أضرار فرقعة الأصابع: نظرة علمية معمقة على العادات الشائعة وتأثيرها على المفاصل والصحة العامة
تُعد فرقعة الأصابع من العادات الشائعة التي يمارسها كثير من الناس حول العالم بشكل يومي، سواء بدافع التسلية، التوتر، أو حتى كوسيلة للشعور بالراحة المؤقتة. وعلى الرغم من شيوع هذه الممارسة وسهولة تنفيذها، إلا أن التساؤلات حول أضرارها المحتملة لا تزال تثير الجدل في الأوساط الطبية والشعبية على حد سواء. في هذا المقال المطول، سيتم تسليط الضوء على الجوانب الفسيولوجية لهذه العادة، وتحليل ما إذا كانت فرقعة الأصابع ضارة بالفعل أم أنها مجرد فعل غير ضار تم تضخيمه بفعل المعتقدات المجتمعية.
آلية فرقعة الأصابع: ما الذي يحدث داخل المفصل؟
لفهم طبيعة الضرر المحتمل، يجب أولاً معرفة ما يحدث عند فرقعة الأصابع من الناحية التشريحية. تتكوّن المفاصل الزلالية في الجسم، بما في ذلك مفاصل الأصابع، من نهايات عظمية تُغطّى بالغضاريف وتُغلف بكبسولة مملوءة بالسائل الزلالي. هذا السائل يعمل كوسيط لتقليل الاحتكاك بين العظام وتسهيل الحركة.
عندما تُسحب أو تُثنى الأصابع بطريقة معينة، يتغير الضغط داخل المفصل، ما يؤدي إلى تكوّن فقاعات غازية صغيرة تحتوي على ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين. وعند انفجار هذه الفقاعات بسرعة، يصدر الصوت المميز لفرقعة الأصابع. تُعرف هذه العملية باسم “الانفجار التجويفي” (Cavitation).
الفرق بين الإدمان والعادة: هل فرقعة الأصابع نوع من الإدمان السلوكي؟
يشير العديد من علماء النفس إلى أن فرقعة الأصابع يمكن أن تُصنّف كنوع من السلوك القهري أو العادة العصبية المرتبطة بالتوتر أو القلق. فالأشخاص الذين يمارسون هذه العادة بشكل متكرر يشعرون بنوع من الارتياح النفسي أو الجسدي بعدها، مما يدفعهم لتكرارها في كل لحظة فراغ أو ضغط نفسي.
وفي كثير من الأحيان، تتحول فرقعة الأصابع إلى استجابة تلقائية غير مدروسة، تشبه في نمطها سلوكيات مثل قضم الأظافر أو شد الشعر، مما يجعل الإقلاع عنها صعبًا بدون وعي وممارسة سلوكية مضادة.
الأضرار المحتملة الناتجة عن فرقعة الأصابع
رغم وجود آراء متباينة حول مدى ضرر هذه العادة، فقد كشفت بعض الدراسات والأبحاث الطبية عن مجموعة من الآثار السلبية التي يمكن أن تصيب الأشخاص الذين يداومون على فرقعة الأصابع، خاصة إذا كانت تُمارس بشكل مفرط وقوي.
1. تمدد الأربطة والأوتار
عند فرقعة الأصابع باستمرار، يمكن أن يحدث تمدد زائد في الأربطة التي تدعم المفاصل. ومع مرور الوقت، قد يؤدي هذا التمدد المتكرر إلى فقدان المفصل بعضًا من قوته وثباته الطبيعي، ما يزيد من احتمالية الإصابات المفصلية مثل التواءات الأصابع.
2. ضعف القبضة مع الزمن
أظهرت بعض الأبحاث الملاحظة أن الأشخاص الذين يكثرون من فرقعة الأصابع لفترات طويلة يعانون من ضعف طفيف في قوة القبضة عند مقارنة أيديهم بأشخاص لا يمارسون هذه العادة. ويُعتقد أن هذه الظاهرة قد تعود لتأثير الحركة المتكررة على الأوتار الدقيقة داخل المفصل.
3. التهاب المفاصل: حقيقة أم خرافة؟
من أكثر المعتقدات الشائعة المرتبطة بفرقعة الأصابع هو أنها تُسبب التهاب المفاصل التنكسي (Osteoarthritis). إلا أن البحوث لم تؤكد هذا الأمر بشكل قاطع. فمثلاً، في دراسة مشهورة أجراها الطبيب الأمريكي دونالد أنغر، قام بفرقعة أصابع يد واحدة فقط يوميًا لمدة 60 عامًا دون أن يفرقع الأخرى، وفي النهاية لم يُظهر أي فرق في الحالة الصحية للمفاصل بين اليدين.
