تعرّف على أشكال الكذب عند الأطفال وأهم النصائح لعلاجه – الجزء الأول

يُعتبر الكذب عند الأطفال من الظواهر السلوكية الشائعة التي قد تظهر في مراحل عمرية مبكرة، ويُعدّ مؤشراً مهماً لفهم النمو العقلي والنفسي والاجتماعي للطفل. ومع أن الكذب يُنظر إليه من منظور أخلاقي سلبي في المجتمعات، إلا أن تفسيره في عالم الطفولة يحتاج إلى مقاربة أكثر شمولية تأخذ بعين الاعتبار دوافع الطفل، وبيئته، ومستوى إدراكه للحقيقة والخيال، وأسلوب التربية المعتمد في الأسرة.

أولاً: تعريف الكذب في السياق الطفولي

الكذب هو تعمّد قول شيء غير صحيح مع معرفة الطفل بحقيقته. لكن في سياق الطفولة، لا يمكن النظر إلى الكذب دائماً على أنه سلوك غير أخلاقي أو تعبير عن انحراف في الشخصية، بل في كثير من الأحيان يكون تعبيراً عن نمو مهارات التفكير الرمزي، أو نتاجاً للبيئة المحيطة، أو وسيلة للدفاع عن النفس أمام ضغوط الكبار. ومن هنا تأتي ضرورة التفرقة بين الكذب الناتج عن الخيال، والكذب المقصود بغرض الخداع، والكذب الناتج عن ضغط أو خوف.

ثانياً: المراحل العمرية وارتباطها بالكذب

الكذب لا يظهر بشكل مفاجئ أو عشوائي في سلوك الأطفال، بل يمر عبر مراحل تترافق مع نمو الإدراك واللغة والمفاهيم الاجتماعية:

ثالثاً: أشكال الكذب عند الأطفال

يتخذ الكذب أشكالًا متعددة لدى الأطفال، تختلف بحسب دوافعهم، وشخصياتهم، وتجاربهم السابقة. من أبرز هذه الأشكال:

1. الكذب التخيّلي

يُعد من أكثر الأنواع شيوعًا بين الأطفال في سنّ ما قبل المدرسة، حيث يميل الطفل إلى خلق قصص خيالية أو أصدقاء وهميين أو مواقف غير واقعية. هذا النوع من الكذب لا يُعدّ مقلقًا في الغالب لأنه مرتبط بتطور القدرات الإبداعية واللغوية.

2. الكذب الدفاعي

ينتج عن خوف الطفل من العقاب أو التأنيب، فيقوم بإنكار ارتكاب سلوك معين لتفادي رد فعل الوالدين أو المعلم. هذا النوع شائع في البيئات التي تعتمد العقاب القاسي أو التي لا تتسامح مع الأخطاء.

3. الكذب لاكتساب الاهتمام

يستخدم الطفل الكذب كوسيلة لجذب الانتباه في حال كان يعاني من إهمال عاطفي أو نقص في التقدير الذاتي. قد يدعي المرض، أو يختلق إنجازات لم يحققها، في محاولة لإثارة إعجاب الآخرين.

4. الكذب الانتقامي

يلجأ بعض الأطفال إلى الكذب من أجل الإيقاع بشخص آخر، غالبًا في سياق تنافسي أو عند الشعور بالغيرة. يكون الهدف هنا إلحاق الضرر بالآخر من خلال تقديم معلومات خاطئة عنه.

5. الكذب بهدف المكاسب المادية أو المعنوية

مثل اختلاق قصة للحصول على مكافأة، أو الكذب في المدرسة لتبرير الغياب، أو الادّعاء بعدم القيام بواجب معين لتأجيله. هذا الشكل من الكذب يعكس إدراك الطفل لنتائج الكذب واستغلاله لتحقيق مصالح معينة.

6. الكذب الاجتماعي (المجاملات)

يتعلم بعض الأطفال قول أمور غير صحيحة بدافع المجاملة أو تجنب إحراج الآخرين، مثل قولهم إنهم يحبون هدية لم تعجبهم. رغم أن هذا النوع يُعدّ “مقبولاً” اجتماعياً في بعض الثقافات، إلا أنه يتطلب توجيهاً صحيحاً من الكبار.

رابعاً: أسباب الكذب عند الأطفال

فهم دوافع الكذب ضروري لوضع خطط علاجية مناسبة. الأسباب تختلف بحسب البيئة النفسية والاجتماعية والعائلية للطفل:

1. تقليد سلوك الكبار

الأطفال يتأثرون بشدة بما يرونه ويسمعونه من والديهم أو محيطهم. فإذا اعتاد الطفل سماع الكذب في المنزل – مثل أعذار غير صحيحة تُقدَّم للغياب عن العمل أو المجاملات غير الصادقة – فإنه سيعتبر الكذب أمراً طبيعياً ومقبولاً.

2. البيئة العقابية

الأساليب التربوية القاسية تُعزّز الكذب الدفاعي لدى الأطفال. عندما يتعرّض الطفل لعقوبات شديدة، يتعلم أن قول الحقيقة يؤدي إلى الألم، فيلجأ إلى الكذب كدرع واقٍ.

