أصل خلق المرأة في الإسلام

من أين خُلِقَت المرأة

إنّ مسألة خلق المرأة من الموضوعات التي حظيت باهتمام واسع في الخطاب الديني، والفلسفي، والاجتماعي على مر العصور، وقد تعددت الآراء والتفسيرات حول أصل خلقها ومكانتها، خاصة في ضوء ما ورد في النصوص الدينية الكبرى كالنصوص الإسلامية واليهودية والمسيحية. وتُعدّ هذه القضية مفتاحًا لفهم العلاقة الإنسانية الأولى بين الرجل والمرأة، كما تسلط الضوء على أسس الفطرة، والخلق، والتكامل بين الجنسين. ومن خلال هذا المقال المطول، سيتم التطرق بتوسع إلى مسألة أصل خلق المرأة من منظور إسلامي، مع تحليل فقهي وتاريخي دقيق، ومقارنة ضمنية بالسياقات الدينية والفلسفية الأخرى، إلى جانب مناقشة الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية لهذا الخلق.

أولاً: الخلق في القرآن الكريم والسنة النبوية

القرآن الكريم لم يصرح بشكل مباشر عن كيفية خلق المرأة على النحو الذي يحدده في بعض تفاصيل خلق آدم، إلا أنّ هناك إشارات عامة توحي بعلاقة خلق المرأة بالرجل، وأبرز هذه الآيات:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [النساء: 1]

هذه الآية تتحدث عن خلق الناس جميعًا من نفسٍ واحدة، أي آدم، ثم خلق منها زوجها، أي حواء، وهو ما فسّره جمهور العلماء بأن الله تعالى خلق حواء من آدم عليه السلام، وهو القول الراجح عند جمهور المفسرين.

وقد أورد النبي محمد ﷺ حديثًا في صحيح البخاري ومسلم جاء فيه:

“استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خُلقت من ضِلَع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا.”

هذا الحديث النبوي يُعتبر المرجع الأساسي الذي استند عليه العلماء في أن حواء خُلقت من ضلع آدم، وهو ليس محل خلاف كبير بين العلماء المسلمين الكبار، وإن اختلفوا في تفسير الحكمة من هذا الخلق.

ثانيًا: تفسير الخلق من ضلع آدم

الرأي القائل بأن حواء خُلقت من ضلع من أضلاع آدم عليه السلام له بعد رمزي ودلالي عميق، ويشير إلى الوحدة والتكامل بين الجنسين. فالضلع ليس عظمًا من الرأس لكي تتسلط عليه، ولا من القدم لكي تُداس، وإنما من جانب القلب، قريب منه، وهو رمزٌ للعاطفة والمودة.

وقد فسّر بعض العلماء هذا الحديث من باب التأدب وليس التحقير، فالأحاديث لا تشير إلى نقص المرأة، وإنما إلى طبيعتها المختلفة، التي تميل إلى العاطفة والحنان، فكان وصف الضلع الأعوج مجازيًا وليس تقليليًا.

الضلع الأعوج هنا لا يعني انحرافًا أخلاقيًا، بل هو تعبير مجازي عن طبيعة المرأة الانسيابية التي تميل إلى اللين والرقة، والتي تتكامل مع طبيعة الرجل الأكثر صلابة في بعض المواقف.

ثالثًا: الفرق بين التصور الإسلامي والتصورات الأخرى

في الفكر اليهودي والمسيحي:

نجد في سفر التكوين من العهد القديم أن الله خلق حواء من ضلع آدم وهو نائم، وهو ما يتفق مع الرؤية الإسلامية في بعض جوانبها، لكن اللاهوت المسيحي تطور ليفرض بعض المفاهيم التي ألحقت بالمرأة تهمة الخطيئة الأولى، وأنها كانت سبب خروج آدم من الجنة، وهو ما لم يرد في الإسلام بهذه الصورة.

القرآن الكريم في مواضع عدة يذكر أن كليهما (آدم وحواء) زلّا وأكلا من الشجرة، دون تحميل المسؤولية لطرف دون الآخر:

﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا﴾ [البقرة: 36]

﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه: 121]

وبالتالي، فإن الإسلام ينأى عن فكرة “المرأة مصدر الخطيئة”، ويكرّس لفكرة المسؤولية المشتركة.

رابعًا: الحكمة من خلق المرأة من الرجل

خلق المرأة من الرجل، وتحديدًا من ضلعه، ليس نقصًا في أصل خلقتها، بل يدل على الرابطة العميقة بين الزوجين، وأن العلاقة بينهما قائمة على المودة والرحمة لا على التسلط أو الانفصال.

إن الحكمة من هذا الخلق يمكن إدراكها من خلال النقاط التالية:

1. الإشارة إلى التكامل: الرجل والمرأة ليسا نِدَّين في الصراع، بل متكاملان، وقد خُلقت المرأة من الرجل ليتعاونا في بناء الحياة والمجتمع والأسرة.

