8 أسباب أساسية تقف وراء حالات الطلاق

تُعدّ مؤسسة الزواج من أهم البُنى الاجتماعية التي يقوم عليها تماسك المجتمعات واستقرارها. غير أن هذه المؤسسة لا تسلم من التصدع والانهيار، وقد شهدت العقود الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في نسب الطلاق حول العالم، بما في ذلك الدول العربية، ما أثار قلقًا واسعًا لدى علماء الاجتماع وعلم النفس والمشرعين على حدّ سواء. ومع أن الطلاق يُعدّ حلاً شرعيًا وقانونيًا في حال استحالة استمرار الحياة الزوجية، إلا أن تكرار الظاهرة واتساعها يدفع إلى الوقوف مليًا عند الأسباب العميقة والجذرية التي تؤدي إلى فك الارتباط بين الأزواج.

في هذا المقال الموسّع، نُسلّط الضوء على 8 من أبرز الأسباب التي تقف وراء الطلاق، مع تحليل كل سبب من الناحية الاجتماعية والنفسية، واستعراض ما يُنتج عنه من آثار على الأفراد والمجتمع.

1. سوء التواصل بين الزوجين

التواصل هو حجر الأساس لأي علاقة ناجحة، وفي الزواج تتضاعف أهميته نظرًا لحجم التفاعل اليومي بين الطرفين. عندما يغيب الحوار البنّاء أو يتخذ شكلاً عدائيًا أو ساخرًا أو متجاهلاً لمشاعر الطرف الآخر، تتسع الهوة تدريجيًا، وتبدأ مشاعر الإحباط والانعزال في التسلل إلى العلاقة.

تُظهر الدراسات النفسية أن الكثير من الأزواج الذين ينتهي زواجهم بالطلاق، لم يكونوا يفتقرون للحب بالضرورة، ولكنهم لم يعرفوا كيف يُعبّرون عن مشاعرهم أو يديرون خلافاتهم بشكل سليم. وعندما تصبح الخلافات وسوء الفهم قاعدةً، بدلًا من كونها استثناءً، تتحول العلاقة إلى عبء نفسي يقود في النهاية إلى الانفصال.

2. الخيانة الزوجية

الخيانة تُعد من أقسى الانتهاكات التي يمكن أن يتعرض لها أحد الزوجين، لما تمثله من تدمير للثقة والكرامة والانتماء. تتنوع أشكال الخيانة، من العلاقات العاطفية السرية إلى العلاقات الجسدية، مرورًا بخيانة إلكترونية باتت شائعة في العصر الرقمي. وغالبًا ما تكون الخيانة نتيجة تراكمات سابقة من الإهمال العاطفي أو الشعور بالنقص أو البحث عن اهتمام مفقود.

المجتمعات التي تجرّم الخيانة أو تنبذها اجتماعيًا قد تقل فيها نسبة الجهر بالخيانة، لكنها لا تقل فيها بالضرورة نسب حدوثها. وبمجرد انكشاف الخيانة، يدخل الزواج مرحلة يصعب فيها إصلاح ما تهدّم، ويصبح الطلاق خيارًا يُنظر إليه كتحرير من الألم النفسي المستمر.

3. العنف الأسري

العنف الأسري يُمثل شكلًا خطيرًا من أشكال الانتهاك داخل العلاقة الزوجية، ويأخذ صورًا متعددة تشمل العنف الجسدي، اللفظي، النفسي، والاقتصادي. يتجذر هذا النوع من العنف في أنماط ثقافية وسلوكية تعود في كثير من الأحيان إلى التنشئة الخاطئة أو الاضطرابات النفسية أو ضعف الوازع الديني والأخلاقي.

المرأة هي الضحية الأبرز للعنف الأسري في معظم المجتمعات، ما يؤدي إلى تصدع العلاقة الزوجية، خاصة إذا لم تجد الحماية القانونية أو الاجتماعية الكافية. غير أن الرجال بدورهم قد يكونون عرضة لأنواع من العنف النفسي أو الإذلال اللفظي، وهو ما لا يتم التطرق له كثيرًا. وفي كل الحالات، يُعتبر استمرار العنف مؤشرًا قويًا على فشل العلاقة وغياب الأمان، مما يجعل الطلاق مخرجًا لا مفر منه.

4. الاختلافات القيمية والثقافية

عندما يدخل الزوجان في علاقة زواج، فإنهما لا يتشاركان فقط حياتهما اليومية، بل أيضًا منظومتهما القيمية والفكرية. وفي حال وجود تباينات جوهرية بين الطرفين في النظرة للحياة، للدين، لتربية الأبناء، أو حتى للمال والعمل، فإن احتمال نشوء صدامات متكررة يكون مرتفعًا.

