أسباب العنف ضد الأطفال

أسباب العنف ضد الأطفال

يُعدّ العنف ضد الأطفال من أخطر الظواهر الاجتماعية والإنسانية التي تواجه المجتمعات الحديثة، لما يترتب عليه من آثار نفسية وجسدية وسلوكية تمتد إلى مستقبل الطفل والمجتمع بأكمله. يتّخذ العنف أشكالاً متعددة تتراوح بين الإهمال والتجاهل وصولًا إلى الضرب والتعذيب والانتهاك الجنسي والاستغلال الاقتصادي. ولأن الأطفال هم الفئة الأكثر هشاشة في المجتمع، فإن العنف ضدهم لا يقتصر على حالات فردية أو طبقات اجتماعية بعينها، بل يمتد في جميع الاتجاهات. يُعزى هذا العنف إلى جملة من الأسباب المتداخلة تشمل العوامل الأسرية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والثقافية، كما أن الأنظمة التشريعية والممارسات المجتمعية تلعب دورًا جوهريًا في تغذية أو كبح هذه الظاهرة.

أولاً: العوامل الأسرية كمحرك رئيسي للعنف ضد الأطفال

1. التفكك الأسري

تُعدّ الأسر غير المستقرة بيئة خصبة لولادة العنف. حالات الطلاق، والانفصال العاطفي، والنزاعات المستمرة بين الوالدين تخلق جوًا متوترًا يُصبّ غالبًا على الطفل. ففي ظل غياب الاستقرار العاطفي والأسري، قد يُصبح الطفل ضحية للتنفيس عن المشاعر السلبية، أو يُستخدم كأداة للضغط أو العقاب من طرف أحد الوالدين.

2. العنف الممارس من الوالدين تجاه بعضهما

الأطفال الذين ينشؤون في بيئة يسودها العنف الأسري بين الزوجين غالبًا ما يُصبحون شهودًا على سلوكيات عدوانية، أو يتمّ استدراجهم إلى دائرة العنف نفسها. في كثير من الأحيان، ينتقل هذا العنف من طرف إلى آخر ليُمارَس على الطفل، فيتحوّل من مشاهد إلى ضحية.

3. التربية المبنية على العقاب الجسدي

في مجتمعات كثيرة، لا يزال الضرب يُعتبر وسيلة تربوية مقبولة، حيث يُربط بينه وبين الانضباط. هذا المفهوم المغلوط يُبرر ممارسة العنف تحت مسمى التأديب، متجاهلًا الآثار النفسية والجسدية الخطيرة التي قد تنتج عنه.

4. الإهمال العاطفي

ليس العنف مقتصرًا على الإيذاء الجسدي فقط، بل إن الإهمال العاطفي يعدّ أحد أكثر أشكال العنف ضررًا. عندما يُحرم الطفل من الحب، والاهتمام، والدعم العاطفي، فإنه يُصاب بشروخ نفسية قد لا تُرى لكنها تُحدث أثرًا عميقًا وطويل الأمد.

ثانيًا: العوامل الاقتصادية وتداعيات الفقر

1. الضغوط الاقتصادية المتزايدة

تُؤدي الأوضاع الاقتصادية الصعبة، مثل الفقر والبطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، إلى زيادة التوتر داخل الأسرة. هذا الضغط يولد بيئة غير مستقرة يتعرض فيها الأطفال بشكل أكبر للعنف اللفظي أو الجسدي نتيجة انعدام الصبر وغياب القُدرة على الضبط الذاتي لدى البالغين.

2. استغلال الأطفال في العمل

في كثير من الدول، يُجبر الأطفال على العمل لمساعدة أسرهم ماليًا، ما يُعرّضهم لمخاطر عديدة تشمل الاستغلال البدني والنفسي. العمل في سن مبكرة يُعدّ شكلًا من أشكال العنف الهيكلي الذي يحرم الطفل من حقه في التعليم والنمو السليم.

3. الحرمان من الخدمات الأساسية

غياب التغطية الصحية والتعليمية والاجتماعية للأطفال في الطبقات المهمشة يؤدي إلى تفاقم أوضاعهم، ويدفع الأسر إلى اللجوء لوسائل عنيفة للسيطرة عليهم أو معاقبتهم عند تعبيرهم عن الحاجات غير الملبّاة.

ثالثًا: العوامل النفسية والشخصية للوالدين أو مقدمي الرعاية

1. الاضطرابات النفسية والعقلية

الإصابة بالاكتئاب، والقلق، واضطرابات الشخصية لدى أحد الوالدين أو كلاهما، قد تؤدي إلى سلوكيات عدوانية تجاه الطفل. كما أن بعض الأمراض الذهانية مثل الفصام قد تجعل الطفل عرضة لأذى جسدي أو نفسي شديد.

