أسباب حساسية الأطفال وطرق الوقاية

أسباب الحساسية عند الأطفال

الحساسية هي استجابة غير طبيعية من جهاز المناعة تجاه مواد تُعتبر عادة غير ضارة. عندما يصاب الطفل بحساسية، يتفاعل جهاز المناعة بشكل مفرط مع مواد قد تكون غير ضارة مثل بعض الأطعمة، حبوب اللقاح، أو حتى بعض المواد الكيميائية في البيئة المحيطة. يمكن أن تؤثر الحساسية على العديد من الأنظمة في جسم الطفل، وقد تتراوح أعراضها من الخفيفة إلى الحادة، في بعض الحالات يمكن أن تكون مهددة للحياة.

الحساسية عند الأطفال تعتبر مشكلة صحية شائعة، وهي تتسبب في معاناة العديد من الأسر حول العالم. في السنوات الأخيرة، زادت حالات الحساسية بشكل ملحوظ، ويعود ذلك إلى عوامل متعددة تشمل التغيرات في نمط الحياة، البيئة، النظام الغذائي، والتغيرات الجينية.

1. العوامل الوراثية

أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في تطور الحساسية عند الأطفال هو العامل الوراثي. إذا كان أحد الوالدين أو كلاهما يعاني من حساسية، فإن هناك احتمالية أكبر أن يُصاب الطفل بالحساسية أيضًا. يُعتقد أن جينات معينة قد تكون مرتبطة بتطوير الحساسية. على سبيل المثال، إذا كان أحد الوالدين يعاني من حساسية تجاه الطعام أو حمى القش، فمن المحتمل أن يكون الطفل أيضًا عرضة لهذه الأنواع من الحساسية.

قد تلعب جينات المناعة دورًا رئيسيًا في تحديد كيفية استجابة الجهاز المناعي للأشياء التي قد تعتبر غير ضارة. هذه العوامل الوراثية تؤثر في مدى شدة استجابة الطفل للأجسام الغريبة والمواد المسببة للحساسية.

2. التغيرات البيئية

تعتبر البيئة أحد العوامل الأساسية في زيادة حالات الحساسية عند الأطفال. في العصر الحديث، انتشر التلوث بشكل كبير، سواء من خلال الهواء أو المياه أو التربة. يمكن أن تؤدي هذه المواد الملوثة إلى تحفيز الجهاز المناعي للأطفال وجعله أكثر عرضة لتطوير الحساسية. عوادم السيارات، المصانع، ومواد التنظيف الكيميائية كلها تعتبر مصادر محتملة للتلوث الذي يساهم في تفاقم مشاكل الحساسية.

فضلاً عن التلوث، قد تؤدي بعض المواد البيئية مثل حبوب اللقاح، وبر الحيوانات، والعفن إلى تفاقم الحساسية. خاصةً في المنازل التي تحتوي على مستويات عالية من الرطوبة، فإن نمو العفن يعد من العوامل المسببة للحساسية.

3. الأطعمة المسببة للحساسية

من أكثر أنواع الحساسية شيوعًا عند الأطفال هي الحساسية الغذائية. هذه الحساسية تحدث عندما يبالغ جهاز المناعة في رد فعله تجاه أطعمة معينة. تعد البروتينات في بعض الأطعمة هي السبب الرئيسي وراء هذه الحساسية، إذ يهاجم جهاز المناعة هذه البروتينات كما لو كانت مواد ضارة.

من الأطعمة التي تثير الحساسية بشكل شائع عند الأطفال: الحليب، البيض، الأسماك، المكسرات (خاصة الجوز والفستق)، الفول السوداني، القمح، وفول الصويا. قد يتسبب تناول هذه الأطعمة في ظهور مجموعة من الأعراض التي تتراوح من الطفح الجلدي إلى صعوبة التنفس.

4. التعرض المفرط للمضادات الحيوية

الأبحاث الحديثة تشير إلى أن الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية قد يؤدي إلى زيادة معدلات الحساسية عند الأطفال. قد تؤثر هذه الأدوية على توازن البكتيريا المفيدة في الجهاز الهضمي، مما يضعف جهاز المناعة. من الممكن أن يصبح الجهاز المناعي أكثر حساسية للأجسام الغريبة نتيجة لهذا التغيير في التوازن البكتيري.

علاوة على ذلك، يُعتقد أن الاستعمال غير المبرر للمضادات الحيوية في الطفولة يمكن أن يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض مناعية مثل الربو والحساسية. وقد أظهرت دراسات أن الأطفال الذين يتلقون علاجًا مفرطًا بالمضادات الحيوية في سن مبكرة هم أكثر عرضة لتطوير حساسية تجاه الأطعمة والمكونات البيئية في وقت لاحق من حياتهم.

