9 أضرار تلحقها التكنولوجيا بصحة الإنسان

شهد العالم خلال العقود القليلة الماضية تطوراً هائلاً في مجال التكنولوجيا، حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة الإنسان اليومية. من الهواتف الذكية إلى الحواسيب المحمولة، ومن الإنترنت إلى الذكاء الاصطناعي، غيرت التكنولوجيا أسلوب حياتنا، وسهلت الكثير من المهام، ووفرت سبل ترفيه ومعرفة لم تكن متاحة من قبل. إلا أن هذا التقدم السريع لم يكن بلا ثمن، فقد بدأت تتكشف تدريجياً الآثار السلبية العميقة التي تلحقها التكنولوجيا بالصحة الجسدية والنفسية للإنسان. وفي هذا المقال، يتم استعراض تسعة أضرار رئيسية تسببها التكنولوجيا لصحة الإنسان، بالاستناد إلى دراسات علمية وملاحظات سلوكية متكررة في المجتمعات الحديثة.

1. الإجهاد البصري الرقمي (Digital Eye Strain)

الاستخدام المتكرر والمطول للأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف الذكية، الحواسيب اللوحية، شاشات الكمبيوتر، والتلفاز، يؤدي إلى إجهاد العين الرقمي، وهي حالة طبية شائعة في العصر الحديث. تشمل أعراضها:

• جفاف العين نتيجة تقليل عدد مرات الرمش

• تشوش الرؤية المؤقت

• الشعور بحرقان أو وخز في العين

• صداع متكرر ناتج عن التركيز البصري المستمر

تشير الدراسات إلى أن التعرض المستمر للضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يساهم في تلف الشبكية على المدى البعيد، كما يُعتقد أنه قد يزيد من مخاطر الإصابة بالتنكس البقعي المرتبط بالعمر.

2. الاختلال في نمط النوم

أصبح اضطراب النوم من أبرز الأعراض المرتبطة بالاستخدام المكثف للتكنولوجيا، خاصة خلال فترات المساء. فالضوء الأزرق المنبعث من الشاشات الإلكترونية يعطل إنتاج هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم دورة النوم واليقظة. الاستخدام المتأخر للهواتف أو الحواسيب قبل النوم يؤدي إلى:

• تأخير بداية النوم

• تقطع في النوم أثناء الليل

• انخفاض جودة النوم العميق (المرحلة المهمة لاستعادة الطاقة)

• النعاس أثناء النهار وقلة التركيز

تشير تقارير طبية إلى أن اضطرابات النوم المزمنة مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، الاكتئاب، والسمنة، مما يعكس مدى خطورة تأثير التكنولوجيا على النوم.

3. آلام العضلات والهيكل العظمي

يعاني الكثيرون، خاصة العاملين في المكاتب، من مشكلات جسدية مرتبطة بالوضعيات الخاطئة أثناء استخدام الأجهزة الإلكترونية. ومن أبرز هذه المشكلات:

• آلام الرقبة والكتف الناتجة عن انحناء الرأس المستمر نحو الهاتف

• مشكلات أسفل الظهر بسبب الجلوس الطويل دون حركة

• متلازمة النفق الرسغي المرتبطة باستخدام لوحة المفاتيح والفأرة بشكل متكرر

وضعيات الجلوس غير السليمة تؤدي إلى انقباض العضلات بشكل مزمن، وإلى إضعافها مع الوقت، مما يجعل الفرد عرضة للإصابات والآلام المزمنة التي قد تتطلب تدخلاً طبياً أو علاجاً فيزيائياً طويل الأمد.

4. التأثيرات النفسية والاجتماعية

رغم أن التكنولوجيا تسهل التواصل، إلا أنها أصبحت أداة عزل اجتماعي في كثير من الأحيان. الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بمشكلات نفسية مثل:

• الشعور بالوحدة والعزلة رغم التفاعل الافتراضي المستمر

• القلق الاجتماعي الناتج عن مقارنة الذات بالآخرين على المنصات الرقمية

• اضطرابات المزاج الناتجة عن التفاعل السلبي أو التنمر الإلكتروني

• إدمان الأجهزة وما يرافقه من فقدان السيطرة على السلوك

وتشير دراسات نفسية إلى أن الإدمان على التكنولوجيا يشبه في تأثيره إدمان المواد المخدرة، من حيث تغييره للدوائر العصبية في الدماغ المرتبطة بالمكافأة والتحفيز.

