أسباب تكوّن البلغم وعلاجها

أسباب تكون البلغم: فهم آلية تكوّنه وأسبابه الصحية

البلغم هو إفراز لزج وكثيف يُنتج في الجهاز التنفسي، ويشمل الأنف والحنجرة والرئتين. يمكن أن يكون البلغم أحد الأعراض المصاحبة للعديد من الأمراض التنفسية والجهاز التنفسي العلوي والسفلي. ينتج الجسم البلغم كاستجابة للتهيج أو الالتهابات في الجهاز التنفسي، وهو يعتبر أحد الوسائل الطبيعية التي يتبعها الجسم لحماية نفسه من العوامل الممرضة، مثل الفيروسات والبكتيريا والجسيمات الدقيقة التي قد تستنشقها.

تعتبر معرفة أسباب تكون البلغم أمرًا بالغ الأهمية لفهم آلية عمل الجسم وكيفية التصدي للأمراض والعدوى التي تؤثر على الجهاز التنفسي. في هذا المقال، سوف نستعرض العوامل التي تؤدي إلى تكوّن البلغم، سواء كانت مرتبطة بالأمراض أو العوامل البيئية، وسنوضح كيف يمكن أن يؤثر ذلك على صحتنا.

1. الالتهابات الفيروسية والبكتيرية

الالتهابات التنفسية من الأسباب الأكثر شيوعًا لتكون البلغم. عند تعرض الجهاز التنفسي للفيروسات أو البكتيريا، تبدأ الخلايا الموجودة في مجاري الهواء بالإفراز المكثف للبلغم. الهدف من هذا البلغم هو التخلص من العوامل الممرضة العالقة في الممرات الهوائية.

أ. نزلات البرد

نزلات البرد هي أحد الأسباب الشائعة لتكون البلغم، حيث يتسبب الفيروس في التهاب الحلق والأنف، مما يحفز الجسم على إفراز البلغم. يتم إنتاج البلغم الزائد في الأنف والحنجرة كطريقة لطرد الفيروسات والأوساخ. هذا البلغم قد يكون شفافًا في البداية، لكن مع تقدم العدوى قد يتغير لونه إلى الأصفر أو الأخضر.

ب. الإنفلونزا

الإنفلونزا تعد من الأمراض الفيروسية التي تتسبب في زيادة إفراز البلغم. هذا البلغم قد يكون مصحوبًا بالكثير من الأعراض الأخرى مثل السعال، وآلام العضلات، وارتفاع درجة الحرارة. تتراوح كمية البلغم بين معتدلة إلى كثيفة، وقد تستمر لفترة طويلة حتى بعد اختفاء الأعراض الأخرى.

ج. التهابات الجيوب الأنفية (التهاب الجيوب الأنفية الحاد والمزمن)

عندما تصاب الجيوب الأنفية بالتهاب، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تكوّن البلغم المفرط. يتسبب التورم والاحتقان في الجيوب الأنفية في احتباس المخاط، مما يزيد من تكوّن البلغم. يتسبب هذا في شعور بالامتلاء في الأنف والوجه، ويمكن أن يترافق مع صداع وحمى. يصبح البلغم في هذه الحالة سميكًا وغالبًا ما يكون ذو لون أصفر أو أخضر.

د. التهابات الشعب الهوائية (التهاب الشعب الهوائية الحاد أو المزمن)

إصابة الشعب الهوائية بالتهاب، سواء كان حادًا أو مزمنًا، قد يسبب إفرازًا مفرطًا للبلغم. التهاب الشعب الهوائية الحاد ينتج غالبًا عن الفيروسات، بينما قد يحدث التهاب الشعب الهوائية المزمن نتيجة للتدخين أو التعرض المستمر للمهيجات. البلغم الناتج في هذه الحالة قد يكون غزيرًا ويتسم بلون مائل للأصفر أو الأخضر.

2. الربو والحساسية

الربو هو اضطراب تنفسي مزمن يمكن أن يؤدي إلى التهاب في الشعب الهوائية، مما يسبب إفراز البلغم. في مرضى الربو، يؤدي التفاعل بين المهيجات مثل الغبار أو الأبخرة أو التغيرات الجوية إلى تحفيز إفراز البلغم. هذا البلغم يمكن أن يسد المجاري الهوائية، مما يزيد من صعوبة التنفس وقد يسبب السعال.

بالإضافة إلى الربو، يمكن أن تؤدي الحساسية إلى إفراز البلغم المفرط. عندما يتعرض الشخص لمادة مسببة للحساسية مثل حبوب اللقاح، أو الغبار، أو وبر الحيوانات، يفرز الجهاز المناعي مواد كيميائية تؤدي إلى التهاب وتورم في مجاري الهواء. هذا يؤدي إلى زيادة إفراز البلغم في محاولة لإزالة المواد المهيجة.

