أسباب السواد حول العين: الأسباب الطبية والفيزيولوجية والعوامل المؤثرة

تُعد الهالات السوداء حول العينين من الظواهر الجمالية والصحية الشائعة التي يعاني منها عدد كبير من الأفراد حول العالم، ولا تقتصر على فئة عمرية أو جنس معين، إذ يمكن أن تظهر لدى الأطفال والبالغين، النساء والرجال على حد سواء. ورغم أن هذه المشكلة لا تُعد خطيرة من الناحية الطبية في معظم الحالات، إلا أنها قد تكون دليلاً على اختلالات فيزيولوجية أو نمط حياة غير صحي، مما يجعلها محط اهتمام في مجالات الطب، والصحة العامة، وعلوم الجلد.

تتميز المنطقة المحيطة بالعينين برقة الجلد فيها، إذ تُعد من أرق مناطق الجلد في الجسم، ما يجعلها أكثر عرضة للتغيّر اللوني وظهور الأوعية الدموية تحتها بشكل واضح. ويظهر السواد حول العينين غالبًا بلون أزرق داكن أو بني، وقد يتفاوت من شخص إلى آخر حسب اللون الطبيعي للبشرة والخلفية الوراثية.

يتطلب فهم أسباب هذه الظاهرة تحليلًا دقيقًا للعوامل المتعددة التي تسهم في ظهورها، سواء كانت مرتبطة بعوامل وراثية أو حالات صحية مزمنة أو ظروف بيئية وسلوكية. وسيتناول هذا المقال تفصيلًا معمقًا للأسباب المباشرة وغير المباشرة للسواد حول العينين، إضافة إلى العوامل المرتبطة بنمط الحياة والتقدم في العمر، مع عرض الجوانب الفيزيولوجية والجلدية ذات العلاقة.

أولًا: الأسباب الوراثية والبنيوية

تُعد العوامل الوراثية من أبرز أسباب ظهور السواد حول العينين. فالأشخاص الذين ينحدرون من عائلات لديها تاريخ في ظهور الهالات السوداء يكونون أكثر عرضة لظهورها، ويرتبط ذلك غالبًا بطبيعة الجلد، ودرجة صبغته، وسمكه. من أهم السمات الوراثية المؤثرة:

• فرط التصبغ الوراثي: بعض الأفراد يمتلكون تراكمًا طبيعيًا لصبغة الميلانين في الطبقات العميقة للجلد حول العين.

• رقة الجلد الوراثية: الجلد الرقيق يسمح بظهور الأوعية الدموية بشكل أوضح، مما يعطي مظهرًا داكنًا.

• التهدل البنيوي أسفل العينين: قد تتسبب البنية التشريحية للوجه في ظهور الظلال التي تساهم في إبراز السواد.

هذه العوامل الوراثية يصعب تغييرها جذريًا، لكنها تُمثل الأساس الذي تتفاقم عليه المشكلات الأخرى مثل الإرهاق أو نقص النوم.

ثانيًا: التغيرات الدموية في الأوعية الدقيقة

الجلد المحيط بالعينين شفاف ورقيق للغاية، مما يجعل الأوعية الدموية تحته مرئية بوضوح، خاصة في حال توسع الشعيرات أو تباطؤ الدورة الدموية. من العوامل المرتبطة بهذه التغيرات:

• الركود الدموي الوريدي: نتيجة قلة النشاط أو الإرهاق المزمن قد يتباطأ تدفق الدم، مما يُحدث تراكمًا مؤقتًا للدم في الشعيرات الدقيقة، ويظهر ذلك عبر الجلد بلون مزرق أو بنفسجي.

• نقص الأوكسجين في الدم: يؤدي إلى تحوّل لون الدم إلى الأزرق الداكن، ما ينعكس في مظهر الجلد تحت العينين.

• الالتهابات المزمنة للجيوب الأنفية: تساهم في زيادة الضغط حول العينين، وتؤثر على الشعيرات الدموية في المنطقة.

ثالثًا: العوامل المرتبطة بنمط الحياة

نمط الحياة اليومي يمكن أن يكون العامل الحاسم في زيادة السواد حول العين، حتى لدى أولئك الذين لا يملكون عوامل وراثية. وتشمل هذه العوامل:

• قلة النوم: النوم غير الكافي أو غير المنتظم يُعد من أكثر الأسباب شيوعًا، حيث يؤدي إلى شحوب الوجه وبروز الأوعية الدموية تحت الجلد.

• التوتر والإجهاد النفسي: يرتبط بالإفراز المفرط لهرمونات مثل الكورتيزول، مما يؤثر على الدورة الدموية ونضارة البشرة.

• التدخين والكحول: يؤديان إلى تضييق الأوعية الدموية وضعف الأكسجة، بالإضافة إلى تسريع شيخوخة الجلد.

• سوء التغذية: نقص الفيتامينات مثل فيتامين K، وفيتامين C، والحديد، يؤثر على صحة الجلد والأوعية الدموية.

• التعرض المستمر للشاشات: إجهاد العينين الناتج عن الجلوس الطويل أمام الحواسيب والهواتف يؤثر على العضلات المحيطة بالعينين ويزيد من احتقان الشعيرات.

رابعًا: الأسباب الطبية والجلدية

توجد العديد من الحالات الطبية التي يمكن أن تكون مسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن ظهور الهالات السوداء، ومن أبرزها:

• الأنيميا (فقر الدم): يُعد نقص الحديد من العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى شحوب الوجه والسواد حول العين.