ورغم ذلك، يُشير أطباء العظام إلى أن العادة قد لا تكون السبب المباشر في التهابات المفاصل، لكنها قد تُفاقم من حدة الألم أو تسرّع تطور الحالة لدى الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي أو تاريخ مرضي سابق.
4. تهيج الأنسجة الرخوة
يُمكن أن تُسبب فرقعة الأصابع تهيجًا مؤقتًا في الأنسجة الرخوة المحيطة بالمفصل، خاصة إذا تم الضغط بقوة أو بشكل غير طبيعي. هذا التهيج قد يؤدي إلى ألم بسيط أو شعور بالحرقة أو حتى تورم طفيف في بعض الحالات.
5. زيادة سماكة المفصل أو تشوّه شكلي
أفاد بعض الأطباء بأن بعض الأشخاص الذين يداومون على فرقعة الأصابع، خصوصًا مع التقدم في السن، قد يُلاحظ عليهم وجود تغير في شكل المفصل أو “عُقد” عظمية صغيرة في الأصابع، نتيجة الضغط المتكرر على المفصل والغضاريف.
6. الإزعاج الاجتماعي
بعيدًا عن الأضرار الجسدية، تُعد فرقعة الأصابع من العادات غير المحببة في بعض الثقافات والمجتمعات، وقد تُفسر على أنها دلالة على التوتر، قلة الاحترام، أو حتى الملل. لذلك، فإن الإصرار على ممارستها في الأماكن العامة قد يُسبب حرجًا اجتماعيًا للشخص دون أن يشعر.
الفرقعة العرضية مقابل الفرقعة القهرية: متى تُصبح العادة ضارة؟
المهم في تقييم أضرار فرقعة الأصابع هو تكرارها وطبيعتها. ففرقعة الأصابع مرة أو مرتين في اليوم لا تُسبب غالبًا أي مشاكل صحية تُذكر. لكن عند تكرار الفعل بشكل قهري ومزمن، فإن التأثيرات تتراكم بمرور الوقت، خاصة إذا كانت ترافقها قوة زائدة أو ألم مصاحب.
مقارنة بين الدراسات الطبية حول فرقعة الأصابع
| الدراسة | النتائج الرئيسية | الملاحظات |
|---|---|---|
| Donald Unger (2009) | لا يوجد فرق في المفاصل بين اليدين | تجربة شخصية امتدت 60 سنة |
| جامعة Alberta بكندا | فرقعة المفاصل لا تُسبب التهاب المفاصل | لكنها قد تؤدي لتهيج المفصل المؤقت |
| مجلة Journal of the American Board of Family Medicine | احتمال انخفاض قوة القبضة لدى ممارسي الفرقعة | خاصة مع الاستمرار لعقود |
| Mayo Clinic | فرقعة الأصابع آمنة نسبيًا إذا لم تُصاحبها آلام أو تورم | مع التحذير من المبالغة |
كيفية التوقف عن فرقعة الأصابع: نصائح عملية
لمن يرغب في الإقلاع عن هذه العادة، يمكن اتباع مجموعة من السلوكيات التي تساعد تدريجيًا على التخلص منها:
-
التوعية الذاتية: إدراك أن الفرقعة ناتجة عن توتر أو ملل قد يكون أول خطوة للتعامل مع المسببات الأساسية.
-
إشغال اليدين: استخدام كرات الضغط أو تدوير قلم في اليد عند الشعور بالرغبة في الفرقعة.
-
تمارين التمدد: القيام بتمارين خفيفة لليدين لتخفيف التوتر بدون اللجوء إلى الفرقعة.
-
الدعم السلوكي: الاستعانة بمعالج سلوكي في حال كانت الفرقعة ناتجة عن قلق مزمن أو سلوك قهري.
الخلاصة العلمية
فرقعة الأصابع عادة شائعة، وقد لا تكون ضارة في حال ممارستها بشكل عرضي ومتوازن، إلا أن الإكثار منها قد يؤدي إلى مشاكل محتملة في المفاصل والأوتار، خاصة عند ممارستها بعنف أو مع مرور الوقت. ورغم أن العلم لم يثبت علاقتها المباشرة بالتهاب المفاصل التنكسي، إلا أن الحذر يبقى واجبًا عند التعامل مع مفاصل الجسم الحساسة. كما أن البدائل الصحية للتعامل مع التوتر والقلق تظل أكثر فاعلية على المدى الطويل، وتمنح الشخص راحة نفسية وجسدية دون تعريض المفاصل للتلف التدريجي.
المراجع:
-
Unger, D. L. (2009). “Does knuckle cracking lead to arthritis?” Arthritis and Rheumatism.
-
Swartz, M. H. (2022). “Textbook of Physical Diagnosis: History and Examination”. Elsevier Health Sciences.
