أسباب العصبية وطرق علاجها

أسباب العصبية: فهم شامل للجوانب النفسية والعضوية والسلوكية

تُعد العصبية من الحالات النفسية والسلوكية الشائعة التي يعاني منها الأفراد بدرجات متفاوتة، وتتجلى في صور متعددة مثل التهيج، والانفعال الزائد، وفقدان السيطرة على المشاعر. لا يُمكن اختزال العصبية في سبب واحد، بل هي نتيجة تفاعل معقد بين مجموعة من العوامل البيولوجية، النفسية، الاجتماعية والسلوكية. وفي هذا المقال، سنستعرض بشكل موسع جداً أبرز الأسباب المحتملة للعصبية، مع تحليل علمي مفصل لكل منها، مدعوم بالمفاهيم النفسية والطبية المعاصرة، لتقديم رؤية شاملة لهذا السلوك الانفعالي المعقد.

أولًا: الأسباب البيولوجية للعصبية

1. الاختلالات الهرمونية

تلعب الهرمونات دورًا حيويًا في تنظيم المزاج والانفعالات. أي اضطراب في التوازن الهرموني داخل الجسم قد يؤدي إلى زيادة التوتر العصبي. من أبرز الهرمونات المرتبطة بالعصبية:

2. الاضطرابات العصبية

اضطرابات الجهاز العصبي المركزي مثل الصرع، أو اضطرابات الدماغ العضوية، أو مرض باركنسون، قد ترتبط بتغيرات سلوكية تشمل التهيج وسرعة الانفعال.

3. الأمراض المزمنة والآلام المستمرة

الأفراد المصابون بأمراض مزمنة مثل السكري، مشاكل الغدة الدرقية، أو اضطرابات الجهاز الهضمي غالبًا ما يعانون من ضغط نفسي مستمر ينعكس في صورة عصبية مزمنة. الألم المستمر، خاصة غير المعالج، قد يجعل الشخص في حالة دائمة من التوتر والانزعاج.

4. نقص بعض العناصر الغذائية

بعض المعادن والفيتامينات لها دور كبير في استقرار المزاج:

• المغنيسيوم: نقصه يرتبط بزيادة التوتر.

• فيتامين B12: ضروري لوظيفة الأعصاب، ونقصه يؤدي للعصبية والاكتئاب.

• الحديد: فقر الدم الناجم عن نقص الحديد يسبب تعبًا جسديًا ونفسيًا يعزز من التهيج.

ثانيًا: الأسباب النفسية للعصبية

1. القلق النفسي واضطرابات التوتر

القلق المزمن أو المؤقت يُعد من أقوى العوامل النفسية المؤدية للعصبية. الأفراد القلقون يعانون من حالة تأهب دائم، تجعل ردود فعلهم تجاه المواقف اليومية أكثر حدة وحدة.

2. الاكتئاب

على الرغم من أن الاكتئاب غالبًا ما يُصوّر كحالة من الحزن والخمول، إلا أن كثيرًا من مرضى الاكتئاب يعانون من العصبية كأحد الأعراض البارزة، خصوصًا عند الأطفال والمراهقين.

3. اضطرابات الشخصية

مثل الشخصية الحدّية أو الشخصية النرجسية، والتي تتسم بضعف التحكم في الانفعالات والاندفاعية، مما يؤدي إلى نوبات متكررة من الغضب غير المبرر.

4. الضغوط النفسية غير المعالجة

التعرض المستمر لصعوبات الحياة مثل فقدان العمل، المشكلات الزوجية، أو الخلافات الأسرية، دون وجود وسائل تفريغ نفسي صحي، يؤدي إلى تراكم التوتر النفسي وتفجره في شكل عصبية مفرطة.

ثالثًا: الأسباب السلوكية والبيئية

1. الحرمان من النوم

قلة النوم أو اضطراب نمط النوم يُحدثان خللاً في وظائف الدماغ، وخاصة قشرة الفص الجبهي المسؤولة عن التحكم الانفعالي، مما يؤدي إلى ضعف في ضبط النفس وزيادة التهيج.

2. الإدمان على الأجهزة الذكية

الإفراط في استخدام الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية، خاصة قبل النوم، يؤدي إلى إجهاد عصبي، وانخفاض قدرة الشخص على التواصل الهادئ مع محيطه، مما يرفع من معدلات العصبية.

3. العادات الغذائية السيئة

تناول الأطعمة الغنية بالسكريات والدهون المشبعة بشكل مفرط يؤثر سلبًا على توازن الهرمونات العصبية، كما أن الكافيين الزائد والنيكوتين يزيدان من التحفيز العصبي غير المتوازن.

