أسباب و علاج ارتفاع البرولاكتين

ارتفاع البرولاكتين: الأسباب، الأعراض، والتشخيص والعلاج

يُعتبر ارتفاع مستوى هرمون البرولاكتين من الأمور الطبية التي قد تؤثر بشكل كبير على الصحة العامة، خاصة فيما يتعلق بالجهاز التناسلي والغدد الصماء. البرولاكتين هو هرمون يُفرز بواسطة الغدة النخامية في الدماغ، ويلعب دورًا رئيسيًا في تحفيز إنتاج الحليب بعد الولادة لدى النساء. بالإضافة إلى ذلك، له تأثيرات بيولوجية أخرى على الجسم قد تتسبب في مشاكل صحية عند ارتفاع مستوياته عن المعدلات الطبيعية.

يتراوح مستوى البرولاكتين عادة بين 4 إلى 23 نانوغرام/مل في الدم عند البالغين. ومع ذلك، قد يختلف هذا المعدل حسب الحالة الصحية، والجنس، والعمر، وكذلك الحالة الفسيولوجية مثل الحمل أو الرضاعة. وعندما يرتفع هذا الهرمون عن المعدلات الطبيعية، فإنه قد يتسبب في ظهور أعراض تؤثر على الصحة الإنجابية، المزاجية، والهرمونية. في هذا المقال، سيتم مناقشة أسباب وأعراض وطرق تشخيص وعلاج ارتفاع البرولاكتين، إضافة إلى تأثيراته المحتملة على الصحة العامة.

1. أسباب ارتفاع البرولاكتين

هناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى ارتفاع مستويات البرولاكتين في الدم. بعض هذه الأسباب يرتبط بحالات صحية طارئة أو أمراض مزمنة، بينما قد يكون بعضها نتيجة لعوامل فسيولوجية مثل الحمل والرضاعة.

أ. الأسباب الفسيولوجية

• الحمل: في فترة الحمل، يرتفع مستوى البرولاكتين بشكل طبيعي استعدادًا لإنتاج الحليب بعد الولادة. قد يستمر هذا الارتفاع خلال فترة الرضاعة الطبيعية أيضًا.

• الرضاعة الطبيعية: إن عملية الرضاعة تساهم بشكل مباشر في زيادة إنتاج البرولاكتين لدى الأمهات المرضعات، وذلك لتسهيل عملية إدرار الحليب.

• التوتر والضغوط النفسية: قد يؤدي التوتر المزمن والقلق إلى زيادة مؤقتة في مستويات البرولاكتين. فقد ثبت أن الهرمونات التي تفرزها الغدة النخامية استجابة للتوتر، تؤثر بشكل غير مباشر على مستويات البرولاكتين.

• النوم: قد يلاحظ بعض الأشخاص زيادة في مستوى البرولاكتين أثناء النوم العميق، خاصةً في فترة الليل.

ب. الأسباب المرضية

• الأورام النخامية: الأورام الحميدة في الغدة النخامية (المعروفة بالأورام البرولاكتينية) تعتبر من أكثر الأسباب شيوعًا لزيادة البرولاكتين. وهذه الأورام تنتج كميات غير طبيعية من البرولاكتين، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوياته في الدم.

• القصور الكلوي: في بعض الحالات، قد يؤدي القصور الكلوي المزمن إلى ارتفاع مستوى البرولاكتين، حيث أن الكلى تتوقف عن إزالة الهرمون بشكل كافٍ.

• أمراض الكبد: بعض أمراض الكبد، مثل التليف الكبدي أو أمراض الكبد المزمنة، قد تؤدي إلى اضطراب في مستويات البرولاكتين.

• اختلال وظيفة الغدة الدرقية: حالات خمول الغدة الدرقية (قصور الغدة الدرقية) يمكن أن تؤدي إلى زيادة في إفراز البرولاكتين.

• الأدوية: هناك عدد من الأدوية التي قد تؤدي إلى ارتفاع مستوى البرولاكتين، مثل مضادات الاكتئاب، وأدوية مضادة للذهان، وأدوية ارتفاع ضغط الدم مثل “الميثيلدوبا”، وأدوية مضادة للفطريات مثل “الفلُوكوكونازول”.

2. أعراض ارتفاع البرولاكتين

إن الأعراض الناتجة عن زيادة مستويات البرولاكتين قد تتفاوت من شخص لآخر، وتعتمد على السبب الأساسي لحالة الارتفاع، فضلاً عن مدى شدتها. تشمل هذه الأعراض:

أ. الأعراض التناسلية

• انقطاع الطمث: في بعض الحالات، قد يعاني النساء من انقطاع الطمث بسبب اختلال التوازن الهرموني الناجم عن ارتفاع البرولاكتين.

• العقم: بسبب تأثير البرولاكتين على إفراز هرمونات أخرى مهمة مثل الإستروجين والبروجستيرون، يمكن أن يتسبب الارتفاع في العقم أو صعوبة الحمل.

