عشر أسباب لمنع الطفل من الألعاب الإلكترونية

في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، أصبحت الألعاب الإلكترونية جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية لدى الأطفال والمراهقين. ولم يعد من النادر أن نرى طفلًا يقضي ساعات طويلة أمام شاشة هاتف ذكي أو جهاز لوحي أو حاسوب، مستغرقًا في لعبة إلكترونية تلو الأخرى. وعلى الرغم من المزايا التي يمكن أن توفرها بعض هذه الألعاب من حيث الترفيه أو تنمية بعض المهارات الذهنية، إلا أن الاستعمال المفرط لها دون رقابة صارمة قد يتسبب في آثار سلبية جسيمة تمتد لتشمل الصحة النفسية والجسدية والاجتماعية والعقلية للطفل. ولهذا، تبرز الحاجة إلى التوعية بالمخاطر التي تنطوي عليها هذه الألعاب، مما يجعل من الضروري أن يفكر الآباء والمعلمون والمربون مليًّا قبل السماح للأطفال بالانخراط المفرط في هذا العالم الرقمي.

فيما يلي عرض موسع لعشر أسباب رئيسية تجعل من الضروري منع الطفل من الألعاب الإلكترونية، أو على الأقل تقييد استخدامها بشكل صارم وممنهج:

1. تأثير سلبي على النمو العقلي والذهني

يتطلب النمو الذهني السليم للطفل التعرض لمحفزات متنوعة في البيئة الطبيعية، مثل اللعب التفاعلي، القراءة، التواصل الاجتماعي، والتجريب العملي. لكن الألعاب الإلكترونية غالبًا ما تقدم محتوى جاهزًا لا يتيح للطفل استخدام خياله أو قدراته التحليلية بفعالية. وبمرور الوقت، يمكن أن يؤدي الانغماس المفرط في هذه الألعاب إلى إضعاف مهارات التفكير النقدي، وتقليل القدرة على حل المشكلات، وتراجع الأداء المدرسي نتيجة الاعتماد على محفزات سريعة ومباشرة دون مجهود ذهني متكامل.

2. الانعزال الاجتماعي وضعف المهارات التفاعلية

من أهم ما يحتاجه الطفل في سنوات نموه هو التفاعل الإنساني الطبيعي مع أفراد العائلة، الأقران، والمعلمين، وهو ما تفتقر إليه معظم الألعاب الإلكترونية، حتى تلك التي تصنف على أنها “تفاعلية”. فالطفل قد يقضي ساعات في “التواصل” مع لاعبين آخرين حول العالم، لكنه تواصل سطحي يفتقر إلى الجوانب الإنسانية الأساسية مثل تعبير الوجه، نبرة الصوت، وحركات الجسد. ومع الوقت، يتطور لدى الطفل نمط من الانعزال النفسي والاجتماعي، ويتراجع مستوى الذكاء العاطفي ومهارات التفاوض، والتعاطف، والتعامل مع المواقف الاجتماعية الواقعية.

3. أضرار جسدية على الصحة العامة

تؤدي الجلسات المطولة أمام الشاشات إلى نمط حياة خامل لا يشمل الحركة البدنية المطلوبة لنمو صحي، مما يرتبط بشكل مباشر بزيادة معدلات السمنة بين الأطفال في السنوات الأخيرة. كما أن الاستخدام المكثف للألعاب الإلكترونية يرتبط بآلام الرقبة والظهر، اضطرابات في العمود الفقري، وإجهاد العينين الناتج عن التعرض الطويل للضوء الأزرق المنبعث من الشاشات. وقد أظهرت دراسات متعددة أن الأطفال الذين يقضون وقتًا أطول في استخدام الأجهزة الإلكترونية يكون لديهم استعداد أكبر للإصابة بأمراض القلب والسكري في مراحل لاحقة من حياتهم.

4. الإدمان السلوكي

تشترك الألعاب الإلكترونية في خصائص كثيرة مع المواد المسببة للإدمان، حيث تعتمد على نظام المكافآت الفورية الذي يحفز إفراز الدوبامين في الدماغ، مما يؤدي إلى الإحساس الفوري بالمتعة والانتصار. وبمرور الوقت، يحتاج الطفل إلى قضاء وقت أطول للحصول على نفس الشعور، ما يؤدي إلى ما يعرف بالإدمان السلوكي. وقد يصل الأمر إلى مراحل من الانهيار العصبي أو نوبات غضب شديدة عندما يُمنع من اللعب أو يُطلب منه إيقاف اللعبة، ما يدل على فقدان السيطرة وضعف التوازن النفسي.

