أسباب تقرحات الفم وعلاجها

أسباب تقرحات الفم

تقرحات الفم هي آفات صغيرة مؤلمة تظهر داخل الفم على اللسان، أو بطانة الخدين الداخلية، أو الشفتين، أو الحنك، أو في قاعدة اللثة. وغالبًا ما تسبب شعورًا بالحرقان أو الانزعاج، ما يؤثر سلبًا على تناول الطعام، والكلام، وحتى الراحة النفسية. تعتبر هذه التقرحات من المشاكل الشائعة التي تصيب شريحة واسعة من الناس من مختلف الأعمار والفئات. وعلى الرغم من أنها عادة ما تكون غير خطيرة وتزول من تلقاء نفسها خلال أيام أو أسابيع، فإن تكرار ظهورها أو تفاقمها قد يكون دليلاً على اضطرابات صحية أعمق.

في هذا المقال المفصل، سنستعرض الأسباب المحتملة لتقرحات الفم بشقيها: الأسباب المحلية المرتبطة بتصرفات أو ظروف محددة داخل الفم، والأسباب الجهازية التي ترتبط بحالة الجسم ككل أو بأمراض مزمنة أو نقص في عناصر معينة.

أولًا: الأسباب الموضعية لتقرحات الفم

1. الإصابات الميكانيكية

الإصابات داخل الفم تُعد من أبرز العوامل المحفزة لظهور التقرحات. وتتعدد أسباب هذه الإصابات كالتالي:

• عض الخد أو اللسان عن غير قصد أثناء الأكل أو التحدث.

• الاحتكاك المزمن الناتج عن استخدام أطقم الأسنان غير الملائمة أو الحشوات أو التيجان السيئة التثبيت.

• استخدام فرشاة أسنان صلبة أو تنظيف الأسنان بعنف مفرط.

• الأدوات التقويمية مثل الأجهزة المعدنية أو الأسلاك غير المريحة.

هذه الإصابات قد تبدو بسيطة، لكنها تؤدي إلى تلف الغشاء المخاطي للفم، ما يتيح للعدوى أو الالتهاب التفاعل مع الأنسجة والتسبب في التقرحات.

2. الحروق الكيميائية أو الحرارية

تناول المشروبات أو الأطعمة الساخنة جدًا أو التي تحتوي على مركبات كيميائية حارقة (مثل الصلصات الحارة أو الحمضيات القوية) يمكن أن يؤدي إلى تلف أنسجة الفم وتحفيز ظهور التقرحات.

3. التحسس أو التهيج من بعض الأطعمة

بعض الأطعمة قد تسبب تهيجًا مباشرًا للأغشية المخاطية للفم، خاصة إذا كان الشخص لديه حساسية تجاهها. أكثر الأطعمة ارتباطًا بهذه الحالة تشمل:

• الطماطم والحمضيات (مثل البرتقال والليمون)

• الشوكولاتة

• القهوة

• الأطعمة الحارة أو المالحة جدًا

• الجبن الصلب أو المخمر

ثانيًا: الأسباب الجهازية والمناعية

1. الاضطرابات المناعية الذاتية

بعض الأمراض المرتبطة بخلل في الجهاز المناعي تُسبب التهابات مزمنة في الجسم، وغالبًا ما تُظهر أعراضًا على هيئة تقرحات فموية. من أبرز هذه الأمراض:

• الذئبة الحمامية الجهازية (SLE)

• مرض بهجت (Behçet’s Disease)، وهو اضطراب التهابي مزمن يُسبب تقرحات في الفم والأعضاء التناسلية والتهاب في العين والمفاصل.

• التهاب الفم القلاعي المتكرر، وهو اضطراب مزمن يُعد من أكثر الأسباب شيوعًا لتقرحات الفم غير المرتبطة بعدوى.

2. نقص الفيتامينات والمعادن

يُعد نقص بعض العناصر الغذائية الأساسية من المحفزات المهمة لظهور تقرحات الفم، لأن هذه العناصر تلعب دورًا حاسمًا في صحة الجلد والأغشية المخاطية:

• نقص الحديد (المرتبط أحيانًا بفقر الدم)

• نقص فيتامين B12

• نقص حمض الفوليك

• نقص الزنك

هذا النقص يؤثر على قدرة الجسم على تجديد الأنسجة ومكافحة الالتهابات.

3. العدوى الفيروسية أو البكتيرية

تُعد العدوى من أبرز العوامل المسببة لتقرحات الفم، سواء الفيروسية أو البكتيرية أو الفطرية:

• فيروس الهربس البسيط (HSV-1) يسبب تقرحات مؤلمة تسمى “القروح الباردة”.

• فيروس كوكساكي A الذي يسبب مرض اليد والقدم والفم لدى الأطفال.

