ما سبب تقيؤ الأطفال: الأسباب، الأنواع، والعلاجات الشاملة

يُعد التقيؤ لدى الأطفال من أكثر الأعراض شيوعاً التي تواجه الآباء والأمهات في مراحل الطفولة المختلفة. قد يُسبب القلق الشديد نظراً لارتباطه المحتمل بعدد واسع من الأسباب المرضية وغير المرضية، والتي قد تتراوح بين حالات بسيطة وعابرة إلى حالات خطيرة تتطلب التدخل الطبي العاجل. تتفاوت أسباب القيء من الرُضع إلى الأطفال الأكبر سناً، كما تختلف الأعراض المصاحبة له باختلاف المسبب، وهو ما يجعل من الضروري الفهم العميق للأسباب المحتملة، طرق التشخيص، والإجراءات المناسبة للعلاج.

مفهوم القيء عند الأطفال

القيء هو عملية فسيولوجية معقدة تتمثل في تفريغ محتويات المعدة عبر المريء إلى الفم، وغالباً ما يُسبق بغثيان، ويصاحبه تقلص عضلي قوي في الحجاب الحاجز وعضلات البطن. يختلف القيء عن القشط أو الارتجاع المعدي (Particularly in infants) حيث يكون الأخير عملية سلبية وغير مؤلمة ناتجة عن عدم اكتمال نمو الصمام المعدي المريئي.

الفروقات بين التقيؤ الفسيولوجي والمرضي

ينبغي التمييز بين نوعين رئيسيين من التقيؤ:

1. القيء الفسيولوجي: يحدث في حالات غير مرضية، مثل الإفراط في الرضاعة أو الحركة الزائدة بعد تناول الطعام، ويكون عادةً بلا أعراض مصاحبة.

2. القيء المرضي: يكون ناتجاً عن حالات صحية كامنة، ويترافق غالباً مع أعراض أخرى مثل الحمى، الإسهال، الجفاف، آلام البطن، أو الخمول، ما يستدعي تشخيصاً دقيقاً.

الأسباب الشائعة لتقيؤ الأطفال حسب الفئة العمرية

أولاً: الرُضع (0 – 12 شهراً)

• الارتجاع المعدي المريئي (GER): من أكثر الأسباب شيوعاً لتقيؤ الرضع، ويحدث نتيجة عدم نضج العضلة العاصرة للمريء. غالباً ما يتحسن تلقائياً مع النمو.

• فرط التغذية أو الرضاعة السريعة: قد يسبب تمدد المعدة المفاجئ وخروج الحليب الزائد عن طريق الفم.

• الحساسية تجاه بروتين الحليب البقري: بعض الرضع يُصابون برد فعل تحسسي يظهر على شكل تقيؤ مستمر وإسهال، وفي بعض الأحيان دم في البراز.

• تضيق البواب (Pyloric stenosis): حالة مرضية خطيرة تبدأ عادة في الأسبوع الثالث إلى السادس بعد الولادة، يتقيأ فيها الطفل قذفياً بعد الرضاعة مع فقدان سريع للوزن، وتُعد حالة طبية طارئة.

ثانياً: الأطفال الصغار (1 – 5 سنوات)

• الالتهابات الفيروسية في المعدة (Viral Gastroenteritis): من أكثر الأسباب شيوعاً، خاصة فيروس الروتا والنورو، وتترافق مع إسهال، حمى، وقيء مستمر.

• العدوى البولية أو التنفسية: في بعض الأحيان، يظهر القيء كعرض أولي في حالات التهاب الأذن أو الجهاز البولي أو حتى التهاب الحلق.

• ابتلاع مواد سامة أو غير صالحة للأكل: كالأدوية أو المنظفات أو بعض النباتات المنزلية، ويصاحبه عادة تغيّر في الوعي أو أعراض عصبية.

• التسمم الغذائي: يحدث بعد ساعات قليلة من تناول طعام ملوث، ويترافق مع قيء مفاجئ، إسهال، وغالباً تقلصات معوية حادة.

ثالثاً: الأطفال الأكبر سناً (6 – 12 سنة)

• الصداع النصفي البطني (Abdominal Migraine): شكل نادر من الصداع يصيب الأطفال ويُسبب ألماً في البطن وتقيؤاً متكرراً.

• القلق أو التوتر النفسي: قد يتسبب الضغط النفسي أو القلق المرتبط بالدراسة أو مشاكل أسرية في ظهور القيء دون سبب عضوي واضح.

• الانسداد المعوي أو التوائم: يُصاحبها ألم بطني حاد وغياب الإخراج وقد تكون خطيرة جداً إن لم يتم التعامل معها بشكل عاجل.