5. تأثيرات نفسية مثل القلق والاكتئاب

يرتبط الاستخدام المفرط للألعاب الإلكترونية بارتفاع معدلات القلق والتوتر والاكتئاب بين الأطفال والمراهقين. والسبب في ذلك يعود إلى عدة عوامل، منها العزلة الاجتماعية، اضطرابات النوم الناتجة عن الاستخدام الليلي للأجهزة، التأثر بمشاهد العنف أو الخوف الموجودة في الألعاب، والضغط الناتج عن الرغبة في تحقيق إنجازات داخل اللعبة. كل هذه العوامل تخلق بيئة نفسية مضطربة تؤثر سلبًا على استقرار الطفل العاطفي وسلوكه اليومي.

6. نشر سلوكيات عدوانية

أظهرت عدة دراسات أن الألعاب التي تحتوي على محتوى عنيف، مثل إطلاق النار أو القتال الدموي، يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع في مستويات العدوانية لدى الأطفال. فعندما يتعرض الطفل لمشاهد عنف مرارًا وتكرارًا دون رادع، يتبلد إحساسه تجاه الألم والمعاناة الإنسانية، وقد يبدأ في تقليد السلوكيات العدوانية في حياته الواقعية. وهذا يعكس أثرًا عميقًا على البنية الأخلاقية والنفسية للطفل، وقد يؤدي إلى تفكك في العلاقات الأسرية أو المدرسية.

7. إضعاف الأداء الدراسي

تقضي الألعاب الإلكترونية على فترات التركيز الطويلة التي يحتاجها الطفل في تحصيله الدراسي. وقد تظهر هذه الآثار في شكل تشتت الانتباه، فقدان الرغبة في الدراسة، الميل إلى التسويف، أو ضعف الذاكرة قصيرة الأمد. كما أن إدمان الألعاب يجعل الطفل يفضل البقاء مستيقظًا لساعات متأخرة مما يؤثر مباشرة على قدرته على التركيز والاستيعاب في المدرسة. ويؤكد معلمون كثيرون أن أحد أكبر التحديات اليوم هو استعادة اهتمام الطالب الذي أصبح منشغلًا بالكامل بعالمه الافتراضي.

8. اضطرابات النوم

يؤثر الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات سلبًا على إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم النوم، ما يؤدي إلى صعوبة في النوم أو النوم المتقطع. ومع اللعب الليلي لساعات متأخرة، يضطرب النظام البيولوجي الداخلي للطفل، مما ينعكس على أدائه الجسدي والعقلي والنفسي في اليوم التالي. وقد يؤدي ذلك إلى خلل دائم في نمط النوم، وهو من أخطر العوامل المؤثرة في نمو الدماغ وتوازن الهرمونات لدى الأطفال.

9. تشويه المفاهيم الواقعية

تعتمد كثير من الألعاب الإلكترونية على مفاهيم خيالية أو مضللة، مثل السحر، العنف كوسيلة لحل المشكلات، أو الحصول على نتائج فورية دون جهد. ويتعرض الأطفال بسبب هذه الألعاب إلى نوع من “التغذية الفكرية السلبية”، التي ترسخ لديهم مفاهيم غير واقعية عن الحياة والنجاح والمغامرة. وقد يظن الطفل أن القفز من علو أو استخدام أدوات حادة كما في الألعاب هو أمر عادي، مما يعرضه لمخاطر جسدية ونفسية جسيمة.

10. تهديد الخصوصية وتعرض الطفل للمحتوى الضار

العديد من الألعاب الإلكترونية تتطلب الاتصال بالإنترنت، ما يعرض الطفل لمخاطر كبيرة مثل الاختراق الإلكتروني، التنمر الرقمي، أو التعرض لمحتوى غير لائق سواء من الناحية الجنسية أو الفكرية أو الأخلاقية. ويزداد الأمر خطورة عندما لا تكون هناك رقابة أبوية صارمة، أو عندما لا يمتلك الأهل الوعي الكافي بكيفية التحكم في إعدادات الأمان والخصوصية. وفي حالات كثيرة، تم استغلال الأطفال من خلال ألعاب الدردشة المدمجة أو العروض الزائفة داخل اللعبة، وهو ما يمثل تهديدًا حقيقيًا لأمانهم النفسي والجسدي.

جدول يوضح مقارنة بين الطفل الذي يستخدم الألعاب الإلكترونية بشكل مفرط والطفل الذي يُمنع منها:

إن تقنين استخدام الألعاب الإلكترونية، أو منعها عند الضرورة، لا يعني حرمان الطفل من الترفيه، بل هو حماية شاملة له من مخاطر عميقة ومركبة قد لا تظهر آثارها إلا بعد سنوات. وبديل ذلك يمكن أن يكون عبر توفير أنشطة ترفيهية تفاعلية، مثل القراءة، الرياضة، الأشغال اليدوية، أو الرحلات العائلية، بما يعزز نموه العقلي والجسدي والاجتماعي بشكل متوازن وسليم.

المراجع:

• American Academy of Pediatrics. (2016). Media and Young Minds. Pediatrics.

• Twenge, J. M. (2017). iGen: Why Today’s Super-Connected Kids Are Growing Up Less Rebellious, More Tolerant, Less Happy–and Completely Unprepared for Adulthood. Atria Books.