3. التدخين

التدخين يعد من أكثر العوامل التي تساهم في تكوّن البلغم. النيكوتين والمركبات الكيميائية الضارة التي توجد في دخان السجائر تتسبب في تهيج الجهاز التنفسي، مما يحفز إنتاج البلغم. يزداد إفراز البلغم بشكل كبير عند المدخنين، حيث يعاني الكثير منهم من زيادة في البلغم الصباحي، والذي يعتبر علامة على التهاب مزمن في المجاري الهوائية.

بالإضافة إلى ذلك، قد يتسبب التدخين في تدمير الأهداب (الشعيرات الصغيرة التي تحرك المخاط) في الجهاز التنفسي، مما يؤدي إلى تراكم البلغم ويصعب التخلص منه. التدخين يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تطور أمراض مثل التهاب الشعب الهوائية المزمن وانتفاخ الرئة، مما يزيد من كمية البلغم المفرز.

4. الحالات المرضية المزمنة

هناك العديد من الحالات المرضية المزمنة التي تؤدي إلى تكون البلغم، من أبرزها:

أ. مرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD)

مرض الانسداد الرئوي المزمن هو حالة تتسبب في انسداد تدريجي للمجاري الهوائية. ينتج عن هذا تراكم البلغم بشكل مزمن، ويصاحبه ضيق في التنفس وسعال مستمر. هذه الحالة غالبًا ما تكون نتيجة للتدخين طويل الأمد، ويمكن أن تكون قاتلة إذا لم يتم علاجها.

ب. التليف الكيسي

التليف الكيسي هو مرض وراثي يتسبب في إفراز جسم المريض لمخاط سميك ولزج في الرئتين والمعدة والأمعاء. هذا المخاط يصعب التخلص منه، ويؤدي إلى تكوّن البلغم بشكل مزمن. المصابون بالتليف الكيسي يعانون من مشاكل تنفسية مستمرة بسبب انسداد المجاري الهوائية.

ج. الالتهاب الرئوي

الالتهاب الرئوي هو عدوى تؤثر في الرئتين، وغالبًا ما تؤدي إلى إفراز البلغم المفرط. قد يكون البلغم المصاحب للالتهاب الرئوي ملوثًا بالبكتيريا أو الفيروسات. هذا البلغم يمكن أن يكون كثيفًا ولونه أخضر أو بني.

5. التلوث البيئي والمهيجات

العوامل البيئية تلعب دورًا كبيرًا في تكوّن البلغم. التلوث الهوائي مثل الدخان، والغبار، والمواد الكيميائية يمكن أن يسبب تهيجًا في الجهاز التنفسي، مما يحفز الجسم على إفراز البلغم للمساعدة في إزالة الجسيمات الضارة.

أ. الملوثات الصناعية

المناطق التي تحتوي على تلوث صناعي مرتفع، مثل المدن الكبرى والمناطق الصناعية، قد تشهد زيادة في حالات تكوّن البلغم. المواد الكيميائية الناتجة عن المصانع والسيارات قد تهيج الجهاز التنفسي، مما يؤدي إلى إفراز البلغم بكميات أكبر.

ب. تلوث الهواء الداخلي

حتى في المنازل، يمكن أن يتسبب تلوث الهواء الداخلي في تكوّن البلغم. المواد الكيميائية الموجودة في المواد المنزلية مثل المنظفات أو الدهانات يمكن أن تثير الجهاز التنفسي، مما يسبب إفراز البلغم.

6. العوامل الأخرى

هناك العديد من العوامل الأخرى التي قد تؤدي إلى تكوّن البلغم، مثل الجفاف في الهواء، أو التهاب الحلق الناتج عن التحدث لفترات طويلة أو التعرض للمكيفات الهوائية. كما أن بعض العوامل النفسية، مثل التوتر والقلق، يمكن أن تؤثر في الجهاز التنفسي وتساهم في تكوّن البلغم بشكل غير مباشر.

الختام

البلغم ليس مجرد إفراز غير مريح أو غير مرغوب فيه، بل هو جزء من آلية دفاعية مهمة للجسم. من خلال فهم الأسباب التي تؤدي إلى تكوّن البلغم، يمكننا اتخاذ إجراءات وقائية أو علاجية للتقليل من آثاره السلبية. سواء كان ذلك من خلال تجنب الملوثات، أو معالجة العدوى بشكل فعال، أو تجنب العوامل التي تهيج الجهاز التنفسي، فإن اتخاذ خطوات مبكرة يمكن أن يساعد في التقليل من مشاكل البلغم ويعزز صحة الجهاز التنفسي.