2. إدمان الكحول والمخدرات

يرتبط الإدمان بضعف القدرة على التحكم في التصرفات والاندفاعية، مما يزيد احتمالية ارتكاب العنف ضد الأطفال، سواء بشكل مباشر عبر الضرب أو الإهمال، أو غير مباشر من خلال التسبب في بيئة منزلية غير آمنة.

3. غياب المهارات التربوية

كثير من الآباء يفتقرون إلى فهم احتياجات الأطفال النفسية والتربوية، فيلجؤون إلى الضرب والصراخ ظنًا أن ذلك هو الحل لضبط السلوك. هذا الجهل التربوي يؤسس لمنظومة أسرية لا تُنتج سوى أطفال مضطربين وعلاقات عائلية سامة.

رابعًا: العوامل الثقافية والاجتماعية

1. الموروثات الثقافية الخاطئة

في بعض الثقافات، يُنظر إلى الأطفال كممتلكات خاصة للوالدين، ويُعتبر التدخل في كيفية تربيتهم أمرًا مرفوضًا. هذه النظرة تُشرعن استخدام العنف وتعتبره جزءًا من مسؤولية الأهل.

2. التمييز الجندري

التمييز القائم على النوع الاجتماعي يدفع ببعض الأسر إلى ممارسة العنف على الأطفال، وخصوصًا الفتيات، كوسيلة لضبط “السمعة” أو “الشرف”. هذا النوع من العنف قد يأخذ أشكالًا جسيمة مثل الحرمان من التعليم أو الزواج القسري.

3. تطبيع العنف في المجتمع

عندما يعيش الطفل في بيئة يُطبع فيها العنف كأمر اعتيادي — سواء من خلال الإعلام أو الشارع أو حتى المدرسة — فإنه يُصبح أكثر عرضة لممارسة العنف أو قبوله كوسيلة لحل النزاعات.

خامسًا: ضعف التشريعات وآليات الحماية

1. غياب قوانين رادعة

في كثير من الدول، لا توجد قوانين واضحة تحمي الطفل من العنف داخل الأسرة. وحتى إن وُجدت، فإن تطبيقها غالبًا ما يكون ضعيفًا أو خاضعًا للمحاباة الاجتماعية.

2. ضعف الرقابة المدرسية والمؤسسية

يُمكن أن يتعرض الأطفال للعنف في مؤسسات يفترض بها حمايتهم، مثل المدارس ودور الرعاية. غياب آليات المراقبة والتبليغ الفعّالة يُتيح استمرار هذه الانتهاكات دون رادع.

3. التستر المجتمعي

من أكبر العقبات في وجه مكافحة العنف ضد الأطفال هي ثقافة التستر، حيث تعتبر الأسرة إفشاء الانتهاكات “فضيحة”، وتمنع الأطفال من طلب المساعدة. هذا التكتم يُكرّس العنف ويمنع التدخل في الوقت المناسب.

سادسًا: وسائل الإعلام والتكنولوجيا

1. العنف في وسائل الإعلام

تعرض الأطفال المستمر لأفلام أو ألعاب تحتوي على مشاهد عنف يُطبع أذهانهم على تقبل السلوك العدواني. كما أن الأطفال الذين يشاهدون نماذج عنيفة باستمرار قد يرون هذا السلوك طبيعيًا أو حتى محبذًا.

2. التنمر الإلكتروني

التكنولوجيا الحديثة، على الرغم من فوائدها، فتحت الباب أمام نوع جديد من العنف ضد الأطفال، وهو التنمر الإلكتروني. هذا النوع لا يُشاهد بالعين المجردة، لكنه يُسبب ضررًا نفسيًا بالغًا قد يدفع الطفل إلى العزلة أو حتى الانتحار في حالات متقدمة.

جدول يوضح أشكال العنف ضد الأطفال وأسبابه الرئيسية

سابعًا: غياب الوعي المجتمعي بحقوق الطفل

لا يزال العديد من المجتمعات تفتقر إلى وعي شامل بحقوق الأطفال، مثل الحق في التعليم، والحق في الأمان، والحق في التعبير. غياب هذا الوعي يسهم في استمرار الممارسات المؤذية دون محاسبة، مما يُرسّخ بيئة تُبرر العنف بدلاً من مواجهته.

المصادر:

• منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، تقارير حماية الطفل.

• “World Health Organization. (2020). Violence Against Children.”