3. تدني الثقة بالنفس

الطفل الذي يشعر بالدونية أو الفشل قد يستخدم الكذب لتعويض نقصه عبر اختلاق إنجازات أو قدرات غير حقيقية. هذا النوع يعكس حاجة الطفل إلى التقدير لا إلى العقاب.

4. الرغبة في تقليد الآخرين

عندما يرى الطفل زملاءه يكذبون ويحصلون على ما يريدون، فقد يُغرى بتجربة السلوك نفسه.

5. التخيّل المفرط

بعض الأطفال يمتلكون خيالًا واسعًا يدفعهم إلى الخلط بين الواقع والخيال، خاصة إذا لم يكن لديهم توجيه مناسب يساعدهم على التمييز بين الحالتين.

6. الضغوط المدرسية أو الأسرية

كثرة الواجبات، المنافسة المفرطة، أو النزاعات العائلية تُشكّل ضغطًا على الطفل يجعله يستخدم الكذب كمهرب نفسي من الواقع.

خامساً: التأثيرات النفسية والسلوكية للكذب عند الأطفال

رغم أن الكذب قد يكون في بعض الحالات مرحلة تطورية طبيعية، فإن استمراره وتحوله إلى سلوك دائم قد يؤثر سلباً في نفسية الطفل:

• اضطراب في العلاقات الاجتماعية: الطفل الكذّاب يفقد ثقة الآخرين مما يصعّب عليه بناء صداقات أو المحافظة على علاقات سليمة.

• تدني احترام الذات: يشعر الطفل بالذنب أو العار نتيجة كذبه، ما يُضعف صورته عن نفسه.

• صعوبة في التمييز بين الواقع والخيال: خاصة إذا بدأ الكذب منذ الصغر واستمر لفترة طويلة دون تدخل تربوي.

• الاعتياد على التلاعب: يتطور الكذب عند بعض الأطفال ليصبح وسيلة لتحقيق أهداف أنانية، مما يؤثر سلباً في بناء شخصيتهم مستقبلاً.

سادساً: نصائح أساسية لعلاج الكذب عند الأطفال

تُعد الوقاية والتوجيه السليم الوسيلتين الأساسيتين لتقويم سلوك الكذب عند الأطفال، وتتطلب تعاوناً بين الأسرة والمدرسة والمعالج النفسي عند الضرورة.

1. بناء علاقة قائمة على الثقة

الثقة المتبادلة بين الطفل وأهله تُعدّ حجر الأساس في منعه من الكذب. عندما يشعر الطفل أن والديه سيتفهمان أخطاءه ولن يُعاقباه بقسوة، يصبح أكثر استعدادًا لقول الحقيقة.

2. استخدام الحوار بدلًا من العقاب

الهدف من معالجة الكذب ليس معاقبة الطفل، بل فهم دافعه وتقديم بدائل سلوكية. لذا يجب تشجيعه على الحديث عن مخاوفه ومشكلاته.

3. التمييز بين الكذب والتخيّل

يجب على الأهل أن يدركوا الفرق بين الكذب المقصود وبين الخيال الطفولي، وألّا يعاقبوا الطفل على خيالاته بل يوجهوه لفهم الواقع بشكل تدريجي.

4. تقديم القدوة الحسنة

عندما يلتزم الوالدان بالصدق في تعاملاتهم – حتى في المواقف البسيطة – فإن ذلك يُرسّخ في عقل الطفل مفهوم الصدق كقيمة أساسية.

5. مدح الطفل عند قول الحقيقة

تعزيز السلوك الإيجابي له تأثير قوي، لذا يجب مدح الطفل عند اعترافه بالحقيقة حتى إن كانت مؤلمة، مما يساعده على الربط بين الصدق والتقدير.

6. تعزيز مهارات التواصل

بعض الأطفال يلجؤون إلى الكذب لأنهم لا يجدون الوسيلة المناسبة للتعبير عن مشاعرهم أو مشكلاتهم. تعليمهم التعبير عن الذات يعزز لديهم الصدق كخيار أساسي.

7. مراقبة المحتوى الإعلامي

تُظهر الدراسات أن بعض الرسوم المتحركة أو الألعاب قد تشجع على الكذب أو التلاعب. لذا يُنصح بمراقبة ما يشاهده الطفل وتوجيهه إلى محتويات تنمّي القيم الأخلاقية.

8. استشارة مختص نفسي عند الحاجة

إذا تطور الكذب ليصبح سلوكًا يوميًا يتداخل مع حياة الطفل المدرسية أو الاجتماعية، فقد تكون هناك حاجة إلى تدخل مهني لفهم الأسباب العميقة ووضع خطة علاجية شاملة.

في الجزء الثاني من هذا الموضوع سيتم التطرق إلى النماذج العلاجية التفصيلية المعتمدة في علم النفس التربوي، مع التركيز على كيفية تكييف الاستراتيجيات التربوية بحسب نوع الكذب وشخصية الطفل وظروفه البيئية.

المراجع:

1. Piaget, J. (1965). The Moral Judgment of the Child. New York: Free Press.

2. American Psychological Association. (2020). Understanding Child Behavior.