أسباب الفزع من النوم وتأثيراته النفسية والجسدية

يُعتبر الفزع من النوم ظاهرة شائعة نسبياً لدى مختلف الفئات العمرية، وخصوصاً بين الأطفال، لكنه قد يستمر أحياناً لدى البالغين. يُعرف الفزع من النوم (Night Terror أو Sleep Terror) بأنه حالة من الخوف المفاجئ الشديد التي تحدث أثناء النوم العميق، ويُصاحبها عادةً استيقاظ مفاجئ مع صراخ، ذعر، وتسارع في دقات القلب. تختلف هذه الظاهرة عن الكوابيس إذ إن الشخص المصاب بالفزع من النوم لا يتذكر عادةً ما حدث بعد استيقاظه، في حين أن الكوابيس تكون محملة بمحتوى قصصي واضح يتذكره النائم.

الفزع من النوم: تعريف طبي ومراحل ظهوره

يحدث الفزع من النوم غالباً خلال المرحلة الثالثة والرابعة من النوم العميق، وهي من مراحل النوم التي تُعرف بالنوم بطيء الموجة (Non-REM sleep). تنشط هذه المرحلة في الثلث الأول من فترة النوم، وعادةً ما يظهر الفزع فيها خلال الساعة الأولى إلى الثانية من بدء النوم. في هذه الحالة، يكون الدماغ في حالة انتقالية بين النوم العميق والاستيقاظ الجزئي، مما قد يؤدي إلى استثارة الجهاز العصبي المركزي بصورة مفاجئة وغير متزنة.

هذا الاستثارة تُفقد الجسم توازنه الطبيعي وتؤدي إلى رد فعل فوري بجسم الإنسان على شكل خوف مبالغ فيه مصحوب بعلامات جسدية مثل: توسع حدقة العين، التعرق الشديد، زيادة في ضغط الدم، وتسارع ضربات القلب، إضافة إلى انفعال عضلي واضح كالتشنجات أو القفزات.

الأسباب النفسية والفسيولوجية للفزع من النوم

يمكن تصنيف أسباب الفزع من النوم إلى عوامل نفسية، وعوامل عضوية، وعوامل بيئية، مع وجود تداخلات في كثير من الحالات. فيما يلي أبرز هذه الأسباب مع توضيح علمي لكل منها:

1. العوامل النفسية

• الضغط النفسي والتوتر: يؤدي التوتر المزمن والقلق إلى اضطرابات في نظام النوم، خصوصاً النوم العميق، مما يعزز فرص حدوث الفزع. يرتبط ذلك بزيادة إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين، التي تحفز الجهاز العصبي اللاإرادي المسؤول عن ردود الفعل القتالية أو الهروب.

• الاضطرابات النفسية: مثل اضطرابات القلق العام، اضطرابات ما بعد الصدمة، والاكتئاب، كلها ترفع احتمالية حدوث نوبات الفزع أثناء النوم بسبب اضطراب توازن الهرمونات العصبية في الدماغ.

• الأحداث الصادمة: التعرض لحدث مرعب أو تجربة صادمة مؤخراً يمكن أن يؤدي إلى تنشيط مراكز الخوف في الدماغ، ومنها اللوزة الدماغية، مما يتسبب في استجابات خوف مفاجئة أثناء النوم.

2. العوامل العضوية والبيولوجية

• نقص النوم أو اضطرابات النوم: قلة النوم المزمنة أو عدم انتظام ساعات النوم تعطل دورة النوم الطبيعية، خصوصاً مرحلة النوم العميق، مما يزيد من احتمالية حدوث الفزع.

• الحمى والأمراض: عند الإصابة بأمراض مصحوبة بارتفاع درجة حرارة الجسم (الحمى)، خاصة لدى الأطفال، يزداد احتمال حدوث الفزع بسبب تأثير الحمى على الجهاز العصبي المركزي.

• اضطرابات الجهاز العصبي: مثل الصرع، أو مشاكل في الجهاز العصبي المركزي قد تؤدي إلى تنشيط غير طبيعي في مناطق الدماغ المسؤولة عن تنظيم النوم، مما يسبب الفزع.

• الأدوية والمخدرات: بعض الأدوية، خصوصاً المنبهة منها أو مضادات الاكتئاب، قد تؤدي إلى اضطرابات في النوم تشمل الفزع.

3. العوامل البيئية

• الضوضاء المفاجئة: الأصوات العالية أو المفاجئة خلال النوم قد تثير الجهاز العصبي وتؤدي إلى استيقاظ مفاجئ مع حالة فزع.

• تغيرات البيئة: النوم في أماكن غير مألوفة أو ظروف غير مستقرة قد يزيد من مستويات التوتر النفسي، مما ينعكس على نوعية النوم ويساهم في الفزع.

• الحرارة والرطوبة: ارتفاع أو انخفاض درجة الحرارة في غرفة النوم يؤثر على النوم العميق ويزيد فرص الفزع.

الفسيولوجيا العصبية للفزع من النوم

تتعلق الفسيولوجيا العصبية للفزع من النوم بآليات تنظيم النوم التي تقع تحت سيطرة عدة مناطق دماغية رئيسية منها:

• اللوزة الدماغية (Amygdala): مركز الخوف في الدماغ، وهو المسؤول عن تقييم التهديدات وتحفيز استجابات القلق والخوف.

• الجهاز العصبي اللاإرادي (Autonomic Nervous System): يتحكم في الوظائف الحيوية مثل معدل ضربات القلب والتنفس، ويُفعّل أثناء الفزع بشكل مفرط.

