أسباب السرقة عند المراهقين

تُعد ظاهرة السرقة بين المراهقين من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تؤثر بشكل مباشر على الفرد والمجتمع على حد سواء. إنها ليست مجرد تصرف غير قانوني فحسب، بل تعبر عن مشكلات أعمق متعلقة بالنمو النفسي والاجتماعي للمراهق. لفهم أسباب السرقة عند هذه الفئة العمرية، لا بد من دراسة عدة عوامل متداخلة تشمل العوامل النفسية، الاجتماعية، الاقتصادية، والثقافية التي تساهم في دفع المراهق نحو هذا السلوك.

المفهوم النفسي للسرقة عند المراهقين

تعد فترة المراهقة مرحلة حرجة في التطور النفسي والاجتماعي للإنسان، إذ يتعرض خلالها الفرد لتغيرات بيولوجية ونفسية عميقة. في هذه المرحلة، يكتسب المراهق هويته الشخصية ويبدأ في البحث عن مكانته داخل الأسرة والمجتمع. أحياناً، يعبر هذا البحث عن الذات عبر سلوكيات غير سوية، ومنها السرقة.

السرقة عند المراهقين قد تكون تعبيراً عن اضطرابات نفسية مثل القلق، الاكتئاب، أو اضطرابات السلوك. في بعض الأحيان تكون وسيلة للتنفيس عن الضغوط النفسية أو للفت الانتباه، خاصة إذا شعر المراهق بالإهمال أو نقص الدعم العاطفي من الأسرة أو البيئة المحيطة.

العوامل الاجتماعية وتأثيرها على السرقة

يلعب المحيط الاجتماعي دوراً محورياً في تشكيل سلوك المراهق، والبيئة التي يعيش فيها يمكن أن تشكل دافعاً أو مانعاً للسرقة. من بين العوامل الاجتماعية التي تؤثر في السلوك الإجرامي للمراهق:

• الضغط من الأقران: تعد مجموعة الأصدقاء من أكثر المؤثرين على سلوك المراهق. قد يدفع الضغط من الأقران بعض المراهقين إلى تقليد سلوكيات غير قانونية، كالسرقة، لتحقيق قبول اجتماعي أو إثبات الذات.

• نموذج الأسرة: وجود أسر غير متماسكة أو تعاني من مشاكل مثل العنف الأسري، الإهمال، أو التفكك يزيد من احتمالية انخراط المراهق في سلوكيات مخالفة للقانون. فالبيئة الأسرية التي تفتقر إلى الرقابة والإشراف تترك المجال للمراهق ليبحث عن وسائل أخرى للتعبير عن نفسه.

• المستوى التعليمي: انخفاض التحصيل الدراسي أو الفشل المدرسي يمكن أن يؤدي إلى إحباط المراهق، مما يدفعه أحياناً إلى الانخراط في سلوكيات منحرفة كنوع من التمرد أو للتعويض عن شعوره بالفشل.

• الفقر والحرمان الاجتماعي: يعد الفقر من أبرز الأسباب التي تدفع المراهق إلى السرقة، إذ يشعر بحاجة ماسة لتلبية رغباته أو متطلبات حياته اليومية. الحرمان من الاحتياجات الأساسية أو من الرغبات الاجتماعية قد يولد شعوراً بالإحباط والعجز، فيلجأ المراهق إلى السرقة كوسيلة لتحقيق ما لا يستطيع الحصول عليه بوسائل مشروعة.

العوامل النفسية وراء السرقة

تتداخل العديد من العوامل النفسية مع تصرفات السرقة عند المراهقين، منها:

• الشعور بالنقص وانخفاض الثقة بالنفس: المراهق الذي يعاني من ضعف في ثقته بنفسه قد يلجأ إلى السرقة كنوع من التحدي لنفسه أو لإثبات قوته وقدرته على السيطرة.

• الرغبة في المغامرة والتجربة: طبيعة المراهقة تميل إلى حب المغامرة والتجريب، والسرقة قد تمثل تحدياً وجسراً لتجربة حدود الحرية والتمرد على القوانين.

• الاضطرابات السلوكية: بعض المراهقين يعانون من اضطرابات مثل اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، أو اضطرابات السلوك التي تدفعهم إلى التصرفات العدوانية والاندفاعية، والتي قد تشمل السرقة.

• الرغبة في الانتباه: يشعر بعض المراهقين بالحاجة إلى لفت الأنظار لهم سواء داخل الأسرة أو المجتمع، وقد تكون السرقة وسيلة لاستثارة ردود فعل قوية من المحيطين.

• العقاب الذاتي: في حالات الاكتئاب أو الاضطرابات النفسية، قد تكون السرقة تصرفاً غير واعٍ للعقاب الذاتي كرد فعل على مشاعر الذنب أو الإحساس بعدم الاستحقاق.