5. التدخين والتلوث الداخلي

التدخين داخل المنزل يعد من أبرز العوامل التي تزيد من فرص إصابة الأطفال بالحساسية. المواد السامة التي تنبعث من السجائر تتفاعل مع البيئة الداخلية للمنازل وتزيد من معدلات المواد المسببة للحساسية في الهواء. الأطفال الذين يعيشون في بيئات ملوثة بالتدخين هم أكثر عرضة للإصابة بالحساسية التنفسية مثل الربو أو التهاب الأنف التحسسي.

تحتوي مكونات دخان السجائر على مواد كيميائية تضر بالجهاز التنفسي وتزيد من تحسس الشعب الهوائية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التلوث البيئي الداخلي، سواء من خلال العطور، أو المنظفات المنزلية، أو مواد التنجيد، يزيد من تعريض الأطفال للمركبات التي قد تسبب حساسية.

6. قلة التعرض للطبيعة والبيئة

تعتبر العزلة عن البيئة الطبيعية من العوامل التي قد تؤدي إلى تطور الحساسية عند الأطفال. الأطفال الذين يترعرعون في بيئات مغلقة أو في مناطق حضرية مكتظة بالسكان يكونون أقل تعرضًا للمكونات الطبيعية التي قد تساهم في تقوية جهاز المناعة.

تشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يقضون وقتًا طويلاً في الهواء الطلق ويتعرضون للعناصر الطبيعية مثل التراب وحبوب اللقاح والميكروبات المختلفة، يمتلكون جهازًا مناعيًّا أقوى وأقل عرضة للإصابة بالحساسية. هذا يتفق مع ما يعرف “بفرضية النظافة” التي تشير إلى أن البيئات النظيفة والمفرطة في التعقيم قد تمنع الجهاز المناعي من التفاعل بشكل مناسب مع المحفزات البيئية.

7. التغيرات المناخية

يؤثر التغير المناخي بشكل غير مباشر على زيادة الحساسية عند الأطفال. تؤدي التغيرات في درجة الحرارة، ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون، والتغيرات الموسمية إلى زيادة إنتاج حبوب اللقاح في النباتات والأشجار. وهذا بدوره يسبب ارتفاعًا في معدل الإصابة بالحساسية الموسمية مثل حمى القش.

التغيرات المناخية تؤثر أيضًا على صحة البيئة بشكل عام، مما يزيد من تلوث الهواء وتراكم المواد المسببة للحساسية. الأطفال الذين يعيشون في مناطق تأثرت بتغيرات المناخ يعانون غالبًا من أعراض تحسسية مع زيادة التعرض لهذه الملوثات.

8. التغذية

تلعب التغذية دورًا هامًا في الحفاظ على جهاز المناعة الصحي وبالتالي في الوقاية من الحساسية. التغذية غير السليمة، خاصة التي تحتوي على كميات كبيرة من الأطعمة المصنعة، السكر، أو الدهون غير الصحية، يمكن أن تؤدي إلى اضطراب في التوازن الغذائي في الجسم.

الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون المشبعة أو السكر يمكن أن تضعف وظيفة الجهاز المناعي، مما يضعف قدرة الجسم على مقاومة الحساسية. من جهة أخرى، فقد أظهرت بعض الدراسات أن تناول أطعمة غنية بالأوميغا-3 مثل الأسماك يمكن أن يساعد في تقوية جهاز المناعة وتقليل خطر الإصابة بالحساسية.

9. العوامل النفسية

الأبحاث الحديثة تشير أيضًا إلى أن العوامل النفسية قد تلعب دورًا في تطور الحساسية عند الأطفال. الإجهاد والتوتر في مرحلة الطفولة يمكن أن يؤثر بشكل كبير على قدرة الجسم على التعامل مع المحفزات البيئية. في الواقع، يُعتقد أن التوتر النفسي يمكن أن يساهم في زيادة شدة الحساسية والربو عند الأطفال.

10. تأثيرات الأدوية والعلاجات الكيميائية

أحد العوامل الأخرى التي قد تؤدي إلى الحساسية عند الأطفال هو التعرض المفرط للأدوية والعلاجات الكيميائية. الأدوية التي تحتوي على مواد كيميائية قد تؤدي إلى حدوث ردود فعل تحسسية في الجسم، خاصة إذا تم تناولها بشكل مفرط أو لم يتم اتباع الإرشادات الطبية الصحيحة.

تعتبر مضادات الحموضة، أدوية مسكنات الألم، وبعض الأدوية الخاصة بعلاج الإنفلونزا من العوامل التي قد تزيد من احتمالية حدوث ردود فعل تحسسية.

الخاتمة

الحساسية عند الأطفال هي قضية صحية شائعة ومعقدة تتداخل فيها العديد من العوامل الوراثية، البيئية، والنمطية. بينما تعد العوامل الوراثية من العوامل الثابتة، فإن التغيرات البيئية والعوامل الخارجية مثل التلوث، النظام الغذائي، والتغيرات المناخية تعد من العوامل التي يمكن التقليل من تأثيرها عن طريق اتخاذ التدابير الوقائية المناسبة.