أسباب قشعريرة الجسم

تُعدّ قشعريرة الجسم ظاهرة شائعة تحدث عندما يشعر الإنسان بارتجاف لا إرادي في عضلاته، ويصاحبها شعور بالبرودة أو الرعشة في الجلد. يربط الكثيرون القشعريرة غالبًا برد الفعل على البرد، لكنها قد تنشأ من أسباب متعددة تتنوع بين الفيزيولوجية، المرضية، النفسية، وحتى البيئية. في هذا المقال، سنستعرض بشكل مفصل وموسع أسباب قشعريرة الجسم، مسلطين الضوء على الآليات التي تحدث بها، وتأثيرها على صحة الإنسان، إضافة إلى تحليل الحالات التي تستدعي التدخل الطبي.

تعريف قشعريرة الجسم وآليات حدوثها

القشعريرة هي انقباضات لا إرادية وسريعة لعضلات الجسم الصغيرة، وخاصة تلك التي تقع تحت الجلد. هذا الانقباض العضلي يؤدي إلى رفع شعر الجسم، وهو رد فعل طبيعي عند الحيوانات للحفاظ على حرارة الجسم. عند الإنسان، يقل تأثير هذا الميكانيزم بسبب قلة الشعر، لكنه يبقى مؤشراً على وجود تحفيزات معينة من الجهاز العصبي.

تتحكم في هذا الرد فعل منطقة تحت المهاد في الدماغ، وهي مركز تنظيم الحرارة. عند تعرض الجسم لبرودة مفاجئة أو وجود عدوى، يقوم تحت المهاد بإرسال إشارات لعضلات الجسم للانقباض السريع، مما يخلق القشعريرة كجزء من استجابة الجسم للحفاظ على حرارته.

الأسباب الفيزيولوجية لقشعريرة الجسم

1. التعرض للبرد

تعتبر البرودة أكثر أسباب القشعريرة شيوعًا، حيث تنخفض درجة حرارة البيئة المحيطة مما يحفز مستقبلات الجلد للبرد، فيرسل تحت المهاد أوامر إلى العضلات للانقباض بسرعة. هذه الانقباضات تولد حرارة إضافية تساعد في تدفئة الجسم.

2. الحمى والالتهابات

عند الإصابة بعدوى فيروسية أو بكتيرية، يقوم الجسم بزيادة درجة حرارته لمحاربة الجراثيم. خلال ارتفاع الحرارة (الحمى)، يشعر المريض بقشعريرة نتيجة تقلبات درجة حرارة الجسم، خاصة عند بداية الحمى أو عند انحسارها. القشعريرة هنا تعكس محاولة الجسم رفع درجة حرارته داخلياً.

3. تغيرات مفاجئة في درجة الحرارة

الانتقال من بيئة دافئة إلى بيئة باردة بشكل مفاجئ أو العكس قد يؤدي إلى قشعريرة. هذه التغيرات تخلّ بميكانيزم التنظيم الحراري، وتحدث استجابات انقباضية للعضلات كآلية تحكم في التوازن الحراري.

الأسباب المرضية لقشعريرة الجسم

1. العدوى الفيروسية والبكتيرية

تترافق العديد من الأمراض المعدية، مثل الإنفلونزا، التهاب المجاري التنفسية، التهابات الجهاز البولي، والالتهاب الرئوي، مع قشعريرة قوية في بداية المرض أو أثناء ارتفاع الحمى. تنجم هذه القشعريرة عن استجابة جهاز المناعة ومحاولته رفع حرارة الجسم لمحاربة الميكروبات.

2. الصدمة والتسمم

في حالات الصدمة الشديدة أو التسمم الكيميائي أو الدوائي، قد تظهر قشعريرة كعلامة على استثارة الجهاز العصبي المركزي. كما أن بعض السموم تؤثر على مراكز تنظيم الحرارة في الدماغ، مسببة تقلصات عضلية وانخفاض في درجة حرارة الجسم، مما يؤدي إلى قشعريرة.

3. أمراض الغدة الدرقية

يُعدّ قصور الغدة الدرقية أحد الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى شعور دائم بالبرودة والقشعريرة بسبب تباطؤ الأيض وانخفاض إنتاج الحرارة في الجسم. في المقابل، فرط نشاط الغدة الدرقية قد يسبب اضطرابات في تنظيم الحرارة وأعراض مختلفة، لكن القشعريرة أقل شيوعاً فيه.

4. الأنيميا (فقر الدم)

فقر الدم الحاد يقلل من قدرة الدم على حمل الأكسجين بكفاءة، مما يؤدي إلى ضعف في التدفئة الداخلية للجسم، ويشعر المريض بقشعريرة مستمرة أو برودة في الأطراف نتيجة ضعف التروية الدموية.