• أمراض الكبد والكلى: تظهر التغيرات اللونية حول العين كعرض مرافق لمشكلات الكبد المزمنة أو القصور الكلوي.

• أمراض الحساسية المزمنة: مثل التهاب الأنف التحسسي والربو، والتي تؤدي إلى فرك العينين بشكل متكرر، ما يُحدث تصبغًا دائمًا.

• مشكلات الجلد مثل الأكزيما والوردية: تؤثر على ملمس الجلد ولونه وقد تسبب التهابًا مزمنًا في المنطقة المحيطة بالعين.

• احتباس السوائل: يمكن أن يؤدي إلى انتفاخ المنطقة تحت العين وظهور الظلال الداكنة.

خامسًا: التقدم في العمر

مع تقدم الإنسان في السن، تبدأ طبقات الجلد بفقدان مرونتها وكثافتها. ويؤثر ذلك بشكل مباشر على المنطقة المحيطة بالعين من خلال:

• فقدان الكولاجين والإيلاستين: ما يؤدي إلى ترقق الجلد وزيادة شفافيته.

• ضمور الدهون تحت الجلد: يجعل العظام والأوعية أكثر بروزًا.

• تهدل الجفن السفلي: يتسبب في تكون جيوب دهنية تُلقي ظلالًا على الجلد، مما يضاعف من مظهر السواد.

سادسًا: تصبغات ما بعد الالتهاب

يُعاني البعض من تغير لون الجلد بعد التعرض لالتهابات أو إصابات طفيفة في المنطقة المحيطة بالعين، ويُعرف هذا بتصبغات ما بعد الالتهاب. يحدث ذلك نتيجة:

• فرك العينين بعنف أو متكرر: سواء بسبب الحساسية أو التوتر.

• الاستخدام الخاطئ لمستحضرات التجميل: التي تحتوي على مواد كيميائية قوية تسبب تهيج الجلد.

• أشعة الشمس دون حماية: تؤدي إلى تحفيز إنتاج الميلانين، خاصة في البشرة السمراء.

سابعًا: الجدول المقارن للأسباب وفقًا لنوع البشرة والعمر

ثامنًا: الاعتبارات الطبية في التشخيص والتقييم

من المهم التفرقة بين الهالات الناتجة عن تصبغ حقيقي للجلد (زيادة في الميلانين)، وتلك الناتجة عن شفافية الجلد وظهور الأوعية تحته. يُمكن إجراء ذلك عبر الفحص السريري باستخدام أداة تسمى “الضوء المفلور” أو فحص الجلد بالعدسة المكبرة. بعض التقنيات المتقدمة في طب الجلد مثل التصوير الضوئي الرقمي يمكن أن تساهم في تحديد السبب الدقيق للسواد.

غالبًا ما يُطلب تحليل مستويات الحديد، وظائف الكبد، وظائف الكلى، وتقييم للحساسية المزمنة ضمن الفحوص الأولية للأشخاص الذين يعانون من الهالات السوداء بدون سبب ظاهر.

تاسعًا: الممارسات الوقائية والتعديلات النمطية

رغم تعدد الأسباب، فإن تعديل نمط الحياة يُعد من أكثر الإجراءات فاعلية في تقليل السواد حول العينين أو منعه من التفاقم:

• النوم لساعات كافية بانتظام (7-8 ساعات).

• تقليل استهلاك الكافيين والملح.

• استخدام واقي الشمس يوميًا.

• الإقلاع عن التدخين والحد من استهلاك الكحول.

• ترطيب البشرة بانتظام واستخدام كريمات غنية بفيتامين K وC.

• تناول الأغذية الغنية بالحديد ومضادات الأكسدة.

• تجنب فرك العينين، واستخدام الكمادات الباردة لتخفيف الاحتقان الدموي.

عاشرًا: العلاجات الطبية والتجميلية المتاحة

يتم اختيار العلاج حسب السبب الكامن وراء السواد. في حال كان السبب وعائيًا، فإن العلاج يختلف عن التصبغ الجلدي. وتشمل الخيارات:

• كريمات التفتيح الموضعية: التي تحتوي على فيتامين C، الهيدروكينون، النياسيناميد، أو الريتينول.

• الليزر والعلاج الضوئي: فعال في حالات التصبغ العميق والشفافية الجلدية.

• الفيلر (الحقن التجميلية): لتعويض الفقدان الحجمي تحت العين.

• التقشير الكيميائي الخفيف: لإزالة الطبقات السطحية من الجلد.

• العلاج بالأمواج فوق الصوتية: لتنشيط الكولاجين وتحسين مرونة الجلد.

يجب دائمًا إجراء هذه العلاجات تحت إشراف طبيب متخصص في الأمراض الجلدية أو التجميل الطبي، لأن سوء الاستخدام قد يؤدي إلى نتائج عكسية وزيادة التصبغ أو الحساسية.

المراجع العلمية

1. Yosipovitch, G., & Maibach, H. I. (2001). “Skin Blood Flow and Vascular Reactions in Various Dermatoses.” Dermatologic Clinics.

2. Sheth, V. M., & Pandya, A. G. (2011). “Melasma: A Comprehensive Update.” Journal of the American Academy of Dermatology.