4. غياب مهارات إدارة الغضب

كثير من الأفراد يفتقرون إلى استراتيجيات ضبط النفس، ولا يمتلكون أدوات التعامل الهادئ مع الضغوط، مما يجعل العصبية ردًّا تلقائيًا متكررًا في حياتهم اليومية.

رابعًا: الأسباب الاجتماعية

1. الضغوط المجتمعية والثقافية

بعض المجتمعات تفرض معايير صارمة تؤدي إلى كبت المشاعر، أو إلى الإحساس بالعجز أو القهر، ما يولّد توترًا داخليًا يتحول لاحقًا إلى انفجارات عصبية.

2. العلاقات الاجتماعية السامة

التفاعل المستمر مع أشخاص سلبيين، أو بيئة عمل تسودها التوترات، أو علاقة زوجية متوترة، يُعد من أبرز العوامل الدافعة للعصبية الدائمة.

3. التمييز والاضطهاد الاجتماعي

الشعور بالإقصاء، أو التمييز العنصري، أو الطبقي، أو أي نوع من الاضطهاد الاجتماعي يولّد حالة من الغضب الداخلي المستمر، يتجلى في شكل عصبية مفرطة عند أدنى استفزاز.

خامسًا: العوامل الوراثية والجينية

تشير الدراسات الحديثة إلى وجود ارتباط وراثي للعصبية والانفعالية الزائدة، حيث وُجد أن بعض الأشخاص يولدون باستعداد عصبي أعلى بسبب تركيبتهم الجينية، وخاصة في الجينات المرتبطة بإفراز الناقلات العصبية مثل السيروتونين والدوبامين.

سادسًا: الأسباب المتعلقة بفترات حياتية معينة

1. المراهقة

فترة المراهقة تُعد من الفترات التي ترتفع فيها العصبية نتيجة للتغيرات الهرمونية، والرغبة في الاستقلال، والصراع الداخلي حول الهوية.

2. فترة الحمل وما بعد الولادة

المرأة الحامل، أو التي في فترة النفاس، قد تعاني من تقلبات هرمونية حادة تؤثر على مزاجها وتزيد من حساسيتها وعصبيتها.

3. سن اليأس

سواء عند الرجال أو النساء، يُعتبر سن اليأس مرحلة حساسة نفسيًا وفسيولوجيًا، حيث تنخفض مستويات بعض الهرمونات بشكل مفاجئ، ما يرفع من معدلات التوتر والتهيج.

سابعًا: تأثير الأدوية والمخدرات

1. بعض الأدوية

مثل أدوية الضغط، وبعض مضادات الاكتئاب، أو المنشطات العصبية، قد يكون لها تأثيرات جانبية تشمل التهيج والعصبية.

2. الانسحاب من الإدمان

التوقف عن تعاطي الكحول، النيكوتين، أو العقاقير المخدرة يؤدي إلى أعراض انسحابية تتضمن العصبية الحادة، وفقدان السيطرة على الانفعال.

ثامنًا: الأسباب المرتبطة بالنشأة والتربية

1. الحرمان العاطفي في الطفولة

الأطفال الذين نشأوا في بيئة أسرية خالية من الدعم العاطفي أو المليئة بالصراخ والعنف، غالبًا ما يطورون أنماطًا سلوكية عصبية في الكبر نتيجة للبرمجة النفسية المبكرة.

2. النمذجة السلوكية السلبية

تعلم العصبية من الأهل أو المحيط، حيث يتعلم الأطفال الرد على الضغوط بنفس الطريقة التي يرونها في الكبار، ويكررونها في مواقفهم الشخصية.

خلاصة تحليلية

العصبية لا تحدث من فراغ، بل هي نتيجة تراكمات بيولوجية، نفسية، اجتماعية، وسلوكية، تتفاعل فيما بينها بشكل معقد. الفهم العميق لأسباب العصبية يشكل الأساس الأولي لإيجاد الحلول الناجعة سواء من خلال العلاج النفسي، أو التغييرات السلوكية، أو المعالجة الطبية. ولا بد من التعامل معها ليس كعرض عابر، بل كإشارة مهمة إلى وجود اضطراب داخلي يستحق التقييم والمعالجة الجادة.

المراجع:

1. American Psychiatric Association. Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-5), 2013.

2. Mayo Clinic Staff. “Irritability: Symptoms, Causes & Treatment.” Mayo Clinic, 2023.