دور الثقافة ووسائل الإعلام في التأثير على السرقة

لا يمكن إغفال دور الثقافة السائدة ووسائل الإعلام في تشكيل تصورات المراهقين حول المال والقيمة الاجتماعية. الإعلام المعاصر أحياناً يعزز فكرة الاستهلاك المفرط والرفاهية المادية كمعيار للنجاح والقبول الاجتماعي، مما يولد ضغطاً على المراهق لتحقيق هذه المعايير مهما كانت الوسائل.

الأفلام، المسلسلات، والألعاب الإلكترونية التي تظهر شخصيات تقوم بأعمال سرقة أو انتهاك القوانين دون عقاب فوري قد تخلق لدى بعض المراهقين انطباعاً خاطئاً بأن هذه التصرفات مقبولة أو تحمل نوعاً من المغامرة المثيرة.

التأثيرات الاقتصادية على سرقة المراهقين

في المجتمعات التي تعاني من تفاوت اقتصادي واضح، يظهر تأثير الحرمان الاقتصادي على السلوكيات غير القانونية عند المراهقين بوضوح. الفقر وعدم القدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية تجعل السرقة خياراً مغرياً أو ضرورة للبقاء، خصوصاً في بيئات تفتقر إلى الدعم الاجتماعي والاقتصادي.

الحرمان الاقتصادي لا يقتصر فقط على الفقر المدقع، بل يشمل أيضاً حالة عدم المساواة في التوزيع والفرص التي تحرم بعض المراهقين من الشعور بالانتماء أو المساواة، فيتولد لديهم شعور بالإحباط يدفعهم إلى اتخاذ سلوكيات تعويضية مثل السرقة.

العوامل الشخصية والسلوكية

تتفاوت دوافع السرقة من مراهق إلى آخر بحسب خصائصه الشخصية وظروفه الخاصة. من أبرز هذه العوامل:

• الشخصية الاندفاعية: المراهقون الذين يتسمون بالاندفاع وقلة السيطرة على النفس أكثر عرضة للقيام بأفعال سرقة دون تفكير مسبق.

• الفضول والتجريب: بعض المراهقين يقومون بالسرقة بدافع الفضول أو التجربة، كجزء من اكتشاف حدودهم الشخصية أو اختبار ردود فعل الآخرين.

• تأثير التجارب السابقة: تعرض المراهق لتجارب سلبية مثل التعنيف أو الفشل المتكرر قد يضعفه نفسياً ويدفعه إلى سلوكيات انحرافية، منها السرقة.

• غياب القدوة الحسنة: نقص وجود نماذج إيجابية يحتذي بها المراهق في محيطه يؤثر بشكل كبير في توجيه سلوكه، وقد يدفعه إلى تقليد سلوكيات سلبية.

جدول يوضح أهم أسباب السرقة عند المراهقين

كيفية الوقاية من ظاهرة السرقة عند المراهقين

تتطلب الوقاية من ظاهرة السرقة نهجاً شاملاً يبدأ من الأسرة، ويمتد إلى المدرسة والمجتمع ككل. توفير بيئة أسرية مستقرة ومترابطة، حيث يشعر المراهق بالحب والدعم، يمثل الدرع الأول ضد الانحرافات السلوكية. كذلك، من الضروري العمل على تعزيز مهارات التواصل بين الأهل والمراهقين، وتوفير الوقت الكافي لهم لسماع مشاكلهم ومساعدتهم على التعامل معها.

المدرسة تلعب دوراً جوهرياً من خلال متابعة تحصيل المراهق وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي. تطوير برامج توعوية وتربوية تسلط الضوء على عواقب السرقة وأهمية القيم الأخلاقية أمر أساسي. على مستوى المجتمع، يجب توفير فرص اقتصادية وتعليمية تضمن للمراهقين شعوراً بالأمل وعدم العجز.

الخلاصة

تتعدد أسباب السرقة عند المراهقين وتشمل جوانب نفسية، اجتماعية، اقتصادية، وثقافية. إنها ليست ظاهرة سطحية بل تعبير عن مشكلات أعمق تتطلب فهمًا دقيقًا وتدخلات شاملة. ضمان بيئة داعمة ومستقرة، وتوفير التوجيه النفسي والاجتماعي، هما السبيلان الرئيسيان للحد من انتشار هذه الظاهرة، مما يحفظ سلامة المراهقين ويعزز استقرار المجتمع.

المصادر:

1. موسوعة علم النفس والتنمية البشرية، د. خالد عبد الرحمن، دار الفكر العربي، 2019.

2. دراسة “السلوك الإجرامي لدى المراهقين: الأسباب والعلاج”، مجلة العلوم الاجتماعية، جامعة القاهرة، 2021.