• الفطريات من نوع Candida albicans تُسبب التهابات فموية تظهر على هيئة بقع بيضاء أو تقرحات في بعض الأحيان، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة.

4. التغيرات الهرمونية

تلعب التغيرات الهرمونية، خاصة لدى النساء، دورًا في تحفيز ظهور تقرحات الفم. تُلاحظ هذه الظاهرة في فترات مثل:

• فترة الحيض

• الحمل

• سن اليأس

ويرتبط ذلك بتغير مستوى الهرمونات الجنسية مثل الإستروجين والبروجستيرون وتأثيرها على المناعة وصحة الأغشية المخاطية.

ثالثًا: الأسباب الدوائية والعلاجية

1. الآثار الجانبية للأدوية

بعض الأدوية تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في حدوث تقرحات داخل الفم، وتشمل هذه الفئات:

• العلاج الكيميائي والإشعاعي، وهي من أبرز الأسباب لدى مرضى السرطان.

• مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) مثل الإيبوبروفين.

• أدوية خفض المناعة مثل الستيرويدات والمثبطات المناعية.

• أدوية ارتفاع ضغط الدم، مثل بعض مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين.

2. جفاف الفم

جفاف الفم، سواء الناتج عن تناول أدوية معينة أو بسبب اضطرابات في الغدد اللعابية، يقلل من كمية اللعاب ويُضعف دفاعات الفم الطبيعية، ما يجعل الأغشية أكثر عرضة للتقرحات.

رابعًا: العوامل النفسية والسلوكية

1. الضغط النفسي والقلق

تشير دراسات متعددة إلى أن الإجهاد النفسي المزمن والقلق يرتبطان بشكل مباشر بتكرار ظهور التقرحات الفموية. وتُظهر هذه العلاقة التأثير الواضح للحالة النفسية على وظائف الجهاز المناعي.

2. اضطرابات النوم

قلة النوم وعدم انتظامه ينعكسان سلبًا على توازن الجهاز المناعي وقدرة الجسم على مقاومة التهابات الأغشية المخاطية.

3. العادات الفموية السيئة

تشمل العادات التي تزيد من احتمال ظهور التقرحات:

• قضم الأظافر

• قضم أو مضغ الأشياء الصلبة (مثل الأقلام أو الأغطية)

• استعمال غسولات فموية تحتوي على مواد كحولية أو مهيجة

خامسًا: الأمراض المزمنة والمرافقة

1. داء كرون والتهاب القولون التقرحي

هذان النوعان من أمراض الأمعاء الالتهابية قد يُظهران أعراضًا في الفم، بما في ذلك التقرحات المؤلمة، نتيجة للاضطراب المناعي العام ونقص امتصاص الفيتامينات.

2. السكري

مرضى السكري أكثر عرضة للإصابة بالتقرحات الفموية، بسبب تأثر الدورة الدموية الدقيقة، وضعف الاستجابة المناعية، وزيادة فرصة نمو الفطريات داخل الفم.

جدول: مقارنة بين الأسباب الرئيسية لتقرحات الفم

الوقاية والتقليل من التقرحات

مع أن بعض أسباب التقرحات الفموية خارجة عن السيطرة، فإن اتخاذ تدابير وقائية يمكن أن يقلل كثيرًا من تكرارها أو حدتها:

• الحفاظ على نظافة الفم اليومية باستخدام فرشاة ناعمة.

• تجنب الأطعمة المهيجة عند الشعور بأعراض أولية.

• شرب كميات كافية من الماء للحفاظ على رطوبة الفم.

• مراجعة الطبيب عند تكرار التقرحات أو استمرارها لفترة طويلة.

• تناول الغذاء المتوازن الذي يحتوي على الفيتامينات والمعادن الأساسية.

• الحد من التوتر والانتباه إلى جودة النوم.

الخلاصة

تقرحات الفم ليست مجرد ظاهرة عابرة بل قد تعكس اضطرابات صحية أعمق تستدعي الانتباه. وتتعدد أسبابها لتشمل إصابات مباشرة، ونقصًا غذائيًا، واضطرابات مناعية، وأمراض مزمنة، ومؤثرات نفسية. تحديد السبب بدقة يفتح الباب نحو علاج فعّال واستراتيجية وقائية تقلل من التكرار والانزعاج المصاحب لها. لهذا فإن الفهم المتعمق لتقرحات الفم ليس فقط أداة للتعامل مع ألم موضعي، بل هو مدخل لفهم توازن الجسم الكامل من الداخل.

المراجع:

1. Mayo Clinic – Canker sores (aphthous ulcers)

2. National Institute of Dental and Craniofacial Research – Oral Health Topics