• القشرة الدماغية (Cerebral Cortex): تكون في حالة كسوف أو خمول خلال الفزع، ما يفسر عدم تذكر الشخص لما حدث.

عند حدوث الفزع، تنشط اللوزة الدماغية بشكل مفاجئ، مسببة حالة ذعر حاد، مع عدم وجود وعي كامل من القشرة الدماغية، مما يؤدي إلى استيقاظ الشخص فجأة مع حالة من الفزع والخوف.

الفزع من النوم عند الأطفال والكبار: الفروقات والتشخيص

يعتبر الفزع من النوم أكثر شيوعاً عند الأطفال، حيث تتراوح نسبة الإصابة بين 1% إلى 6% من الأطفال بين سن 3 إلى 12 سنة. مع نمو الطفل، تقل نوبات الفزع عادةً وتختفي في معظم الحالات دون علاج. أما عند البالغين، فإن الفزع من النوم أقل شيوعاً لكنه قد يكون مرتبطاً باضطرابات نفسية أو عضوية أكثر تعقيداً.

الفزع عند الأطفال

• يبدأ غالباً بين سن 3 و12 سنة.

• نوبات الفزع تكون أكثر حدة من الكوابيس.

• لا يتذكر الطفل ما حدث بعد النوبة.

• تحدث غالباً في النصف الأول من الليل.

• لا يحتاج الطفل عادة إلى تدخل طبي إلا إذا تكرر الفزع بكثرة أو كان مصحوباً بحركات نوبات تشنجية.

الفزع عند البالغين

• أقل شيوعاً، وقد يرتبط باضطرابات القلق والاكتئاب.

• قد يكون مصحوباً باضطرابات أخرى في النوم مثل الأرق أو توقف التنفس أثناء النوم.

• يجب تقييم الحالة طبياً لاستبعاد أسباب عضوية.

التشخيص الطبي للفزع من النوم

يعتمد تشخيص الفزع من النوم على الملاحظة السريرية لوصف النوبة من قبل المريض أو الأسرة، بالإضافة إلى دراسة تاريخ النوم والمشكلات الصحية والنفسية. في الحالات المزمنة أو التي تثير القلق، يمكن إجراء:

• تسجيل النوم (Polysomnography): لفحص مراحل النوم ومراقبة الأنشطة الكهربائية للدماغ أثناء النوم.

• الفحوصات العصبية: لاستبعاد اضطرابات عصبية أخرى.

• تقييم نفسي: لتحديد وجود اضطرابات نفسية أو اضطرابات القلق المصاحبة.

علاج الفزع من النوم

يتوقف علاج الفزع على معرفة السبب الأساسي وتحديد نوع الحالة، ويتضمن الخيارات التالية:

1. تعديل نمط الحياة

• تنظيم مواعيد النوم والابتعاد عن السهر والتعب المزمن.

• توفير بيئة نوم هادئة ومريحة مع درجة حرارة مناسبة.

• تجنب المحفزات النفسية مثل التوتر والقلق.

2. العلاج النفسي

• تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق، التأمل، وتمارين اليوغا.

• العلاج المعرفي السلوكي (CBT) خاصة في الحالات المرتبطة بالقلق.

• دعم الأسرة للأطفال المصابين لمساعدتهم على تخطي الخوف.

3. العلاج الدوائي

يُستخدم في حالات نادرة وفي حال كانت النوبات شديدة ومتكررة، مثل:

• مضادات القلق أو مضادات الاكتئاب تحت إشراف طبي.

• أدوية النوم لتحسين جودة النوم العميق.

• علاج اضطرابات النوم المصاحبة مثل انقطاع التنفس أثناء النوم.

التأثيرات الصحية والنفسية للفزع من النوم

على الرغم من أن نوبات الفزع من النوم قصيرة ولا تسبب عادة أضراراً مباشرة للجسم، إلا أن تكرارها قد يؤدي إلى آثار نفسية وجسدية على المدى الطويل، منها:

• الإرهاق والتعب: نتيجة لاضطرابات النوم المتكررة.

• زيادة التوتر والقلق: بسبب الخوف من حدوث نوبات جديدة.

• تأثيرات على الأداء اليومي: كضعف التركيز والانتباه.

• المشاكل العائلية والاجتماعية: خاصة عند الأطفال نتيجة الاستيقاظ المفاجئ المستمر.

مقارنة بين الفزع من النوم والكوابيس

الخلاصة

الفزع من النوم هو اضطراب في النوم يتصف بظهور نوبات مفاجئة من الخوف والذعر خلال النوم العميق، ويترافق مع استيقاظ مفاجئ دون وعي تام بالحدث. تتعدد أسبابه بين عوامل نفسية مثل التوتر والقلق، وعوامل عضوية مثل اضطرابات النوم وأمراض الجهاز العصبي، إضافة إلى تأثيرات بيئية. على الرغم من أن الظاهرة أكثر شيوعاً بين الأطفال، إلا أنها قد تستمر عند بعض البالغين وتتطلب تدخلاً طبياً ونفسياً. يهدف العلاج إلى تحسين جودة النوم وتقليل التوتر النفسي، وقد يشمل تعديل نمط الحياة والعلاج النفسي، وفي بعض الحالات النادرة، الأدوية.

المتابعة الدقيقة وتهيئة بيئة نوم ملائمة تساعد بشكل كبير على تقليل حدوث الفزع، وتحسين جودة النوم، مما يحسن الصحة النفسية والجسدية للمريض.

المراجع:

1. American Academy of Sleep Medicine. (2014). International Classification of Sleep Disorders, 3rd edition (ICSD-3).

2. Mayo Clinic. Night terrors. Available at: https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/night-terrors/symptoms-causes/syc-20353631