أسباب قيام الدولة العباسية

سبب قيام الدولة العباسية

تعد الدولة العباسية من أبرز وأهم الدول الإسلامية التي نشأت بعد عصر الخلافة الأموية، والتي استمرت قرابة خمسة قرون، وأثرت بشكل كبير في تاريخ العالم الإسلامي. لقد أسس العباسيون دولتهم في عام 750 ميلادي، معلنين نهاية عصر الأمويين، وذلك بعد أن حدثت تحولات سياسية واجتماعية ودينية ساهمت في قيام هذه الدولة. وفي هذا المقال، سنستعرض الأسباب والعوامل التي أدت إلى قيام الدولة العباسية.

1. الصراع الداخلي في الدولة الأموية

قبل قيام الدولة العباسية، كانت الخلافة الأموية تواجه العديد من التحديات السياسية والاجتماعية. تأسست الدولة الأموية على يد معاوية بن أبي سفيان في عام 661م، واستمرت حتى عام 750م، لكن بعد عدة عقود من حكم الأمويين، بدأ الوضع الداخلي يتأزم. من أبرز أسباب ذلك كانت:

• التفاوت الطبقي والتمييز الاجتماعي: كان هناك تباين كبير بين العرب غير القريشية (من غير أهل مكة) وأهل مكة من قبيلة قريش. حيث تم تفضيل قريش على غيرها من العرب في المناصب، مما جعل العديد من القبائل العربية تشعر بالتمييز والتهميش.

• الاستبداد والحكم المركزي: خلال فترة حكم الأمويين، أصبح الحكم مركزيًا بشكل متزايد في يد الخليفة وعائلته، مما أدى إلى تزايد الاستبداد والمظالم. وكان هذا النظام يعارض العديد من المجتمعات غير العربية الذين شعروا بالاستبعاد من السلطة.

• حروب أهلية وصراعات على السلطة: تزايدت الصراعات الداخلية بين الأمراء الأمويين، وبرزت العديد من الفتن السياسية، مما ساعد في ضعف الدولة. من أبرز هذه الفتن كانت حرب “السبعين” بين والي العراق يزيد بن الوليد والوالي على الشام مروان بن محمد، والتي كانت بداية سقوط السلطة الأموية.

2. التحولات الدينية والفكرية

في فترة الخلافة الأموية، كانت هناك تحولات دينية وفكرية بدأت تظهر داخل المجتمع الإسلامي، وكان لهذا تأثير مباشر على قيام الدولة العباسية:

• التوجه نحو المذهب الشيعي: بدأ في العصور الأموية تعزيز الهيمنة السنّية على المجتمعات الإسلامية، في الوقت الذي تطورت فيه المذاهب الشيعية بشكل غير مسبوق. عمل الشيعة على تعزيز فكرة الإمامة، الأمر الذي ألهم فكرة جديدة لقادة الثورة العباسية الذين قدموا أنفسهم باعتبارهم أحق بحكم الأمة الإسلامية، في مقارنة مع الأمويين الذين اعتبرهم الشيعة غير شرعيين.

• الاهتمام بالعدالة والمساواة: في هذه الفترة، ظهرت فئة من المسلمين الذين نادوا بالعدالة الاجتماعية، مما خلق بيئة فكرية تميزت بدعوات لتحسين أوضاع الفقراء والمحرومين، وتوفير حقوق أوسع للمواطنين العرب وغير العرب.

• حركة التشيع وانتشار الدعوة العباسية: كان من بين الدعوات المروجة لتغيير النظام الأمي الدعوة العباسية التي وجدت دعمًا كبيرًا من الفئات الشيعية. كان العباسيون ينتمون إلى بني هاشم، وهو ما جعلهم في مواجهة مباشرة مع الأمويين، الذين استحوذوا على السلطة لفترة طويلة. كانت الدعوة العباسية تعزز من فكرة أن أهل بيت النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هم الأجدر بالحكم.