5. الأمراض المزمنة وأمراض الجهاز العصبي

مرض السكري الذي يصاحبه اعتلال عصبي قد يسبب اضطرابات حسية منها الإحساس بالقشعريرة أو البرودة في الأطراف. كذلك، بعض أمراض الأعصاب المركزية أو الطرفية تؤدي إلى خلل في الإشارات الحرارية والاستجابة الانعكاسية، مما يؤدي إلى شعور بالقشعريرة.

الأسباب النفسية والهرمونية

1. القلق والتوتر النفسي

تعمل الاستجابات النفسية كحالات التوتر والخوف على تحفيز الجهاز العصبي السمبثاوي، الذي يزيد من إفراز الأدرينالين. هذا الهرمون يسبب انقباض العضلات وزيادة نشاط الأيض مما يؤدي إلى الشعور بالقشعريرة أو الرجفة.

2. التغيرات الهرمونية

في فترات التغير الهرموني مثل سن اليأس عند النساء، قد تعاني بعض السيدات من نوبات حرارة مفاجئة متبوعة بقشعريرة، نتيجة التغيرات في إفراز الهرمونات التي تؤثر على مراكز تنظيم الحرارة في الدماغ.

العوامل البيئية التي تسبب القشعريرة

1. الرطوبة والرياح

تؤثر الرطوبة المرتفعة والرياح الباردة على فقدان حرارة الجسم بسرعة أكبر، ما يحفز القشعريرة كرد فعل للجسم لمحاولة التدفئة.

2. التعرض للماء البارد

الاستحمام بالماء البارد أو السباحة في مياه باردة تسبب قشعريرة شديدة لأن الماء يسرع من فقدان الحرارة عن طريق التوصيل، مما يؤدي إلى تحفيز العضلات على الانقباض.

القشعريرة في الحالات الطبية الحرجة

1. الصدمة الإنتانية (Septic Shock)

في هذه الحالة، يؤدي انتشار العدوى داخل الجسم إلى استجابة التهابية شديدة، حيث تظهر القشعريرة كأحد الأعراض الأولى للعدوى الحادة التي قد تتطور بسرعة إلى صدمة إنتانية. تكون القشعريرة هنا مصحوبة برعشة وتغيرات حرارية مفاجئة.

2. انخفاض سكر الدم (Hypoglycemia)

في حالات انخفاض مستوى السكر في الدم عند مرضى السكري، قد يشعر المريض بقشعريرة وارتجاف كعلامة تحذيرية لانخفاض طاقة الجسم اللازمة للحفاظ على وظيفة العضلات وتنظيم درجة الحرارة.

3. الاضطرابات المناعية

بعض الأمراض المناعية الذاتية، مثل الذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي، قد تصاحبها قشعريرة نتيجة الالتهاب المزمن واضطراب التوازن الحراري في الجسم.

علاج القشعريرة وطرق الوقاية

يختلف علاج القشعريرة باختلاف سببها. في حالات القشعريرة الناتجة عن البرودة، يكون التدخل بسيطًا ويشمل تدفئة الجسم عن طريق ارتداء الملابس الثقيلة، الاستراحة في مكان دافئ، واستهلاك السوائل الدافئة.

في حالات القشعريرة المصاحبة للحُمّى أو العدوى، يجب التعامل مع السبب المرضي مثل استخدام المضادات الحيوية أو الأدوية المضادة للفيروسات حسب تشخيص الطبيب. كذلك، استخدام أدوية خافضة للحرارة يساهم في تخفيف القشعريرة.

في الحالات النفسية، يمكن اللجوء إلى تمارين الاسترخاء، وتقنيات التحكم بالتوتر، وفي بعض الأحيان قد تحتاج الحالات الشديدة إلى علاج دوائي تحت إشراف طبي.

جدول يوضح أسباب القشعريرة وأمثلة عليها

الخلاصة

القشعريرة هي رد فعل عضلي طبيعي ناتج عن تحفيزات مختلفة تتنوع بين عوامل بيئية وفيزيولوجية ومرضية ونفسية. يمكن أن تكون بسيطة مرتبطة بالبرودة أو علامة تحذيرية لحالة مرضية خطيرة. لذا، فهم أسباب القشعريرة يساعد على التعامل معها بشكل صحيح وتحديد متى تتطلب الحالة تدخلًا طبيًا عاجلاً. يعتبر التحكم في البيئة المحيطة، معالجة الأمراض الأساسية، وإدارة التوتر من الخطوات الأساسية للوقاية من هذه الظاهرة المزعجة.

المصادر والمراجع

• Harrison’s Principles of Internal Medicine, 20th Edition, 2018.

• Kumar, Abbas, & Aster. Robbins Basic Pathology, 10th Edition, 2018.