أضرار اللجوء للسحرة والمشعوذين

أضرار اللجوء إلى السحرة والمشعوذين

يمثل اللجوء إلى السحرة والمشعوذين إحدى أخطر الظواهر التي تهدد البنية الإيمانية والثقافية والاجتماعية في المجتمعات الإسلامية. فهذه الممارسة التي تتستر أحيانًا بعباءة الدين أو الادعاء بالعلاج الروحي، ليست فقط مخالفة صريحة لأصول العقيدة الإسلامية، بل تنطوي على أضرار نفسية، وعقلية، واجتماعية، واقتصادية، قد تقود في بعض الحالات إلى تدمير الفرد والأسرة والمجتمع. في هذا المقال، سنقوم بتحليل معمّق وشامل للأضرار التي تترتب على اللجوء إلى هؤلاء، مستندين إلى نصوص الشريعة، وتحليلات علماء الاجتماع والنفس، بالإضافة إلى استعراض للآثار الواقعية المدمرة التي خلفها هذا السلوك في عدد من المجتمعات.

أولًا: مخالفة صريحة لعقيدة التوحيد

اللجوء إلى السحرة والمشعوذين يتعارض تعارضًا جذريًا مع عقيدة التوحيد التي تمثل حجر الزاوية في الإسلام. فالله سبحانه وتعالى هو وحده القادر على كشف الضر والبلاء، والاعتقاد بقدرة غيره على جلب النفع أو دفع الضر بوسائل خارقة غير مشروعة يدخل في باب الشرك الأكبر، وهو من أعظم الذنوب.

قال الله تعالى:

“وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ” [البقرة: 102]

وقد ورد في صحيح مسلم عن النبي ﷺ قوله:

“من أتى عرّافًا أو كاهنًا فصدّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد”.

فالإتيان إلى السحرة ليس مجرد معصية، بل هو باب من أبواب الردّة عن الإسلام إذا اقترن بالتصديق والإيمان بما يقولونه.

ثانيًا: تدمير للعقل والمنهجية العلمية

المشعوذون لا يعتمدون في أعمالهم على أي أسس عقلية أو علمية، بل يلجأون إلى الشعوذة والخرافات، مما يسهم في تغييب التفكير المنطقي والعلمي لدى من يلجأ إليهم. إن استمرار التعامل مع هؤلاء يغرس في النفس ثقافة الاتكال على الغيبيات والتفسيرات الخرافية، ويقلل من احترام الإنسان للعلم والمنهج العقلي في حل المشكلات.

في مجتمعات ترتفع فيها نسبة الجهل والأمية، تتضاعف خطورة هذه الظاهرة، إذ يجد فيها المشعوذون أرضًا خصبة لبث سمومهم، مستغلين البساطة والضعف الفكري لتحقيق مكاسب شخصية على حساب ضياع الوعي الجمعي.

ثالثًا: أضرار نفسية واجتماعية خطيرة

من الأضرار البالغة التي يخلّفها التعامل مع السحرة والمشعوذين هو الانهيار النفسي والروحي الذي يعانيه الأفراد. فهؤلاء غالبًا ما يُدخلون ضحاياهم في دوامة من القلق والوساوس والشكوك المرضية، ويقنعونهم بوجود “سحر مأكول”، أو “عين حسود”، أو “تابعة”، مما يولد حالة من الذعر المستمر والارتباك في التعاملات اليومية.

أضف إلى ذلك أن هذه الممارسات تزرع الفُرقة بين أفراد الأسرة الواحدة، حيث يوسوس المشعوذون لبعض النساء بأن أزواجهن قد سُحروا، أو يُقنعون بعض الأزواج بأن زوجاتهم متعاونات مع الجن أو الحسد، مما يؤدي إلى انفصال الأسر وتفكك الروابط الأسرية والمجتمعية.

رابعًا: استنزاف مالي ومادي كبير

السحرة والمشعوذون لا يقدمون خدماتهم مجانًا، بل يبتزون ضحاياهم ماليًا بشكل مستمر. فالمراجع لهم لا يكتفي غالبًا بزيارة واحدة، بل يُقنعه الساحر بأن السحر يحتاج إلى “عدة جلسات” أو “تجديد الرقية”، أو شراء مستلزمات باهظة كـ”الحجابات” و”الأحجبة”، وربما يُطلب منه ذبح حيوانات أو تقديم أموال طائلة لما يُسمّى “فك الربط” أو “إبطال السحر”.