3. الدعم الشعبي

لقد اكتسبت الدعوة العباسية دعمًا واسعًا من عدة فئات في المجتمع الإسلامي، ما ساعد في إنجاح ثورتها ضد الأمويين:

• الطبقات الفقيرة والمحرومة: بسبب السياسات الاجتماعية للأمويين، بدأت الطبقات الفقيرة تزداد سخطًا على نظام الحكم، الذي كان يعتبرهم خارج نطاق الاهتمام. العباسيون تمكنوا من الاستفادة من هذا السخط من خلال شعاراتهم التي تعزز العدالة والمساواة.

• التأييد الشيعي: تزامنت الدعوة العباسية مع دعم قوي من الشيعة الذين كانوا ينظرون إلى العباسيين على أنهم أحق بحكم الأمة الإسلامية. استغل العباسيون هذا التوجه لتشكيل تحالفات مع القبائل الشيعية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

• دعم الفرس: لعب الفرس دورًا كبيرًا في دعم الدعوة العباسية، وهو ما جعل العباسيين يحظون بتأييد قوي في مناطق مثل خراسان (إيران الحالية). كان الفرس قد سئموا من هيمنة العرب عليهم في العصر الأموي، مما جعلهم ينضمون للثورة العباسية التي وعدتهم بحكم أكثر عدلاً.

4. ضعف الأمويين وتفكك الجيش

من العوامل المهمة التي ساعدت في قيام الدولة العباسية هو ضعف الجيش الأموي وتفككه. خلال الفترة الأخيرة من حكم الأمويين، ظهرت العديد من الثورات والتمردات العسكرية ضد حكام الأمويين في مختلف الأقاليم الإسلامية. وكانت هذه الثورات نتيجة مباشرة لاستبداد السلطة وعدم قدرتها على إدارة شؤون الدولة.

كان الجيش الأموي يعاني من قلة التدريب والتنسيق بين الوحدات العسكرية، خاصة بعد أن أصبح الخليفة الأموي مروان بن محمد في مرحلة متأخرة من الحكم غير قادر على السيطرة على الوضع العسكري المتفجر.

5. الثورة العباسية

في عام 747م، اندلعت الثورة العباسية في خراسان بقيادة أبي مسلم الخراساني، الذي كان يمثل الحركة العباسية ويقود الفئات الشعبية ضد الأمويين. كان للثوار العباسيين دعم قوي من الفئات الشيعية، كما كان لهم شعبيّة في الأقاليم النائية مثل خراسان والعراق. وبفضل هذه التحالفات القوية والتنظيم الجيد، تمكّن العباسيون من تحقيق انتصارات متتالية ضد قوات الأمويين.

وقد تم تعزيز هذه الثورة من خلال اتباع العباسيين سياسة فرق تسد، حيث عملوا على تحريض الفئات المختلفة ضد الحكام الأمويين، مما أدى إلى انهيار قوة الأمويين بشكل تدريجي. وفي 750م، تم هزيمة آخر خليفة أموي، مروان بن محمد، في معركة الزاب الكبرى، وتُوجت الثورة العباسية بالنجاح.

6. مقتل الأمويين

بعد انتصار الثورة العباسية، تم القضاء على الخلافة الأموية بشكل كامل. وكان أحد أبرز مشاهد نهاية الأمويين هو مذبحة “الدامغان” التي ارتكبت ضد أفراد العائلة الأموية. وكانت هذه المذبحة بمثابة إشارة على بداية عهد جديد، حيث تم القضاء على كل من له صلة بالأمويين.

الخاتمة

إن قيام الدولة العباسية كان نتاجًا لعدة عوامل معقدة، تجمع بين الصراع الداخلي في الدولة الأموية، والتحولات الفكرية والدينية التي ظهرت في المجتمع الإسلامي، بالإضافة إلى الدعم الشعبي الواسع الذي حظيت به الدعوة العباسية من فئات مختلفة في المجتمع. ومع أن العباسيين قد سيطروا على السلطة في مرحلة حساسة من تاريخ الأمة الإسلامية، فإنهم تمكّنوا من تأسيس دولة قوية، سعت إلى نشر العلم والثقافة، وأثرت بشكل عميق على مسار الحضارة الإسلامية في العصور اللاحقة.