انخفاض درجة حرارة الجسم

انخفاض درجة حرارة الجسم، أو ما يعرف طبيًا بـ”الهيبوثيرميا” (Hypothermia)، هو حالة طبية تحدث عندما تنخفض درجة حرارة الجسم إلى ما دون المستوى الطبيعي المطلوب للحفاظ على وظائفه الحيوية. يعتبر معدل حرارة الجسم الطبيعي لدى الإنسان حوالي 36.5 إلى 37.5 درجة مئوية، وأي انخفاض تحت 35 درجة مئوية يصنف على أنه انخفاض في حرارة الجسم، وهو وضع صحي يتطلب اهتمامًا فوريًا لأنه قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة أو حتى الوفاة إذا لم يتم التعامل معه بشكل مناسب.

تعريف انخفاض درجة حرارة الجسم

الهيبوثيرميا هي حالة مرضية تتميز بانخفاض غير طبيعي في حرارة الجسم نتيجة تعرض الجسم لفترات طويلة لدرجات حرارة منخفضة، بحيث يفقد الجسم قدرته على توليد حرارة كافية للحفاظ على وظائفه الحيوية. تختلف شدة الحالة وفقًا لمستوى انخفاض درجة الحرارة ومدى سرعة التدخل الطبي، وقد تتراوح من حالة خفيفة إلى حالة تهدد الحياة.

أسباب انخفاض درجة حرارة الجسم

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى انخفاض حرارة الجسم، وتتراوح بين تعرض مباشر لدرجات حرارة منخفضة في البيئة الخارجية، أو حالات طبية تؤثر على قدرة الجسم في تنظيم درجة حرارته. من أهم هذه الأسباب:

1. التعرض للبرد الشديد: الوقوف أو البقاء لفترات طويلة في أماكن باردة جدًا، مثل الأماكن المفتوحة في الشتاء، أو التعرض للرياح القوية والرطوبة العالية، حيث تزداد فقدان الحرارة من الجسم.

2. الانغماس في المياه الباردة: الغمر في مياه باردة سواء في البحر أو الأنهار أو البحيرات يؤدي إلى فقدان سريع للحرارة بسبب موصلية الماء العالية.

3. الملابس غير المناسبة: ارتداء ملابس غير كافية أو غير مقاومة للبرد يزيد من فقدان حرارة الجسم.

4. الحالات الطبية:

   • قصور الغدة الدرقية.

   • سوء التغذية أو الجوع الشديد.

   • اضطرابات الجهاز العصبي التي تؤثر على تنظيم الحرارة.

   • بعض الأدوية التي تقلل من قدرة الجسم على توليد الحرارة مثل أدوية مضادة للاكتئاب أو مضادات الذهان.

5. استهلاك الكحول أو المخدرات: هذه المواد تقلل من قدرة الجسم على تنظيم درجة حرارته وتؤدي إلى توسع الأوعية الدموية مما يسرع فقدان الحرارة.

6. الشيخوخة: كبار السن أكثر عرضة لانخفاض حرارة الجسم بسبب ضعف آليات تنظيم الحرارة مع التقدم في العمر.

7. الحوادث والإصابات: مثل الحوادث التي تؤدي إلى انخفاض الوعي أو فقدان الوعي والتي تمنع الشخص من اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية نفسه من البرد.

آليات تنظيم حرارة الجسم

ينظم الجسم حرارة نفسه عبر مركز التحكم في درجة الحرارة الواقع في منطقة ما تحت المهاد (Hypothalamus) في الدماغ. يتلقى هذا المركز إشارات مستمرة من المستقبلات الحرارية في الجلد والأعضاء الداخلية، ويعمل على الحفاظ على درجة حرارة الجسم ضمن النطاق الطبيعي من خلال عدة آليات منها:

• توليد الحرارة: يتم من خلال التقلص اللا إرادي لعضلات الجسم، أي الارتجاف، والذي يرفع من استهلاك الطاقة وبالتالي إنتاج الحرارة.

