أسباب العنف الجامعي

مقدمة

العنف الجامعي يمثل إحدى الظواهر الاجتماعية المقلقة التي بدأت تتفشى بشكل ملحوظ في المؤسسات التعليمية الجامعية في العديد من الدول العربية والعالمية. هذه الظاهرة التي يفترض أن تكون مستبعدة في بيئة أكاديمية تعنى بالعلم والمعرفة والتطور الفكري، باتت تشكل تهديدًا حقيقيًا لمناخ التعليم الجامعي وتؤثر بشكل سلبي على العلاقات داخل الحرم الجامعي بين الطلبة أنفسهم، وبين الطلبة وأعضاء هيئة التدريس والإداريين. العنف الجامعي لا يقتصر على الأذى الجسدي فقط، بل يتخذ أشكالًا متعددة مثل العنف اللفظي، العنف النفسي، التخريب، التعصب الفكري، والانخراط في سلوكيات عدوانية قد تصل إلى الاشتباكات الخطيرة. تتعدد أسباب هذه الظاهرة ما بين أسباب شخصية، أسرية، اجتماعية، نفسية، ثقافية، وسياسية.

العوامل النفسية والشخصية وراء العنف الجامعي

تُعد العوامل النفسية من الأسباب الجوهرية التي تؤدي إلى سلوكيات عنيفة في الجامعات. العديد من الطلبة يعانون من اضطرابات نفسية مثل القلق، التوتر، الاكتئاب، واضطرابات التحكم بالغضب. هذه المشكلات النفسية غالبًا ما تكون نتيجة تراكمات سابقة منذ الطفولة أو نتيجة الضغوط الأكاديمية والاجتماعية التي يتعرض لها الطالب الجامعي. هناك طلبة يعانون من ضعف في المهارات الاجتماعية وفشل في إدارة الحوار والنقاش مما يدفعهم لاستخدام العنف كوسيلة للتعبير عن أنفسهم أو لفرض آرائهم على الآخرين.

كما أن بعض الطلبة يتمتعون بشخصيات تميل إلى العدوانية والتسلط، ويجدون في العنف وسيلة لإبراز القوة أو فرض السيطرة على زملائهم. هذا النمط من الشخصيات قد يكون نتيجة لتربية خاطئة أو بيئة سادت فيها ثقافة العنف خلال مراحل الطفولة والمراهقة. كما أن غياب الوعي بطرق حل النزاعات بشكل سلمي وافتقاد مهارات إدارة الغضب يسهم في تعزيز الميل إلى استخدام العنف كخيار أولي.

التأثيرات الأسرية على سلوك الطالب العنيف

تلعب الأسرة دورًا محوريًا في تشكيل شخصية الطالب الجامعي واتجاهاته وسلوكياته. البيئة الأسرية التي تتسم بالعنف اللفظي أو الجسدي تؤسس لشخصيات تميل إلى العدوانية في مراحل لاحقة من الحياة. الطلاب الذين ينشأون في أسر تعاني من التفكك الأسري أو الصراعات المتكررة بين الوالدين أو الذين تعرضوا للإهمال أو القسوة يكونون أكثر عرضة لسلوكيات عنيفة في الجامعة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الأسرة التي تفتقر إلى الرقابة والتوجيه التربوي قد تنتج أفرادًا غير قادرين على تحمل المسؤولية أو ضبط تصرفاتهم داخل المؤسسات الاجتماعية الكبرى كالمؤسسة الجامعية. كذلك، قد ينتج عن الضغط الزائد من الأسرة لتحقيق نتائج أكاديمية عالية دون مراعاة قدرات وإمكانات الطالب حالة من القلق والإحباط قد تنفجر على شكل عنف تجاه الآخرين.

الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وتأثيرها على العنف الجامعي

من العوامل المؤثرة بقوة في تنامي ظاهرة العنف الجامعي الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تحيط بالطالب. فالوضع الاقتصادي السيئ للأسرة وقلة الموارد المالية تجعل الطالب في حالة دائمة من القلق بشأن مستقبله الدراسي والمهني، ما يولّد حالة من التوتر والاحتقان النفسي الذي قد ينعكس على سلوكه داخل الحرم الجامعي.

