أسباب وأضرار نقص الكولسترول

نقص الكولسترول: مخاطره، أسبابه، وآثاره على الصحة العامة

يُعد الكولسترول من المركبات الدهنية الحيوية التي تؤدي وظائف أساسية في جسم الإنسان، وعلى عكس الاعتقاد الشائع الذي يربطه دائمًا بالمشكلات الصحية، فإن الكولسترول يلعب دورًا محوريًا في إنتاج الهرمونات، وبناء الأغشية الخلوية، وتكوين فيتامين د، والمساهمة في عمليات الهضم عبر إنتاج العصارة الصفراوية. من هذا المنطلق، فإن انخفاض مستوياته في الجسم — والمعروف طبيًا باسم نقص الكولسترول (Hypocholesterolemia) — لا يقل خطرًا عن ارتفاعه، وقد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة تطال الجهاز العصبي، والغدد الصماء، والمناعة، والمزاج.

الكولسترول: التركيب والوظيفة الحيوية

الكولسترول مادة شمعية تُصنّف ضمن الدهون الستيرويدية، ويُنتج جزء كبير منه داخليًا في الكبد، بينما يتم امتصاص البقية من النظام الغذائي. ينقسم الكولسترول إلى نوعين رئيسيين:

• الكولسترول منخفض الكثافة (LDL): يعرف بالكولسترول “الضار”، إذ إن ارتفاعه يرتبط بترسب الدهون في الشرايين.

• الكولسترول عالي الكثافة (HDL): يُعرف بالكولسترول “النافع” لدوره في نقل الدهون الزائدة إلى الكبد لتكسيرها وإخراجها.

في المقابل، فإن انخفاض الكولسترول، سواء الكلي أو أحد نوعيه، يشير إلى وجود خلل وظيفي في أحد أعضاء الجسم أو في عملية التمثيل الغذائي للدهون.

القيم الطبيعية للكولسترول

عندما ينخفض الكولسترول الكلي إلى ما دون 120 ملغ/ديسيلتر، أو ينخفض LDL إلى أقل من 50، يبدأ الجسم في مواجهة تحديات فسيولوجية حادة قد تكون لها آثار طويلة الأمد.

أسباب نقص الكولسترول

1. سوء التغذية ونقص الدهون في النظام الغذائي

تُعد الأنظمة الغذائية الفقيرة بالدهون — خصوصًا عند ممارسي الحميات القاسية أو النباتيين المتشددين — من أكثر الأسباب شيوعًا لنقص الكولسترول. الدهون الغذائية ضرورية لتكوين الكولسترول داخليًا، وبالتالي فإن نقص استهلاكها يؤدي إلى اختلال في التوازن.

2. فرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism)

يزيد النشاط المفرط لهرمونات الغدة الدرقية من عملية الأيض، مما يؤدي إلى تكسير الكولسترول بوتيرة أسرع من المعتاد، وهو ما يؤدي إلى انخفاض مستوياته في الدم بشكل كبير.

3. أمراض الكبد المزمنة

نظرًا لأن الكبد هو المركز الرئيسي لإنتاج الكولسترول، فإن أمراضًا مثل تليف الكبد أو التهاب الكبد الفيروسي المزمن قد تُضعف من قدرة الكبد على إنتاج الكولسترول بكفاءة.

4. الإصابة بعدوى حادة أو التهابات مزمنة

العدوى المزمنة مثل السل أو بعض الأورام الخبيثة قد تؤثر على التمثيل الغذائي للدهون بشكل عام، بما في ذلك تقليل تصنيع الكولسترول.

5. الاستخدام المفرط للأدوية الخافضة للكولسترول

بعض المرضى، خصوصًا الذين يتناولون أدوية من فئة الستاتينات (Statins)، قد يتعرضون لانخفاض مفرط في مستويات الكولسترول، خصوصًا إذا كانت الجرعات عالية ولم تكن المتابعة الدورية قائمة.

6. الاضطرابات الوراثية

في بعض الحالات النادرة، تحدث طفرات جينية تؤدي إلى خلل في إنتاج أو امتصاص الكولسترول، كما هو الحال في بعض متلازمات نقص البروتينات الدهنية (Hypobetalipoproteinemia).

الآثار الصحية لنقص الكولسترول

1. الاضطرابات النفسية والعصبية

الكولسترول أساسي لإنتاج السيروتونين والدوبامين، وهما ناقلان عصبيان يرتبطان مباشرة بالمزاج والقدرة على التركيز. وقد أظهرت دراسات متعددة أن نقص الكولسترول يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب، والقلق، واضطرابات المزاج، بل وحتى السلوك الانتحاري.

2. الخلل الهرموني

يشارك الكولسترول في بناء الهرمونات الجنسية (مثل التستوستيرون والإستروجين)، ولذلك فإن انخفاضه قد يؤدي إلى اضطرابات في الدورة الشهرية، ضعف الخصوبة، وانخفاض الرغبة الجنسية عند الرجال والنساء على حد سواء.