• تقليل فقدان الحرارة: عن طريق تضيق الأوعية الدموية الجلدية (Vasoconstriction) لمنع تدفق الدم إلى السطح وبالتالي تقليل فقدان الحرارة.

• السلوكيات الوقائية: كارتداء الملابس أو البحث عن أماكن دافئة.

عند تعرض الجسم للبرد الشديد، قد تفشل هذه الآليات في المحافظة على درجة الحرارة، مما يؤدي إلى انخفاض حرارة الجسم.

مراحل انخفاض درجة حرارة الجسم وأعراضها

يمكن تقسيم انخفاض حرارة الجسم إلى ثلاث مراحل رئيسية وفقًا لشدة الانخفاض في درجة الحرارة:

1. انخفاض حرارة الجسم الخفيف (35-32 درجة مئوية)

في هذه المرحلة، يبدأ الجسم في فقدان الحرارة بشكل أسرع من قدرته على إنتاجها. الأعراض تشمل:

• ارتجاف مستمر.

• برودة الجلد و شحوب اللون.

• التنفس السريع وضيق في التنفس.

• زيادة معدل ضربات القلب.

• الشعور بالتعب والضعف.

• صعوبة في التركيز وعدم وضوح الرؤية.

2. انخفاض حرارة الجسم المتوسط (32-28 درجة مئوية)

يبدأ تأثير انخفاض الحرارة على الجهاز العصبي والقلب، مع ظهور أعراض أكثر خطورة:

• توقف الارتجاف مع استمرار انخفاض حرارة الجسم.

• تباطؤ في ضربات القلب والتنفس.

• ضعف شديد في العضلات وفقدان التوازن.

• تشوش ذهني وارتباك.

• فقدان الوعي أحيانًا.

• انخفاض ضغط الدم.

3. انخفاض حرارة الجسم الشديد (أقل من 28 درجة مئوية)

تعتبر هذه المرحلة خطيرة جدًا وتعرض حياة الشخص للخطر. تشمل الأعراض:

• فقدان كامل للوعي.

• توقف ضربات القلب والتنفس في بعض الحالات.

• صعوبة شديدة في التنفس.

• توسع حدقة العين وعدم استجابتها للضوء.

• عدم القدرة على الحركة.

• ضعف شديد جدًا في نبضات القلب.

تشخيص انخفاض درجة حرارة الجسم

يتم تشخيص الهيبوثيرميا عبر قياس حرارة الجسم باستخدام أجهزة دقيقة مثل مقياس الحرارة المخصص لقياس حرارة الجسم الداخلي، حيث أن قياسات حرارة الجلد قد لا تعكس الحالة الحقيقية. كما يجري الطبيب تقييمًا سريريًا شاملاً يتضمن:

• مراقبة العلامات الحيوية: ضغط الدم، معدل التنفس، نبض القلب.

• الفحص العصبي لتقييم درجة الوعي.

• تحاليل دم للكشف عن مضاعفات مثل اضطرابات في توازن الأملاح أو اضطرابات أيضية.

• تصوير القلب والرئتين إذا لزم الأمر.

علاج انخفاض حرارة الجسم

يهدف العلاج إلى رفع درجة حرارة الجسم إلى المستوى الطبيعي بأسرع وقت ممكن دون التسبب في مضاعفات إضافية. يتبع العلاج عدة خطوات تختلف باختلاف شدة الحالة:

1. الإسعافات الأولية في المنزل أو الميدان:

• نقل المصاب إلى مكان دافئ وم sheltered.

• إزالة الملابس المبللة واستبدالها بملابس جافة ودافئة.

• تغطية الرأس والجسم ببطانيات.

• إمداد المصاب بسوائل دافئة (غير كحولية) إذا كان واعيًا وقادرًا على البلع.