قد لا تظهر هذه التباينات في بداية الزواج، لكنها سرعان ما تطفو على السطح مع مرور الوقت وتفاقم الضغوط الحياتية. وحين يعجز الطرفان عن التوصل إلى توافقات أو حلول وسط، تصبح الحياة المشتركة مستحيلة، ويُصبح الطلاق النتيجة الطبيعية لانعدام الانسجام.

5. الأزمات المالية

الضغوط الاقتصادية تُعد من أكبر التحديات التي تواجه الأسر الحديثة، لا سيما في ظل الارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة، وتقلّب سوق العمل، وضعف الأمان الوظيفي. تؤدي هذه الأوضاع إلى توتر العلاقة الزوجية، خصوصًا إذا لم يكن هناك اتفاق مسبق على طريقة إدارة المال، أو إذا أُضيف إلى الضغوط المادية غياب الشفافية أو التبذير أو الاعتماد الزائد على طرف دون آخر.

المال في ذاته لا يُفسد العلاقة الزوجية، لكن طريقة التعامل معه، وعدم تكافؤ المسؤوليات الاقتصادية، يمكن أن تؤدي إلى شعور أحد الطرفين بالإجحاف أو الاستغلال أو الفشل، وكل ذلك يفتح الباب أمام الانفصال.

6. التدخل المفرط من الأهل

التوازن في العلاقة بين الزوجين وعائلتيهما هو أمر بالغ الحساسية. فعندما يتجاوز الأهل حدودهم ويتدخلون في تفاصيل الحياة اليومية للزوجين، تبدأ المشاكل بالتصاعد. قد يشعر أحد الطرفين بأن شريكه غير مستقل، أو أنه لا يستطيع اتخاذ قراراته الخاصة دون الرجوع إلى أهله، مما يولد شعورًا بالاختناق.

هذا التدخل غالبًا ما يكون بحسن نية، لكنه يتحول مع الوقت إلى عامل هدم للاستقرار الأسري، خاصة عندما ينحاز أحد الزوجين لطرف أهله على حساب شريكه. وفي حال غياب الحزم في وضع حدود واضحة، يصبح الطلاق نتيجة محتملة جدًّا.

7. عدم النضج العاطفي والنفسي

الزواج مسؤولية كبرى، تتطلب نضجًا نفسيًا واستعدادًا لتحمل ضغوط الحياة ومواجهة التحديات. غير أن كثيرًا من الأزواج يدخلون في العلاقة دون وعي كافٍ، أو بدوافع سطحية، مثل الهروب من ضغوط العائلة، أو الانبهار المؤقت بالمظهر أو المكانة.

غياب النضج يتجلّى في ضعف القدرة على الحوار، وسوء إدارة الخلافات، والأنانية، وعدم تفهّم احتياجات الطرف الآخر. ومع تراكم الإحباطات وغياب أدوات التعامل معها، ينهار الزواج تحت وطأة سوء التقدير واللاواقعية في التوقعات.

8. الروتين وفقدان الشغف

تتحول الحياة الزوجية مع مرور الوقت إلى منظومة من المسؤوليات والواجبات اليومية، مما يجعلها عرضة لفقدان الدفء العاطفي والشغف. عندما يغيب عنصر التجديد، وتُهمل العلاقات الحميمة، وتتحول العلاقة إلى مجرد تعايش، يبدأ كل طرف في البحث عن مصادر بديلة للإشباع النفسي.

قد لا يُدرك الزوجان في البداية أن فقدان الشغف هو مؤشر خطير، لكن الإهمال المتواصل لمظاهر الحب والرومانسية يؤدي إلى فتور العلاقة، ويخلق نوعًا من الفراغ العاطفي الذي يهدد أساس الزواج. ومع الوقت، يتحول هذا الفراغ إلى قناعة بعدم جدوى الاستمرار، ويصبح الطلاق خيارًا مطروحًا.

جدول: مقارنة بين الأسباب المباشرة وغير المباشرة للطلاق

الخلاصة

الطلاق ليس نتيجة لحظة عابرة أو خلاف بسيط، بل هو نتاج سلسلة من التفاعلات النفسية والاجتماعية التي تضعف البنية التحتية للزواج تدريجيًا. وقد تختلف الدوافع والظروف من حالة لأخرى، إلا أن القواسم المشتركة بين معظم الحالات تكشف عن غياب المهارات الأساسية لإدارة العلاقة، وافتقار الوعي الحقيقي بمسؤوليات الزواج.

ولأن الطلاق لا يُلقي بظلاله على الزوجين فقط، بل يمتد ليؤثر على الأبناء، والأسرة الممتدة، وحتى بنية المجتمع، فإن من الضروري اعتماد مقاربات وقائية ترتكز على التوعية، والإرشاد الأسري، وتعزيز المهارات الاجتماعية والعاطفية لدى المقبلين على الزواج.

المراجع:

1. Gottman, John M. “The Seven Principles for Making Marriage Work”, Harmony Books.

2. الجمعية الأمريكية لعلم النفس – APA: https://www.apa.org