني إلى تهميش أنماط التغذية الصحية التقليدية، القائمة على الحبوب والبقوليات والخضروات، مما يؤثر على الأمن الغذائي وصحة المجتمع بشكل عام.

ملاحظات ختامية وتحذيرات طبية

رغم أن لحم البقر يحتوي على عناصر غذائية مفيدة مثل الحديد والفيتامينات، إلا أن استهلاكه المفرط أو غير المتوازن قد يعرّض الجسم لأضرار صحية جسيمة. وتوصي المؤسسات الصحية العالمية مثل جمعية القلب الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية بالحد من استهلاك اللحوم الحمراء إلى أقصى حد ممكن، واستبدالها بمصادر بروتين نباتية أو بحرية، كما تشدد على أهمية اختيار اللحوم الخالية من الدهون، وطهيها بطرق صحية، والامتناع عن الأنواع المعالجة منها.

المصادر العلمية

1. World Health Organization. (2015). Q&A on the carcinogenicity of the consumption of red meat and processed meat.

2. Harvard T.H. Chan School of Public Health. (2022). The Nutrition Source: Red Meat and Health.