• داء الحركة: يحدث عند ركوب السيارة أو وسائل النقل، حيث تُحفّز المستقبلات الحسية في الأذن الداخلية وتؤدي إلى الغثيان والقيء.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين الأسباب الفسيولوجية والمرضية للقيء عند الأطفال:

الأعراض المرافقة التي تستدعي القلق

ليست كل حالة قيء لدى الطفل مدعاة للذعر، لكن هناك أعراض مرافقة تتطلب التوجه الفوري إلى الطبيب:

• القيء المستمر لأكثر من 24 ساعة

• وجود دم أو مادة صفراء (عصارة صفراوية) في القيء

• علامات الجفاف مثل جفاف الفم، قلة التبول، بكاء بدون دموع

• ارتفاع شديد في درجة الحرارة

• تغير مفاجئ في الوعي أو الخمول

• ألم بطني شديد أو تضخم في البطن

المضاعفات المحتملة لتكرار التقيؤ

• الجفاف: هو أكثر المضاعفات شيوعاً وخطورة، خصوصاً عند الرُضع، ويحدث نتيجة فقدان سوائل الجسم من دون تعويض كافٍ.

• نقص الوزن وسوء التغذية: التقيؤ المزمن يعوق امتصاص العناصر الغذائية الضرورية للنمو.

• تآكل المريء أو الفم بسبب حمض المعدة: نتيجة التقيؤ المتكرر، مما يؤدي إلى التهاب وحرقان.

• الارتباك والتشنجات: نتيجة فقدان الأملاح والصوديوم بشكل خاص.

طرق التشخيص

تعتمد عملية التشخيص على جمع معلومات شاملة من الأهل، تتضمن تاريخ القيء، توقيته، كميته، والعوامل المحفزة. كما تشمل الإجراءات التشخيصية ما يلي:

• الفحص السريري الكامل

• تحاليل الدم للكشف عن الالتهابات أو اختلال الأملاح

• تحليل البول لتحري وجود عدوى بولية

• تصوير بالموجات فوق الصوتية للبطن خاصةً في حالات الاشتباه بانسداد أو تضيق البواب

• اختبارات تحمل الحليب أو البروتينات في حالات الاشتباه بالحساسية الغذائية

العلاج بحسب السبب

علاج القيء البسيط أو الناتج عن أسباب غير خطيرة:

• الراحة التامة: يُفضل إبقاء الطفل مستلقياً في بيئة هادئة.

• تقليل كميات الطعام والسوائل: تقديم كميات صغيرة ومتكررة من الماء أو محلول الإماهة الفموية.

• تجنب الأطعمة الدهنية أو الحارة: لأنّها تهيج المعدة وتزيد من التقيؤ.

• مراقبة علامات الجفاف بشكل مستمر.

علاج القيء الناتج عن حالات طبية:

• العلاج الدوائي: يشمل مضادات القيء مثل دومبيريدون أو أوندانسيترون، ويُعطى تحت إشراف طبي فقط.

• المضادات الحيوية: في حال وجود عدوى بكتيرية مؤكدة.

• السوائل الوريدية: في الحالات المتقدمة من الجفاف.

• التدخل الجراحي: في حالات مثل تضيق البواب أو الانسداد المعوي.

العناية المنزلية والدعم النفسي

• توفير بيئة آمنة وهادئة للطفل: خاصة عند الأطفال الذين يتقيؤون نتيجة للقلق أو الخوف.

• تعزيز الراحة النفسية: من خلال الحديث الإيجابي وإزالة مصادر التوتر.

• الحفاظ على نظافة اليدين والطعام: للوقاية من الالتهابات المعوية.

الوقاية من التقيؤ المتكرر

• الرضاعة المنتظمة بكميات مناسبة: خصوصاً لدى الرضع، مع تجنب الإفراط في الرضاعة.

• إبقاء الطفل في وضعية معتدلة بعد الرضاعة: لمنع الارتجاع.

• تجنب الأطعمة الملوثة أو المكشوفة: خاصة في الصيف.

• اللقاحات: مثل لقاح الروتا يقي من بعض الفيروسات المسببة للقيء والإسهال.

• الامتناع عن إعطاء الأطفال أدوية دون استشارة الطبيب: لتجنب التسمم الدوائي.

الخلاصة

يُعد التقيؤ لدى الأطفال عرضاً واسع الطيف من حيث الأسباب والتأثيرات. تتطلب حالات القيء المستمر أو المصحوب بأعراض مقلقة تشخيصاً دقيقاً وسريعاً لتفادي مضاعفات مثل الجفاف وسوء التغذية. لا يكفي الاعتماد على العلاجات المنزلية في جميع الحالات، بل يجب الاستعانة بالطبيب المختص لتحديد السبب ووضع خطة علاجية مناسبة. الفهم الواعي للأسباب المحتملة وطرق الوقاية والرعاية يُسهم في حماية الطفل وتوفير بيئة صحية وآمنة تساعد على النمو السليم.

المراجع:

1. American Academy of Pediatrics. (2023). Caring for Your Baby and Young Child: Birth to Age 5.

2. World Health Organization (WHO). (2022). Childhood Illness Management Guidelines.