الأسلوب الصحيح لإعطاء الملاحظات والتعليقات
تُعدّ الملاحظات والتعليقات جزءًا أساسيًا من بيئة العمل والدراسة والحياة اليومية بشكل عام، حيث تساهم في تحسين الأداء وتعزيز التنمية الشخصية. لكن تقديم هذه الملاحظات يتطلب مهارة وفنًّا خاصًّا لضمان وصول الرسالة بطريقة بناءة وفعّالة. إن إعطاء الملاحظات بطريقة صحيحة يعتمد على عدة عوامل تتعلق بكيفية صياغتها، توقيتها، وكيفية توصيلها للشخص المتلقّي. في هذا المقال، سنتناول الأسلوب الصحيح لإعطاء الملاحظات والتعليقات مع التركيز على أفضل الممارسات لتقديمها بشكل فعّال ومؤثر.
أهمية تقديم الملاحظات والتعليقات
قبل أن نتطرق إلى الأسلوب الصحيح لإعطاء الملاحظات، من المهم أن نوضح أولًا أهميتها. الملاحظات ليست فقط وسيلة لتقييم الأداء، بل هي أداة تعليمية تعزز من التعلم والنمو الشخصي. يمكن أن تكون الملاحظات وسيلة لتحفيز الأفراد على تحسين أدائهم في مجالات معينة، وتوفير نصائح عملية لتحسين نقاط الضعف، أو حتى تعزيز نقاط القوة. علاوة على ذلك، فإن الملاحظات يمكن أن تساهم في تطوير العلاقات بين الأشخاص، سواء في بيئات العمل أو في السياقات الاجتماعية.
الأسس الأساسية لتقديم الملاحظات بشكل فعّال
تقديم الملاحظات يتطلب بعض المبادئ الأساسية التي تضمن وصول الرسالة بطريقة بناءة، وهذه الأسس تتضمن:
1. الصدق والواقعية
يجب أن تكون الملاحظات صادقة وواقعية. تقديم ملاحظات مبالغ فيها أو غير دقيقة يمكن أن يؤدي إلى شعور الشخص المتلقي بالحيرة أو الإحباط. لذلك، يجب أن تكون الملاحظات مبنية على ملاحظات حقيقية وواقعية عن الأداء، مع تجنب التعميم أو القسوة في الكلمات. على سبيل المثال، إذا كان الشخص قد ارتكب خطأ ما في أداء معين، يجب أن يتم توضيح ذلك بطريقة موضوعية وبالاستناد إلى الأدلة والوقائع.
2. التركيز على السلوك وليس الشخص
من المهم أن يتم التركيز على السلوك أو الأداء بدلاً من التركيز على الشخص ذاته. على سبيل المثال، بدلاً من قول “أنت فاشل”، يجب أن تُقال “لقد كان أداؤك في هذا المشروع أقل من المتوقع بسبب عدم الالتزام بالمواعيد”. هذا يساعد في تجنب شعور الشخص بالإهانة أو الدفاعية ويجعله أكثر استعدادًا لتقبّل الملاحظات.
3. الإيجابية في اللغة
على الرغم من أهمية توجيه الملاحظات حول المجالات التي تحتاج إلى تحسين، يجب أن يتضمن التعليق أيضًا إشادة بالأمور التي تم تنفيذها بشكل جيد. هذا يساعد في تحفيز الشخص ويجعله يشعر بأن الملاحظات لا تقتصر فقط على الانتقاد، بل تشمل أيضًا التقدير والاعتراف بالجهود المبذولة. العبارات مثل “لقد قمت بعمل ممتاز في هذا الجزء” أو “أنا معجب بطريقة تفكيرك في هذا الجانب” تساهم في إظهار التوازن بين الملاحظات الإيجابية والبناءة.
4. الخصوصية والمكان المناسب
يجب إعطاء الملاحظات في مكان خاص وفي الوقت المناسب. توجيه الملاحظات أمام الآخرين قد يؤدي إلى إحراج الشخص المتلقي أو إلى أن يشعر بأنه موضوع للانتقاد العلني. الأفضل أن تُقدّم الملاحظات في مكان هادئ بعيدًا عن الأنظار، حيث يكون الشخص المتلقي أكثر استعدادًا للاستماع والاستفادة.
5. الوضوح والمباشرة
يجب أن تكون الملاحظات واضحة ومباشرة، بدون غموض أو التواءات قد تؤدي إلى عدم فهم الرسالة بشكل صحيح. توضيح الأسباب التي أدّت إلى تقديم الملاحظات مهم للغاية. من الأفضل تجنب الإشارات الغامضة أو المبالغة في المجاملة. على سبيل المثال، بدلاً من قول “يجب أن تكون أفضل”، يمكن القول “أعتقد أنه بإمكانك تحسين أداءك في هذا المجال من خلال إتمام المهام في وقتها المحدد”.
