أسباب النوم المتقطع

أسباب النوم المتقطع

يُعد النوم من أهم العمليات البيولوجية التي يحتاجها الإنسان للحفاظ على الصحة الجسدية والعقلية. غير أن عدداً كبيراً من الأفراد يعانون من اضطرابات في النوم، وعلى رأسها “النوم المتقطع” الذي يتصف بالاستيقاظ المتكرر أثناء الليل أو صعوبة في مواصلة النوم بعد الاستيقاظ، مما يؤثر بشكل سلبي على جودة النوم والصحة العامة. النوم المتقطع لا يعتبر اضطراباً مستقلاً بحد ذاته، بل غالباً ما يكون عرضاً لمشكلة أعمق أو نتيجة لعوامل بيولوجية ونفسية وسلوكية متعددة تتداخل فيما بينها بشكل معقد.

في هذا المقال الموسع، سيتم تحليل الأسباب المختلفة للنوم المتقطع بتفصيل علمي، مع التركيز على العوامل العضوية والنفسية والبيئية التي تسهم في هذا الاضطراب، وذلك بغرض تقديم فهم شامل لجذور المشكلة وكيفية التعامل معها.

أولاً: الأسباب العضوية والبيولوجية

1. اضطرابات التنفس أثناء النوم (Sleep-Disordered Breathing)

تعد اضطرابات التنفس أثناء النوم من الأسباب الأكثر شيوعاً للنوم المتقطع، وأشهرها انقطاع النفس الانسدادي النومي (Obstructive Sleep Apnea). هذه الحالة تتميز بانسداد متكرر في مجرى التنفس العلوي يؤدي إلى توقف التنفس لبضع ثوانٍ، يتبعها استيقاظ مفاجئ لتنشيط عضلات التنفس. هذا التكرار يسبب تقطعاً في دورة النوم ويمنع الوصول إلى المراحل العميقة من النوم، مما يؤدي إلى شعور بالتعب رغم النوم لفترات كافية من حيث الزمن.

2. الآلام المزمنة

الآلام الجسدية، مثل آلام المفاصل أو الظهر أو الأمراض المزمنة كالتهاب المفاصل أو السرطان، تؤثر سلباً على جودة النوم وتؤدي إلى استيقاظ متكرر بسبب الانزعاج أو الحاجة لتغيير وضعية النوم. الألم المزمن يؤدي إلى تنشيط مستمر للجهاز العصبي السمبثاوي، مما يبقي الدماغ في حالة تأهب ويحول دون الدخول في نوم عميق مستمر.

3. الأمراض العصبية

تشمل الأمراض العصبية التي قد تؤدي إلى النوم المتقطع: مرض باركنسون، التصلب المتعدد، والزهايمر. هذه الأمراض تتسبب في اضطرابات في تنظيم دورة النوم واليقظة على مستوى الدماغ. كما أن بعض الأدوية المستخدمة لعلاج هذه الأمراض قد تسبب آثاراً جانبية تؤثر على النوم.

4. فرط نشاط الغدة الدرقية

يؤدي ارتفاع مستوى الهرمونات الدرقية إلى تسريع معدل الأيض، مما يسبب زيادة في النشاط الجسدي والذهني حتى أثناء الليل، ويجعل النوم المتواصل صعباً. كما قد يترافق مع التعرق الليلي وخفقان القلب، وهما من العوامل المزعجة أثناء النوم.

ثانياً: الأسباب النفسية والعاطفية

1. القلق والتوتر النفسي

يعد القلق واحداً من أبرز المسببات للنوم المتقطع. الأفكار المقلقة والنشاط الذهني الزائد يمنعان الدماغ من الاسترخاء والدخول في حالة استمرارية النوم. التوتر النفسي يؤدي إلى إفراز هرمونات مثل الكورتيزول والأدرينالين التي ترفع من يقظة الجهاز العصبي المركزي، مما يضعف استقرار النوم الليلي.

2. الاكتئاب

رغم أن الاكتئاب يُرتبط عادة بفرط النوم، إلا أنه في كثير من الحالات يؤدي إلى تقطع النوم، خاصة في النصف الثاني من الليل، حيث يستيقظ المريض في ساعات الفجر المبكرة ويجد صعوبة في العودة للنوم. كما أن الاكتئاب يغيّر من طبيعة دورة النوم عبر تقليل النوم العميق وزيادة النوم السطحي.

3. الكوابيس واضطراب كرب ما بعد الصدمة

تكرار الكوابيس أو استرجاع الصدمات النفسية السابقة، كما يحدث في اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، يؤدي إلى استيقاظ مفاجئ ومتكرر، قد يصاحبه تسارع في ضربات القلب، تعرق أو حتى نوبات فزع ليلي.