كما أن ضعف الفرص المتاحة للتوظيف بعد التخرج يزيد من مشاعر الإحباط ويقود البعض إلى تصريف هذا الإحباط في صورة عنف وعدوانية. بالإضافة إلى ذلك، تعاني بعض المجتمعات من مشكلات في تحقيق العدالة الاجتماعية أو تكافؤ الفرص بين الأفراد، ما يولّد شعورًا بالظلم ويدفع بعض الطلبة إلى التصرف بعنف كوسيلة للتعبير عن غضبهم ورفضهم لهذا الواقع.

أيضًا تلعب الظروف الاجتماعية التي تحيط بالحرم الجامعي مثل انتشار العصبيات المناطقية أو العشائرية أو الطائفية دورًا كبيرًا في إذكاء نار العنف الجامعي، حيث ينخرط الطلبة في صراعات ليس لها علاقة بالجانب الأكاديمي بل تنبع من انتماءاتهم الاجتماعية والجغرافية.

غياب دور المؤسسات التربوية في التوعية ومكافحة العنف

المؤسسات الجامعية نفسها تتحمل جزءًا من المسؤولية في انتشار ظاهرة العنف داخل حرمها، بسبب غياب أو ضعف البرامج التربوية والتثقيفية التي تعزز ثقافة الحوار والتسامح واحترام الآخر. فغالبًا ما يتم التركيز على التحصيل الأكاديمي دون الاهتمام بتنمية المهارات الاجتماعية لدى الطلبة أو ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان وقيم التعايش السلمي.

كذلك، هناك تقصير واضح في تفعيل الأنشطة الطلابية التي يمكن أن توفر للطلبة بيئة صحية للتعبير عن أنفسهم ومواهبهم وإشغال طاقاتهم بشكل إيجابي. عدم وجود قنوات واضحة للطلبة لطرح مشكلاتهم وإيجاد حلول حقيقية لها يدفعهم إلى اللجوء إلى العنف كوسيلة للضغط أو للتعبير عن الغضب.

غياب العقوبات الرادعة والإجراءات التأديبية الصارمة في بعض الجامعات يساهم أيضًا في تفشي هذه الظاهرة، حيث يشعر بعض الطلبة بإفلاتهم من العقاب مما يشجعهم على تكرار السلوكيات العنيفة.

التأثيرات السياسية والإيديولوجية

في العديد من الجامعات، تتداخل الانتماءات السياسية والإيديولوجية للطلبة في الحياة الجامعية اليومية، ما يؤدي إلى صراعات بين المجموعات الطلابية المختلفة، لا سيما إذا ارتبطت هذه الانتماءات بأجندات خارج أسوار الجامعة. الانتماءات الحزبية أو الإيديولوجية المتناقضة قد تؤدي إلى حالة من الاستقطاب الحاد داخل الجامعة، وقد تتطور هذه الصراعات من الخلافات الفكرية إلى مواجهات عنيفة.

في بعض الدول، يتم استغلال الحركات الطلابية من قبل أطراف سياسية لتمرير أجنداتها، ما يعزز حالة التوتر داخل الجامعة ويحولها إلى ساحة صراع سياسي. مثل هذه الممارسات تضعف دور الجامعة كمؤسسة تعليمية وتعرض الطلبة لمخاطر العنف المؤسسي المنظم.

الثقافة المجتمعية وتأصيل العنف

الثقافة المجتمعية تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل السلوكيات العامة بما فيها العنف الجامعي. في بعض المجتمعات، تسود ثقافة تمجد القوة الجسدية وتعتبر اللجوء إلى العنف مؤشرًا على الشجاعة والقدرة على الدفاع عن الحقوق. هذه المفاهيم المغلوطة تنتقل إلى داخل الجامعات، حيث ينظر البعض إلى العنف كأداة لتحقيق العدالة أو فرض الذات.

أيضًا، ضعف ثقافة تقبل الاختلاف واحترام التنوع يؤدي إلى تصاعد النزاعات بين الطلبة، خصوصًا في البيئات الجامعية التي تضم طلبة من خلفيات اجتماعية أو ثقافية متنوعة. عدم وجود ثقافة راسخة للحوار البناء وقبول الرأي الآخر يعزز ميل الطلبة إلى استخدام العنف كبديل للنقاش.

ضعف المهارات الحياتية لدى الطلبة

العديد من الطلبة الجامعيين يعانون من ضعف في المهارات الحياتية الأساسية مثل إدارة المشاعر، ضبط النفس، مهارات التواصل، والتفكير النقدي. غياب هذه المهارات يجعلهم غير قادرين على التعامل مع المواقف الضاغطة أو حل الخلافات بطريقة سلمية، ما يدفعهم إلى اللجوء إلى العنف كخيار سريع لحسم النزاعات.