2. تعزيز الرحمة والحنان: كون المرأة خُلقت من الضلع القريب من القلب يرمز إلى مركز العاطفة واللطف، ما يعزز من مكانة الرحمة والمودة في العلاقة.

3. الخصوصية الفطرية: التركيب الفطري لكل من الرجل والمرأة مختلف ليتكامل كل منهما مع الآخر في بناء الأسرة وتوازن المجتمع.

خامسًا: مكانة المرأة في الإسلام بعد خلقها

لم يقتصر الإسلام على بيان أصل الخلق فقط، بل أولى عناية كبيرة لمكانة المرأة، فاعتبرها نصف المجتمع، وساوى بينها وبين الرجل في الإنسانية، والحقوق التعبدية، وفي الثواب والعقاب، قال تعالى:

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: 97]

هذه المساواة تؤكد أن الخلق من ضلع لا يعني تفوقًا أو دونية، بل اختلافًا تكوينيًا لخدمة التكامل الإنساني والاجتماعي.

سادسًا: التأويلات المعاصرة للخلق من الضلع

في العصر الحديث، بدأت بعض التوجهات الفكرية والنسوية في مراجعة المرويات المتعلقة بخلق المرأة، حيث يرى البعض أن حديث الضلع قد يحمل معاني رمزية أكثر من كونها حرفية. ويدعم ذلك ما ذهب إليه بعض العلماء مثل الشيخ محمد عبده، في أنّ أصل الإنسان واحد، وأنّ خلق المرأة هو امتداد إنساني طبيعي يتجاوز الرمزية المادية للضلع.

لكن الرأي الغالب يظل معتمدًا على ما ورد في القرآن والسنة الصحيحة من دلالات، وهو أن المرأة خُلقت من الرجل، دون انتقاص أو تعارض مع إنسانيتها واستقلالها.

سابعًا: علاقة الخلق بالتكليف الشرعي

من المهم التمييز بين أصل الخلق وبين الواجبات الشرعية، فلا يجوز اعتبار أن خلق المرأة من الرجل مدعاة لتقليل مسؤولياتها، أو تحميلها أدوارًا أدنى من الرجل، بل على العكس، فالتكليف الشرعي في الإسلام مبني على القدرة والاستعداد الفطري، وليس على أصل الخلق.

وقد أسند الإسلام للمرأة أدوارًا متعددة، من التربية، إلى التعليم، إلى المشاركة الاجتماعية والسياسية، وحتى الجهاد إن دعت الحاجة، ما يدل على أن أصل الخلق لم يكن معيارًا في تحديد المهام أو المقام.

ثامنًا: موقف العلماء من اختلاف الروايات

اختلف العلماء في مدى حرفية خلق حواء من ضلع آدم، وانقسموا إلى فريقين:

وقد راعى العلماء في كلا الاتجاهين مقاصد الشريعة التي تدور حول التكريم، والعدل، والتكامل بين الجنسين، ما يضع أي اختلاف في الإطار التأويلي وليس التشريعي.

تاسعًا: التكامل بين الرجل والمرأة في ضوء أصل الخلق

خلق المرأة من الرجل يحمل في طياته رسالة جوهرية: أن العلاقة بينهما ليست علاقة تبعية أو تفوق، بل علاقة شراكة وجودية. وقد دلّت التجربة الإنسانية والدراسات النفسية على أن الفروقات بين الجنسين تؤسس لفهم أعمق للأدوار لا للتفضيل.

وهذه الفكرة أكدها الإسلام في الكثير من النصوص التي تشير إلى:

• التعاون الأسري

• القوامة بمسؤولية لا تسلط

• المودة والرحمة كأساس في الزواج

كل ذلك ينبني على حقيقة الخلق الأولى، ويشكّل بناءً حضاريًا متينًا للأسرة والمجتمع.

عاشرًا: الاستنتاج العام والبعد الحضاري

إن أصل خلق المرأة كما بينته النصوص الإسلامية من ضلع آدم عليه السلام يحمل دلالات رمزية عظيمة في إطار التكامل والإنسانية المشتركة، ولا ينبغي أن يُفهم خارج سياقه المقاصدي. فالمرأة في الإسلام مكرّمة منذ لحظة خلقها، ولا تُمتهن لإنها خُلقت من الرجل، بل يعكس هذا الأصل مدى الترابط والتلاحم الذي أراده الله للإنسانية منذ أول الخليقة.

وقد استطاعت الشريعة الإسلامية أن تحوّل أصل الخلق هذا من مجرد حادثة تكوينية إلى قاعدة حضارية تقوم على التكريم، والمساواة في المسؤولية، والرحمة المتبادلة بين الرجل والمرأة، لتكون الأسرة نواة المجتمع الإسلامي القوي المتماسك.

المصادر والمراجع:

1. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم

2. النووي، شرح صحيح مسلم