• الإفرازات اللبنية: قد تلاحظ النساء غير المرضعات إفرازات حليبية من الثديين، وهي علامة شائعة لزيادة البرولاكتين.

ب. الأعراض المتعلقة بالجهاز العصبي

• الصداع: قد يصاحب ارتفاع البرولاكتين صداع مستمر، خاصة في الحالات التي يكون فيها السبب هو وجود ورم في الغدة النخامية.

• تشوش الرؤية: في بعض الحالات المتقدمة، يمكن أن يؤدي الورم النخامي إلى ضغط على الأعصاب البصرية مما يتسبب في تشوش الرؤية أو فقدان جزئي للرؤية.

ج. أعراض عامة

• انخفاض الرغبة الجنسية: نظرًا للتأثيرات الهرمونية على مستوى الإستروجين والتستوستيرون، يمكن أن يلاحظ الأشخاص المصابون بارتفاع البرولاكتين انخفاضًا في الرغبة الجنسية.

• الجفاف المهبلي: في النساء، قد يتسبب ارتفاع البرولاكتين في شعور بالجفاف في المهبل، مما يسبب ألمًا أثناء الجماع.

3. تشخيص ارتفاع البرولاكتين

يعتمد تشخيص ارتفاع البرولاكتين بشكل أساسي على إجراء فحوصات دموية لتحديد مستويات البرولاكتين في الدم. إذا كانت مستويات البرولاكتين مرتفعة بشكل ملحوظ، فإن الطبيب قد يطلب إجراء المزيد من الفحوصات لتحديد السبب الرئيسي، مثل:

أ. الفحوصات المخبرية

• قياس مستوى البرولاكتين في الدم: يعتبر هذا الفحص هو الأكثر شيوعًا لتشخيص ارتفاع البرولاكتين. يتم سحب عينة من الدم وتحليلها لتحديد مستوى البرولاكتين.

• اختبار هرمون آخر: في بعض الأحيان، قد يتم قياس مستويات هرمونات أخرى مثل هرمون التستوستيرون، الإستروجين، وهرمونات الغدة الدرقية لتقييم الاضطرابات الهرمونية الأخرى.

ب. الفحوصات التصويرية

• التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): يمكن أن يُطلب من المريض إجراء فحص بالأشعة بالرنين المغناطيسي لتحديد ما إذا كان هناك ورم في الغدة النخامية، أو أي تغيرات غير طبيعية أخرى قد تكون سببا لارتفاع البرولاكتين.

4. علاج ارتفاع البرولاكتين

يختلف العلاج وفقًا للسبب الذي أدى إلى ارتفاع البرولاكتين. في بعض الحالات، قد لا يحتاج المريض إلى علاج إذا كانت المستويات المرتفعة للبرولاكتين ناتجة عن عوامل فسيولوجية مؤقتة مثل الحمل أو الرضاعة. أما في الحالات التي يتسبب فيها مرض معين، فإن العلاج يكون موجهًا للتعامل مع السبب الأساسي.

أ. العلاج بالأدوية

• مضادات البرولاكتين: الأدوية مثل “بروموكربتين” و”كابيرجولين” هي أدوية تؤثر على الغدة النخامية وتساعد في خفض مستويات البرولاكتين. تعمل هذه الأدوية على تقليل إفراز البرولاكتين وتحفيز الغدة النخامية على إفراز الهرمونات المناسبة.

• علاج هرموني: في حالة وجود اضطراب هرموني آخر مثل قصور الغدة الدرقية، قد يُعطى المريض علاجًا هرمونيًا لعلاج هذه الحالة.

ب. العلاج الجراحي

• إزالة الأورام النخامية: إذا كان سبب ارتفاع البرولاكتين هو ورم في الغدة النخامية (ورم برولاكتيني)، قد يتطلب الأمر إجراء عملية جراحية لإزالة الورم، خصوصًا إذا كانت الأورام تؤثر على الرؤية أو تسبب أعراضًا شديدة.

ج. العلاج بالتحفيز:

• العلاج النفسي: في حالات التوتر أو القلق المزمن، يمكن أن يساعد العلاج النفسي على إدارة مستويات التوتر، مما قد يقلل من مستويات البرولاكتين.

5. الآفاق المستقبلية في التعامل مع ارتفاع البرولاكتين

مع تقدم الأبحاث الطبية، أصبح من الممكن تحديد العوامل الوراثية والبيئية التي قد تساهم في حدوث ارتفاع البرولاكتين. تعد العلاجات المستقبلية والتقنيات الطبية الحديثة مثل العلاجات الجينية والتقنيات المستحدثة في علاج الأورام أحد المجالات الواعدة في علاج هذه الحالة.

في الختام، يعد ارتفاع البرولاكتين من الحالات الطبية التي تتطلب تشخيصًا دقيقًا وعلاجًا مناسبًا. من خلال الكشف المبكر والاختيارات العلاجية الفعالة، يمكن للأفراد أن يحققوا تحسنًا كبيرًا في صحتهم وجودة حياتهم.