تُعزى هذه المشكلة إلى القصور في المناهج التعليمية المدرسية التي لا تعطي أهمية كافية لتعليم هذه المهارات في مراحل مبكرة من التعليم. وبالتالي يصل الطالب إلى المرحلة الجامعية وهو يفتقر إلى الأدوات التي تمكنه من التفاعل الاجتماعي السليم.

تأثير الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي

لا يمكن إغفال دور الإعلام التقليدي والجديد في نشر ثقافة العنف بشكل مباشر أو غير مباشر. البرامج التلفزيونية التي تروج للعنف وتقدم صورًا نمطية عن القوة ترتبط غالبًا بالسلوكيات العدوانية لدى الشباب. كما أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة خصبة لتبادل الشتائم والتحريض والتعصب، ما يعزز القيم العنيفة بين الطلبة.

الانتشار السريع للمحتوى العنيف على الإنترنت وقلة الوعي الرقمي لدى الطلبة يسهمان في تقوية النزعة العدوانية لديهم، خصوصًا عندما يتم تمجيد الشخصيات التي تلجأ للعنف أو تصويرهم كأبطال.

الجدول التوضيحي للعوامل المؤدية للعنف الجامعي

تأثير العنف الجامعي على البيئة الأكاديمية

العنف الجامعي لا يؤثر فقط على الأفراد المنخرطين فيه، بل يترك آثارًا سلبية عميقة على البيئة الأكاديمية ككل. ينتج عن العنف الجامعي حالة من فقدان الأمن النفسي داخل الحرم الجامعي، حيث يشعر الطلبة بالخوف وعدم الارتياح، ما يؤدي إلى تراجع التحصيل العلمي وانخفاض مستوى الأداء الأكاديمي.

كما يؤدي العنف إلى تعقيد العلاقات بين مكونات المجتمع الجامعي، ويزرع جوًا من الشك والعداء بين الطلبة وأعضاء هيئة التدريس والإداريين. قد يدفع ذلك بعض الكفاءات الأكاديمية إلى مغادرة الجامعة، كما يُضعف من سمعة المؤسسة التعليمية أمام المجتمع.

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي العنف الجامعي إلى تزايد معدلات التسرب من التعليم الجامعي، حيث يشعر الطلبة غير المنخرطين في العنف بالتهديد المباشر ويبحثون عن بيئات أكثر أمانًا لاستكمال تعليمهم.

النتائج الاجتماعية للعنف الجامعي

تتعدى آثار العنف الجامعي حدود الحرم الأكاديمي لتؤثر في المجتمع ككل. فالتساهل مع هذه الظاهرة يرسخ ثقافة العنف كوسيلة مقبولة لحل النزاعات، مما يسهم في تفشي العنف في مختلف مؤسسات المجتمع. كما أن الطلبة الذين يتخرجون من بيئة جامعية تعاني من العنف غالبًا ما يحملون هذه السلوكيات إلى أماكن عملهم وحياتهم الاجتماعية المستقبلية.

علاوة على ذلك، العنف الجامعي يساهم في تكوين أجيال تعاني من ضعف القدرة على إدارة الخلافات بشكل سلمي، ما يزيد من تعقيد المشهد الاجتماعي ويعمق الانقسامات بين فئات المجتمع المختلفة.

الخلاصة

ظاهرة العنف الجامعي هي نتيجة تداخل معقد لمجموعة من العوامل النفسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية والسياسية التي تتفاعل فيما بينها لتنتج بيئة جامعية مضطربة تفتقر إلى الأمن والاستقرار. لمعالجة هذه الظاهرة لا بد من اتباع سياسات شاملة تشمل التوعية المبكرة، إصلاح البرامج التربوية، تعزيز قيم التسامح والحوار، وتوفير بيئة جامعية داعمة قادرة على استيعاب التنوع الفكري والاجتماعي بين الطلبة. كما يجب على الأسرة، والمؤسسات الإعلامية، والمجتمع المدني، والجهات الحكومية العمل بشكل تكاملي للحد من انتشار هذه الظاهرة وتأمين بيئة تعليمية صحية وآمنة.

المراجع

• ناصر، عادل. “العنف في الجامعات: الأسباب والحلول”، دار الفكر العربي، 2018.

• عبد القادر، مروان. “ظاهرة العنف الجامعي: دراسة ميدانية”، مجلة العلوم الاجتماعية، العدد 22، 2020.