5. السمنة وقلة النشاط البدني

أحد الآثار الجانبية المباشرة للتكنولوجيا هو نمط الحياة الخامل. ومع انتشار الألعاب الرقمية، والعمل عن بُعد، والبث التدفقي (Streaming)، أصبح الإنسان أكثر جلوساً وأقل حركة. قلة النشاط البدني تؤدي إلى:

• زيادة الوزن والسمنة

• ارتفاع ضغط الدم

• ضعف اللياقة القلبية والعضلية

• مقاومة الإنسولين وزيادة خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني

الجدول التالي يوضح العلاقة بين الاستخدام اليومي للتكنولوجيا وزيادة الوزن لدى الفئات العمرية المختلفة:

المصدر: الجمعية الأميركية لطب الأطفال، 2022

6. اضطراب الانتباه ونقص التركيز

كثرة التنقل بين التطبيقات، التنبيهات المستمرة، واستهلاك المحتوى القصير على الإنترنت يؤدي إلى تدهور القدرة على التركيز والانتباه. الدماغ البشري لا يستطيع معالجة المعلومات المتعددة بكفاءة عند تعرضه المستمر للمشتتات. ومن أبرز النتائج:

• ضعف الأداء الأكاديمي والمهني

• تراجع القدرة على القراءة العميقة والتحليل

• نفاد الانتباه بسرعة والانتقال المستمر بين المهام

وقد رُبط الاستخدام الزائد للتكنولوجيا في سن الطفولة المبكرة بزيادة احتمال الإصابة باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD).

7. الإدمان الرقمي

الإدمان على الإنترنت والألعاب الإلكترونية أصبح ظاهرة حقيقية تم الاعتراف بها في التصنيفات الطبية النفسية، مثل تصنيف منظمة الصحة العالمية الذي صنّف “اضطراب الألعاب الإلكترونية” كاضطراب نفسي حقيقي. الإدمان الرقمي يشمل:

• فقدان السيطرة على مدة الاستخدام

• الانشغال المستمر بالأجهزة على حساب العلاقات الواقعية

• الشعور بالضيق والقلق عند الانقطاع عن الإنترنت

• تدهور الأداء الدراسي أو المهني

هذا النوع من الإدمان يؤدي إلى تغييرات في بنية الدماغ المشابهة لما يحدث مع مدمني المواد الكيميائية.

8. زيادة التعرض للإشعاعات الكهرومغناطيسية

رغم عدم وجود إجماع علمي نهائي حول خطورة الإشعاعات الصادرة من الأجهزة الذكية، إلا أن التعرض المستمر لموجات التردد اللاسلكي (RF) قد يحمل آثاراً صحية سلبية محتملة. الأبحاث الأولية أشارت إلى احتمالات:

• زيادة خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان، خاصة في الدماغ

• تأثيرات على خصوبة الرجال

• اضطرابات في النشاط الكهربائي للدماغ أثناء النوم

وتوصي بعض الجهات العلمية باستخدام السماعات الخارجية وتقليل مدة المكالمات الطويلة لتقليل التعرض المباشر لهذه الإشعاعات.

9. التأثير على النمو العقلي للأطفال

الاستخدام المفرط للأجهزة الرقمية من قبل الأطفال يؤثر على نموهم العقلي واللغوي والاجتماعي. فقد تبين أن الأطفال الذين يتعرضون للشاشات لفترات طويلة يعانون من:

• تأخر في تطور المهارات اللغوية

• ضعف القدرة على التفاعل الاجتماعي والتعاطف

• قصور في المهارات الحركية الدقيقة نتيجة قلة النشاط البدني

• انخفاض مستوى الإبداع والخيال

وقد أصدرت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال توصيات تحدد المدة المناسبة لاستخدام الشاشات للأطفال، وتؤكد على أهمية التفاعل البشري المباشر كعنصر أساسي في التطور العقلي والنفسي السليم.

الخلاصة

رغم أن التكنولوجيا تمثل أداة تقدم حضاري لا يمكن الاستغناء عنها، فإن الإفراط في استخدامها دون وعي أو ضوابط يعرّض الإنسان لجملة من المخاطر الصحية الجسدية والنفسية. ولعل التحدي الأكبر في هذا العصر هو تحقيق التوازن بين الاستفادة من الإمكانيات الهائلة التي توفرها التكنولوجيا، والحفاظ على صحة الإنسان ورفاهيته النفسية والاجتماعية.

المراجع:

1. American Academy of Pediatrics. (2022). Media and Young Minds.

2. World Health Organization. (2020). Gaming Disorder.