3. ضعف المناعة

الكولسترول يلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على سلامة أغشية الخلايا المناعية، ونقصه يؤثر على استجابة الجسم للمخاطر الخارجية كالبكتيريا والفيروسات.

4. زيادة احتمالية الإصابة بالسكتات الدماغية النزفية

في حين أن الكولسترول المرتفع يرتبط بالسكتات الإقفارية الناتجة عن انسداد الشرايين، فإن نقص الكولسترول يزيد خطر السكتات النزفية نتيجة ضعف جدران الأوعية الدموية.

5. الضعف العام ونقص الطاقة

نظرًا لدور الكولسترول في بناء الميتوكوندريا ودعم الخلايا العصبية والعضلية، فإن نقصه ينعكس على ضعف في الأداء الجسدي، نقص التحمل، وسرعة التعب.

الفئات الأكثر عرضة للإصابة بنقص الكولسترول

• كبار السن الذين يتبعون حميات صارمة.

• المصابون بأمراض الكبد أو الغدة الدرقية.

• من لديهم تاريخ عائلي لاضطرابات استقلاب الدهون.

• الأشخاص الذين يتناولون أدوية خافضة للكولسترول بدون إشراف طبي.

• مرضى السرطان والأمراض المزمنة طويلة الأمد.

التشخيص

يعتمد التشخيص على اختبارات الدم المخبرية التي تقيس مستويات الكولسترول الكلي وHDL وLDL. لكن التشخيص لا يتوقف عند الأرقام، بل يجب تقييم المريض سريريًا من حيث الأعراض، والنمط الغذائي، والتاريخ المرضي، والوظائف الكبدية والهرمونية. في بعض الحالات، قد يوصي الطبيب بإجراء اختبارات الغدة الدرقية أو تصوير الكبد لاستبعاد الأسباب العضوية.

العلاج

1. تعديل النظام الغذائي

يُنصح بإضافة الدهون الصحية إلى النظام الغذائي، مثل:

• زيت الزيتون البكر.

• الأفوكادو.

• المكسرات مثل الجوز واللوز.

• الأسماك الدهنية مثل السلمون والماكريل.

2. علاج الأسباب الكامنة

إذا كان نقص الكولسترول ناجمًا عن فرط نشاط الغدة الدرقية أو أمراض الكبد، فيجب توجيه العلاج مباشرة إلى المرض الأساسي.

3. إعادة تقييم الأدوية

يجب تعديل جرعة أدوية الستاتينات أو إيقافها مؤقتًا تحت إشراف الطبيب، في حال ثبت أن استخدامها يسبب انخفاضًا مفرطًا في الكولسترول.

4. المتابعة الدورية

يجب مراقبة مستويات الكولسترول بشكل منتظم كل 3 إلى 6 أشهر لضمان العودة إلى النطاقات الصحية دون المبالغة في الارتفاع أو الانخفاض.

الوقاية

• تجنب اتباع الأنظمة الغذائية القاسية التي تُقصي الدهون كليًا.

• عدم استخدام الأدوية الخافضة للكولسترول دون استشارة طبية دقيقة.

• الحفاظ على توازن بين الدهون المشبعة وغير المشبعة.

• ممارسة الرياضة بانتظام لدعم التوازن الهرموني والتمثيل الغذائي.

• مراقبة وظائف الكبد والغدة الدرقية بشكل دوري، خصوصًا في حال وجود أعراض مقلقة.

العلاقة بين نقص الكولسترول والوفيات

أظهرت بعض الدراسات الوبائية أن انخفاض الكولسترول قد يرتبط بزيادة معدلات الوفاة غير المرتبطة بأمراض القلب، مثل:

• الوفاة الناتجة عن الانتحار أو الحوادث العصبية.

• الوفاة المرتبطة بالعدوى نتيجة ضعف الجهاز المناعي.

• الوفاة الناتجة عن الأورام الخبيثة التي تُضعف التمثيل الغذائي للدهون.

هذه النتائج تدفع المجتمع الطبي إلى ضرورة إعادة النظر في جعل خفض الكولسترول هدفًا عامًا دون دراسة السياق الصحي لكل فرد على حدة.

الخلاصة

نقص الكولسترول في الجسم ليس بالأمر الهين، وقد يؤدي إلى عواقب صحية شديدة إذا لم يُكتشف ويُعالج في الوقت المناسب. تكمن الخطورة في أن هذه الحالة لا تحظى بنفس الاهتمام مثل ارتفاع الكولسترول، رغم أنها قد تكون مؤشراً على اضطرابات هرمونية أو التهابية أو أيضية عميقة. وتُظهر التجارب السريرية والدراسات أن التوازن — لا الانخفاض ولا الارتفاع — هو ما يحقق الصحة المثلى، ما يؤكد على أهمية التقييم الشامل والمراقبة المستمرة لمستويات الكولسترول في الدم.

المراجع:

1. National Institutes of Health (NIH) – Cholesterol: https://www.nhlbi.nih.gov/health/cholesterol

2. Mayo Clinic – Low cholesterol: Symptoms and causes: https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/hypocholesterolemia