• تجنب فرك الجسم أو تعريضه لحرارة مباشرة عالية لتفادي حدوث مشاكل في الدورة الدموية.

2. العلاج الطبي في المستشفى:

• التدفئة النشطة الخارجية باستخدام أجهزة تدفئة خاصة.

• التدفئة النشطة الداخلية، مثل ضخ سوائل دافئة داخل الوريد أو حتى استخدام غسيل معدي بالأحماض الدافئة في حالات الهيبوثيرميا الشديدة.

• مراقبة مستمرة لوظائف القلب والرئتين.

• علاج المضاعفات المحتملة مثل اضطرابات نظم القلب أو مشاكل التنفس.

مضاعفات انخفاض درجة حرارة الجسم

إن إهمال علاج انخفاض حرارة الجسم قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تشمل:

• توقف القلب: يحدث بسبب تأثير انخفاض الحرارة على نظم القلب.

• توقف التنفس: نتيجة ضعف الجهاز التنفسي.

• تلف في الأعضاء الحيوية: مثل الكبد والكلى بسبب نقص التروية الدموية.

• التهاب رئوي: نتيجة لفقدان الوعي والتنفس غير السليم.

• تلف الدماغ: بسبب نقص الأكسجين خلال فترة انخفاض الحرارة.

• الصدمة: انخفاض ضغط الدم الحاد وفشل الأعضاء.

الوقاية من انخفاض حرارة الجسم

الوقاية أفضل من العلاج، ويمكن تجنب الهيبوثيرميا باتباع إجراءات بسيطة في البيئات الباردة:

• ارتداء ملابس دافئة متعددة الطبقات، مع الاهتمام بارتداء القبعات والقفازات.

• الحفاظ على الجسم جافًا، لأن الرطوبة تزيد من فقدان الحرارة.

• تجنب التعرض لفترات طويلة للرياح أو البرودة الشديدة.

• الابتعاد عن الكحول والمخدرات التي تؤثر على وعي الجسم وتنظيم الحرارة.

• التأكد من وجود مأوى دافئ في حالات الطقس السيئ.

• مراقبة الأشخاص الضعفاء مثل كبار السن والأطفال في الظروف الباردة.

• الحرص على تناول الطعام والشراب بانتظام لتوفير الطاقة اللازمة لتوليد الحرارة.

علاقة انخفاض حرارة الجسم ببعض الحالات المرضية

هناك ارتباط وثيق بين انخفاض حرارة الجسم وبعض الأمراض المزمنة أو الحادة التي تؤثر على قدرة الجسم على تنظيم حرارته:

• السكري: قد يؤدي إلى اعتلال الأعصاب مما يقلل من حساسية المستقبلات الحرارية.

• الأمراض العصبية: مثل التصلب اللويحي أو مرض باركنسون التي تؤثر على مركز تنظيم الحرارة.

• الحالات النفسية: كالاضطرابات الذهانية التي قد تقلل من الاهتمام بالنظافة الشخصية أو اتخاذ الاحتياطات ضد البرد.

• الحالات الطارئة: مثل الصدمة أو الغيبوبة التي تمنع استجابة الجسم للبرد.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين درجات انخفاض حرارة الجسم وأعراضها الأساسية:

الخلاصة

انخفاض درجة حرارة الجسم هو حالة طبية طارئة تستدعي التدخل السريع لمنع تطورها إلى مضاعفات تهدد الحياة. يتطلب التشخيص المبكر والمعالجة الفورية الاهتمام بالعوامل المسببة والوقاية منها، خاصة في البيئات الباردة والظروف التي تضعف قدرة الجسم على تنظيم حرارته. تبني السلوكيات الوقائية والوعي بأعراض انخفاض حرارة الجسم يساعدان في تقليل المخاطر وضمان سلامة الفرد في مواجهة الظروف القاسية.

المراجع:

1. Hypothermia – Mayo Clinic.

2. Management of accidental hypothermia – The New England Journal of Medicine, 2010.