ثالثاً: العوامل السلوكية ونمط الحياة

1. استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم

التعرض المستمر للضوء الأزرق المنبعث من شاشات الهواتف والحواسيب يعيق إفراز هرمون الميلاتونين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم الإيقاع اليومي للنوم. يؤدي ذلك إلى تأخر بداية النوم وضعف استقراره، مما يزيد من احتمالية الاستيقاظ المتكرر.

2. تناول المنبهات أو الكحول

الكافيين، الموجود في القهوة والشاي والمشروبات الغازية، يعتبر مادة منبهة تؤثر على الجهاز العصبي المركزي وتقلل من القدرة على الدخول في مراحل النوم العميق. أما الكحول فرغم أنه قد يساعد على النوم في بدايته، إلا أنه يؤدي إلى نوم غير مستقر ومتقطع لاحقاً خلال الليل.

3. عدم انتظام جدول النوم

الاستيقاظ والنوم في أوقات مختلفة يومياً يعطل الساعة البيولوجية للجسم (الساعة السيركادية)، مما يؤدي إلى نوم غير مستقر وغير متوازن. هذا النمط شائع لدى العاملين بنظام الورديات أو المسافرين عبر مناطق زمنية متعددة.

رابعاً: العوامل البيئية

1. الضوضاء والإنارة

البيئة المحيطة لها دور كبير في تعزيز النوم أو إعاقته. الضوضاء الليلية مثل أصوات المرور أو الجيران أو الأجهزة الكهربائية قد تثير الدماغ وتؤدي إلى استيقاظ متكرر. كذلك فإن الإنارة، حتى الخافتة منها، تؤثر على العين ومستقبلات الضوء فيها، ما يضعف إفراز الميلاتونين ويخل بتوازن النوم.

2. درجة حرارة الغرفة

درجات الحرارة المرتفعة أو المنخفضة بشكل غير مريح قد تتسبب في الاستيقاظ المتكرر. الجسم يحتاج إلى درجة حرارة متوسطة لتحقيق أفضل ظروف للنوم، حيث يساعد ذلك في خفض حرارة الجسم الأساسية تدريجياً، مما يسهل الدخول في مراحل النوم العميق.

3. السرير غير المريح أو الفراش الرديء

السرير المزعج أو الوسائد غير المناسبة تؤدي إلى الانزعاج الجسدي والضغط على مناطق معينة من الجسم، مما يحفز على الاستيقاظ لتغيير الوضعية باستمرار أثناء الليل.

خامساً: التغيرات الهرمونية

1. سن اليأس وانقطاع الطمث

تعاني النساء خلال فترة انقطاع الطمث من اضطرابات هرمونية، خاصة انخفاض الإستروجين والبروجستيرون، مما يؤدي إلى التعرق الليلي والهبات الساخنة، وكلاهما يسبب استيقاظ متكرر واضطراب في دورات النوم.

2. الحمل

تُصاب العديد من النساء الحوامل بالنوم المتقطع، خاصة في الثلث الأخير من الحمل، نتيجة التغيرات الهرمونية، الحاجة المتكررة للتبول، وصعوبة إيجاد وضعية نوم مريحة بسبب نمو الجنين.

سادساً: الاضطرابات الدوائية

1. الآثار الجانبية للأدوية

بعض الأدوية مثل مضادات الاكتئاب، مدرات البول، أدوية ارتفاع الضغط، ومضادات الهستامين، قد تؤثر سلباً على جودة النوم، إما بسبب تنشيط الجهاز العصبي أو الحاجة المتكررة للتبول أو التسبب بكوابيس أو اضطرابات في الأحلام.

2. الانسحاب الدوائي

الانقطاع المفاجئ عن تناول بعض الأدوية، خاصة المهدئات أو أدوية النوم، يؤدي إلى حالة تُعرف بالأرق الارتدادي، حيث يصبح النوم مجزءاً ويصاحبه قلق ليلي شديد.

سابعاً: الجوع أو التخمة

يؤثر تناول الطعام في ساعات متأخرة من الليل على جودة النوم، حيث يسبب عسر الهضم أو ارتجاعاً مريئياً يؤدي إلى تقطع النوم. وفي المقابل، فإن الجوع أيضاً قد يؤدي إلى استيقاظ بسبب الشعور بانخفاض سكر الدم.

جدول يلخص أهم الأسباب العضوية والنفسية والسلوكية للنوم المتقطع:

المراجع:

• National Sleep Foundation, 2023. “Understanding Sleep Disorders”

• American Psychiatric Association. (2022). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-5-TR).