وقد لوحظ في حالات كثيرة إفلاس عائلات كاملة، وبيع ممتلكات ثمينة، بل وتورط بعض الأشخاص في الديون أو القروض من أجل استمرار جلسات الشعوذة، وهو ما يجعل اللجوء إلى هؤلاء خطرًا حقيقيًا على الأمن المالي للأفراد والأسر.

خامسًا: انتهاك للكرامة الإنسانية واستغلال للضعفاء

يعتمد السحرة والمشعوذون على إذلال الناس واستغلال حاجاتهم وضعفهم، فيمارسون عليهم كل أشكال الإهانة والإذلال باسم العلاج أو الكشف. فقد يُجبر المريض على أفعال مهينة، كلبس ملابس معينة، أو الامتناع عن النظافة، أو المبيت في المقابر، أو شرب مياه ملوثة، بل وقد يُطلب منه أن يرتكب ما حرم الله كذبح لغير الله أو التعامل مع الطلاسم.

وفي حالات كثيرة يتم استغلال النساء جنسيًا تحت ذريعة أن “الجن العاشق” لا يخرج إلا بمجامعة المرأة، وهو من أبشع صور الانتهاك التي تُمارس في السر، وغالبًا ما تُخفى بسبب الخوف والعار.

سادسًا: نشر الفساد الأخلاقي والديني

السحرة والمشعوذون غالبًا ما يتعاملون مع الجن ويُقدِمون الطلاسم والعزائم التي تحتوي على ألفاظ شركية وكفرية، مما يؤدي إلى نشر مفاهيم باطلة في المجتمع وتشويه العقيدة الإسلامية. كما يتم تعليم الناس طرق التعامل مع “الأرواح” و”الكواكب” و”النجوم” لتحقيق الأمنيات أو إيذاء الغير، وهو ما يفتح أبواب الفتن والأحقاد والحسد والضغائن بين الناس.

ويصل الأمر أحيانًا إلى تكوين شبكات شعوذة منظمة لها امتدادات عابرة للحدود، تتاجر بأعراض الناس وتُسوّق للعقائد الباطلة، تحت ستار “الروحانيات” أو “العلاج بالطاقة” أو غير ذلك من المسميات البراقة التي تخدع العوام.

سابعًا: تهديد الأمن المجتمعي والقانوني

الانتشار الواسع للشعوذة يُضعف من سلطة القانون ويُكرّس منطق الفوضى والعدالة المزيفة، حيث يُفضّل الناس اللجوء إلى المشعوذين بدل القضاء والمحاكم، مما يؤدي إلى إضعاف هيبة المؤسسات القانونية والرسمية. وقد يتم توجيه الأذى لأشخاص أبرياء عبر السحر أو الاتهام الباطل، مما يولد جرائم حقيقية تهدد أمن المجتمع واستقراره.

كما أن استخدام السحر في الأعمال الإجرامية، كالقتل أو التخريب أو سرقة الأموال، يُصعّب من مهمة أجهزة الأمن في تعقب الجناة، ويزيد من معدل الجريمة المستترة غير الموثقة، وهذا يخلخل بنية العدالة والمساءلة في الدولة.

جدول يوضح أبرز أنواع الشعوذة وآثارها السلبية

ثامنًا: آثار ممتدة عبر الأجيال

واحدة من أخطر نتائج اللجوء إلى السحرة هي غرس الخرافة في عقول الأبناء، مما يُنتج أجيالًا عاجزة عن التفكير العقلاني، وتعيش في دوامة الخوف والقلق من “السحر” و”العين”. فبعض الأسر، وبدلًا من تعليم أبنائها اللجوء إلى الله والاعتماد على الرقية الشرعية، تغرس فيهم ثقافة الشعوذة من خلال اصطحابهم للمشعوذين أو استخدام “الأحجبة” منذ الطفولة، مما يورث ضعف العقيدة والانقياد للأكاذيب.

تاسعًا: العلاج المشروع كبديل آمن

في الإسلام، هناك بدائل شرعية وصحيحة لمن ابتلي بالضر أو المرض، ومنها:

• الرقية الشرعية: باستخدام آيات من القرآن وأدعية مأثورة.

• الطب النفسي والعلمي: مراجعة المختصين في حالات القلق والوسواس.

• الصدقة والدعاء: كوسيلة لرفع البلاء.

• الاستغفار والتوبة: إذ قد يكون البلاء اختبارًا أو نتيجة ذنب.

وقد ثبت بالتجربة أن من التزم بهذه الوسائل الشرعية نال الطمأنينة والشفاء بإذن الله دون الوقوع في مستنقع الشعوذة والضلال.

المصادر والمراجع:

1. ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، دار المعارف.

2. عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، فتح المجيد شرح كتاب التوحيد.