6. التوازن بين النقد والتوجيه
التعليقات النقدية يجب أن تكون مصحوبة بتوجيهات واضحة حول كيفية تحسين الوضع أو السلوك المطلوب. تقديم الملاحظات دون إعطاء إرشادات حول كيفية التحسين قد يكون غير مفيد. إذا كانت هناك نقاط ضعف معينة، يجب أن يتم تقديم اقتراحات عملية لتجاوز هذه التحديات. على سبيل المثال، “يمكنك تحسين هذه المهارة من خلال التدريب على استخدام هذه الأداة بشكل يومي”.
7. الصبر والمرونة
يجب أن يُظهر الشخص الذي يقدم الملاحظات الصبر والمرونة أثناء النقاش. يجب أن يستمع بعناية للردود والتعليقات من الشخص المتلقي، حيث قد يكون هناك تفاصيل لم يتم أخذها في الاعتبار. في بعض الأحيان، يمكن أن يكون الشخص المتلقي بحاجة إلى وقت للتفكير في الملاحظات وتقييمها. من الضروري أن يكون الشخص الذي يقدم الملاحظات مرنًا في كيفية تنفيذ التغييرات بناءً على ردود الفعل التي يحصل عليها.
تقنيات فعّالة لإعطاء الملاحظات
العديد من الخبراء في مجال التنمية الشخصية وإدارة الأداء يوصون باستخدام تقنيات وأساليب معينة لتقديم الملاحظات بشكل فعّال. من أبرز هذه التقنيات:
1. تقنية “ساندويتش الملاحظات”
تتمثل هذه التقنية في تقديم الملاحظات السلبية بين ملاحظات إيجابية. الهدف من هذه الطريقة هو جعل الشخص المتلقي أكثر تقبلاً للملاحظات السلبية. على سبيل المثال، يمكن البدء بإخبار الشخص عن شيء قام به بشكل جيد، ثم التطرق إلى المجال الذي يحتاج إلى تحسين، وفي النهاية تقديم ملاحظة إيجابية أخرى. هذا يساعد في تقليل الصدمة التي قد يتسبب فيها النقد.
2. تقنية “وصف السلوك”
بدلاً من التحدث عن المشاعر أو الأحاسيس الخاصة بك، يمكن تركيز الملاحظات على سلوك الشخص المحدد. على سبيل المثال، بدلاً من قول “أنت دائمًا تتأخر”، يمكن أن تقول “لقد لاحظت أنك تأخرت في الاجتماعات الثلاثة الأخيرة. هل بإمكانك توضيح السبب؟”. هذه الطريقة تجعل الملاحظات أكثر قابلية للفهم والتركيز على سلوك قابل للتغيير.
3. تقنية “العقل المفتوح”
تتضمن هذه التقنية فتح مجال للحوار والمناقشة. بدلاً من تقديم ملاحظات بشكل قاطع، يمكن فتح النقاش حول كيفية تحسين الأداء وتقديم نصائح بناءة. هذه الطريقة تزيد من التفاعل بين الطرفين وتساهم في بناء بيئة من التعاون.
4. تقنية “الأهداف المحددة”
عندما تقدم ملاحظات حول ما يجب تحسينه، يجب أن تكون الأهداف محددة وقابلة للقياس. بدلاً من القول “يجب أن تكون أفضل”، يُفضل تحديد المعايير المطلوبة بشكل دقيق. على سبيل المثال، “من المتوقع أن تكمل تقريرك في غضون أسبوعين مع ضمان جودته العالية”.
أخطاء يجب تجنبها عند تقديم الملاحظات
من الضروري أيضًا تجنب بعض الأخطاء الشائعة التي قد تجعل الملاحظات غير فعّالة أو حتى ضارة:
-
الانتقاد الشخصي: يجب تجنب إلقاء اللوم أو النقد على الشخص نفسه بشكل عام. الملاحظات يجب أن تركز على السلوك أو الأداء المحدد وليس على الشخصية.
-
الإفراط في الانتقاد: من غير المجدي تقديم العديد من الملاحظات السلبية في نفس الوقت. يجب أن تكون الملاحظات متوازنة.
-
التعجل في تقديم الملاحظات: يجب أخذ الوقت الكافي للتفكير وتقديم ملاحظات مدروسة. عدم التحضير قد يؤدي إلى أن تكون الملاحظات غير دقيقة أو غير مفيدة.
-
التوقعات غير الواقعية: يجب أن تكون الملاحظات مبنية على معايير قابلة للتحقيق وليست على توقعات مبالغ فيها.
خاتمة
إن تقديم الملاحظات هو فن يتطلب إتقانًا ومهارة للتأكد من وصول الرسالة بطريقة بناءة وفعّالة. سواء كان ذلك في بيئة العمل، الدراسة، أو حتى في العلاقات الاجتماعية، فإن الطريقة التي نُقدّم بها الملاحظات تلعب دورًا حاسمًا في تطوير الأفراد وتحقيق التغيير الإيجابي. الملاحظات البناءة لا تقتصر على إظهار السلبيات، بل تتعلق أيضًا بتقديم التوجيهات المناسبة التي تساهم في تحسين الأداء والنمو الشخصي. من خلال اتباع الأساليب الصحيحة في إعطاء الملاحظات، يمكن أن نخلق بيئة من التحفيز والتعلم المستمر.
