أضرار الكورتيزون على الأطفال: نظرة طبية شاملة

يُعد الكورتيزون أحد أشهر الأدوية المستخدمة في الطب الحديث، ويصنف ضمن فئة الستيرويدات القشرية (Corticosteroids) التي تستخدم لعلاج مجموعة واسعة من الأمراض الالتهابية والمناعية، مثل الربو، والتهاب المفاصل، وأمراض الأمعاء الالتهابية، والحساسيات الجلدية، وغيرها. ورغم فعالية الكورتيزون العالية في تخفيف الأعراض والسيطرة على الالتهاب، إلا أن استخدامه، وخاصة على المدى الطويل، قد يُسبب العديد من المضاعفات، لا سيما عند الأطفال الذين يمثلون فئة شديدة الحساسية للتأثيرات الجانبية للأدوية.

تتزايد المخاوف الطبية والعلمية من استخدام الكورتيزون في الأعمار الصغيرة، نظراً لأن أجسام الأطفال ما تزال في طور النمو والتطور، مما يجعلها عرضة لاضطرابات متعددة في حال حدوث خلل في التوازن الهرموني أو الوظيفي، كما أن الاستجابة الجسدية والبيولوجية تختلف بشكل ملحوظ عن تلك التي لدى البالغين. لذا من الضروري تناول هذا الموضوع من منظور علمي متكامل، يوضح الأضرار المحتملة للكورتيزون على الأطفال بمختلف أشكاله (الفموية، الوريدية، الاستنشاقية، الموضعية)، ويشرح كيفية التعامل مع هذه الأدوية بحذر شديد لتجنب المضاعفات الخطيرة.

أولًا: ما هو الكورتيزون؟ ولماذا يُستخدم للأطفال؟

الكورتيزون هو هرمون طبيعي يُفرز من قشرة الغدة الكظرية (Adrenal Cortex) في الجسم، ويعمل على تنظيم الاستجابة الالتهابية، والمناعة، والاستقلاب. أما الكورتيزون الدوائي فهو مادة مُصنعة تحاكي هذا الهرمون، وتُعطى لعلاج عدد من الحالات المرضية عند الأطفال مثل:

• الربو القصبي الحاد والمزمن

• الأكزيما الشديدة وحالات الحساسية الجلدية المتكررة

• التهاب المفاصل الشبابي

• أمراض المناعة الذاتية

• التهاب القولون التقرحي ومرض كرون

• أمراض الدم مثل فرفرية نقص الصفيحات (ITP)

• أورام الدم والأورام الصلبة كجزء من العلاج الكيماوي

ورغم أن الكورتيزون قد يكون منقذًا للحياة في بعض الحالات، فإن الاستخدام العشوائي أو طويل الأمد، أو دون إشراف طبي دقيق، قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة.

ثانيًا: أشكال الكورتيزون واختلاف الأضرار بين الطرق المختلفة للإعطاء

تتعدد أشكال الكورتيزون المستخدمة للأطفال، ولكل منها مخاطرها الخاصة:

• الكورتيزون الفموي (مثل البريدنيزولون): أكثر الأشكال تسببًا في الأضرار الجانبية بسبب امتصاصه الكامل إلى مجرى الدم.

• الكورتيزون الوريدي: يستخدم في الحالات الطارئة وهو قوي التأثير ومرتبط بآثار جهازية كبيرة.

• الكورتيزون الاستنشاقي (Inhaled corticosteroids): يُستخدم عادة لعلاج الربو، وقد يسبب تأثيرات موضعية ومحدودة، لكن في الجرعات العالية أو الاستخدام الطويل قد تظهر أعراض جهازية.

• الكورتيزون الموضعي (الكريمات والمراهم): يُعد الأقل خطورة إذا استُخدم بشكل صحيح، لكن الإفراط في الاستخدام، أو استعمال أنواع قوية على مناطق واسعة من الجلد، قد يؤدي إلى امتصاص كميات تؤثر على الجسم ككل.

ثالثًا: الأضرار الجهازية للكورتيزون على الأطفال

1. تثبيط نمو الأطفال

من أكثر المخاطر التي يُحذر منها عند إعطاء الكورتيزون للأطفال، تأثيره المثبط لنمو الجسم الطولي. تشير الدراسات إلى أن الاستخدام المزمن للكورتيزون، خاصة الأنواع الفموية أو الاستنشاقية بجرعات عالية، قد يؤدي إلى:

• بطء في نمو الطول

• انخفاض في كتلة العظام

• تأخر في مرحلة البلوغ

وذلك نتيجة لتثبيط إفراز هرمون النمو (GH) أو التأثير المباشر على الصفائح النموية للعظام (Growth Plates).

2. خلل في توازن الهرمونات

الاستخدام المطول للكورتيزون يثبط إنتاج الجسم الطبيعي لهرمونات الغدة الكظرية، مما قد يؤدي إلى ما يُعرف بـ قصور الغدة الكظرية الثانوي، وهي حالة قد تعرض الطفل لخطر الوفاة في حال التوقف المفاجئ عن الدواء أو التعرض للإجهاد الجسدي الشديد (مثل العدوى أو الجراحة).

3. هشاشة العظام ومشاكل الهيكل العظمي

يسبب الكورتيزون نقصًا في كثافة العظام، ويُضعف امتصاص الكالسيوم من الأمعاء، ويزيد من طرحه عبر الكلى، ما يؤدي إلى:

• هشاشة عظام مبكرة

• قابلية أعلى للكسور

• ألم المفاصل والعضلات

4. تأثيرات سلبية على الجهاز المناعي

رغم أن الكورتيزون يُستخدم لتقليل الاستجابة المناعية في بعض الحالات، إلا أن هذه الخاصية نفسها تُشكل خطراً عند الأطفال، لأنه:

• يُضعف مقاومة الجسم للعدوى

• يزيد من احتمالية الإصابة بالتهابات فيروسية وبكتيرية وفطرية

• يُخفي أعراض العدوى مما يُؤخر التشخيص

5. مشاكل في الأيض واكتساب الوزن

يؤثر الكورتيزون بشكل كبير على استقلاب الدهون والسكريات والبروتينات، ويُلاحظ عند الأطفال الذين يتناولونه لفترات طويلة:

• زيادة في الشهية

• تراكم الدهون في الوجه (وجه القمر)، والرقبة، والبطن

• ارتفاع مستوى السكر في الدم وقد يؤدي إلى الإصابة المؤقتة بـ سكري الكورتيزون

• ضعف في الكتلة العضلية بسبب تكسير البروتينات

6. اضطرابات نفسية وسلوكية

تشير العديد من الأبحاث إلى أن الكورتيزون يؤثر على كيمياء الدماغ، ويُلاحظ لدى بعض الأطفال:

• القلق والتوتر الزائد

• اضطرابات النوم

• تقلبات مزاجية حادة

• نوبات من السلوك العدواني أو الاكتئابي

• في الحالات الشديدة: الهلاوس أو أعراض الذهان المؤقت

رابعًا: الأضرار الموضعية للكورتيزون حسب طريق الإعطاء

خامسًا: الفئات العمرية الأكثر تأثرًا بمضاعفات الكورتيزون

ليس جميع الأطفال يتأثرون بنفس الدرجة عند تناول الكورتيزون، وتزداد خطورة المضاعفات في:

• الأطفال أقل من 5 سنوات

• الرضع وحديثو الولادة (بسبب عدم نضج أنظمتهم الحيوية)

• الأطفال المصابون بأمراض مزمنة ويتلقون الكورتيزون لفترات طويلة

• الأطفال الذين لديهم تاريخ عائلي في اضطرابات الهرمونات أو السكري أو هشاشة العظام

سادسًا: التدابير الوقائية لتقليل أضرار الكورتيزون لدى الأطفال

توصي المؤسسات الطبية، مثل الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، بضرورة اتباع إجراءات صارمة عند وصف الكورتيزون للأطفال، منها:

• استخدام أقل جرعة فعالة لأقصر مدة ممكنة

• الاعتماد على طرق إعطاء موضعية كلما أمكن ذلك لتقليل الامتصاص الجهازي

• مراقبة نمو الطفل بشكل دوري

• إجراء فحوصات دورية للعظام ومستوى السكر وضغط الدم

• إضافة مكملات الكالسيوم وفيتامين D إذا لزم الأمر

• عدم التوقف المفاجئ عن الكورتيزون، بل تقليل الجرعة تدريجيًا لتفادي القصور الكظري

• توعية الوالدين بكيفية متابعة الطفل عند تناول الكورتيزون

سابعًا: بدائل علاجية للكورتيزون في بعض الحالات

في كثير من الحالات، يمكن تقليل الاعتماد على الكورتيزون أو استبداله بأدوية أخرى ذات تأثير أقل من حيث الأعراض الجانبية، ومنها:

• مضادات الهيستامين في حالات الحساسية

• أدوية تثبيط المناعة الأخرى مثل الميثوتريكسات أو السيكلوسبورين تحت إشراف طبي

• العلاج البيولوجي لبعض الأمراض المناعية كالتهاب المفاصل الشبابي أو داء كرون

• العلاج الفيزيائي والدعم الغذائي في حالات التهابات المفاصل

كل هذه البدائل تتطلب تقييمًا دقيقًا من الطبيب المختص، ولا يمكن استخدامها دون وصفة طبية.

ثامنًا: أهمية التثقيف الصحي للأهل

جانب كبير من أضرار الكورتيزون يمكن تجنبه من خلال التوعية الجيدة للأهل. يجب أن يتعرف الوالدان على أهمية:

• الالتزام بخطة العلاج بدقة

• الإبلاغ عن أي أعراض غير معتادة

• تجنب استخدام الكورتيزون الموضعي أو الفموي دون وصفة طبية

• مراقبة الطفل نفسيًا وجسديًا أثناء فترة العلاج

المراجع

1. Barnes, P. J. (2010). Corticosteroids: The drugs to beat. European Journal of Pharmacology, 719(1-3), 1–3.

2. Allen, D. B., & Wilson, D. M. (2008). Effects of inhaled steroids on growth in children. Journal of Clinical Endocrinology & Metabolism, 93(4), 1336–1343.