أسباب الحمى الداخلية

الحمى الداخلية هي حالة طبية تشير إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم عن المعدل الطبيعي، وعادة ما تكون نتيجة لاضطرابات أو أمراض تؤثر على نظام الجسم الداخلي. تختلف أسباب الحمى الداخلية بشكل كبير من حيث طبيعتها وشدتها، وتتراوح بين الأسباب الشائعة المرتبطة بالعدوى إلى حالات مرضية أكثر تعقيدًا تتطلب تدخلًا طبيًا دقيقًا. في هذا المقال، سيتم استعراض الأسباب المختلفة للحمى الداخلية بشكل مفصل، مع التركيز على الأبعاد الطبية والعلمية التي توضح آليات حدوث الحمى، علاقتها بأمراض الجسم المختلفة، وكيفية تقييم الحالة لتحديد السبب بدقة.

مفهوم الحمى الداخلية ودرجة الحرارة الطبيعية للجسم

درجة حرارة الجسم الطبيعية تتراوح عادة بين 36.1 و37.2 درجة مئوية (97-99 درجة فهرنهايت)، وتعتبر الحمى عندما ترتفع درجة الحرارة فوق 38 درجة مئوية (100.4 فهرنهايت). الحمى ليست مرضًا بحد ذاتها، بل هي عرض يشير إلى وجود حالة مرضية داخل الجسم. تحدث الحمى نتيجة لتفاعل معقد بين الجهاز المناعي والجهاز العصبي المركزي، حيث يتم تعديل نقطة ضبط الحرارة في منطقة تحت المهاد في الدماغ، كرد فعل على محفزات مختلفة.

تتمثل أهمية الحمى في كونها آلية دفاعية طبيعية تساعد الجسم على مكافحة العدوى، حيث تؤدي الحرارة المرتفعة إلى تعطيل نمو وتكاثر الكائنات الممرضة، وتنشيط استجابات مناعية محددة. مع ذلك، الحمى المرتفعة جدًا أو المستمرة قد تشير إلى وجود مشاكل صحية خطيرة تحتاج لتشخيص دقيق وعلاج مناسب.

التصنيف العام لأسباب الحمى الداخلية

يمكن تصنيف أسباب الحمى الداخلية إلى مجموعات رئيسية بناءً على طبيعة المرض أو الحالة التي تسببها، وهي:

1. العدوى الميكروبية

2. الأمراض الالتهابية وغير الالتهابية المزمنة

3. الأورام والسرطانات

4. الحالات المناعية الذاتية

5. أسباب أخرى نادرة أو غير معتادة

1. العدوى الميكروبية

تعتبر العدوى أكثر الأسباب شيوعًا للحمى الداخلية، وتشمل:

أ. العدوى البكتيرية

تسبب البكتيريا أنواعًا عديدة من الأمراض التي ترافقها حمى، مثل:

• التهاب الجهاز التنفسي (الالتهاب الرئوي، التهاب الحلق)

• التهاب المسالك البولية

• عدوى الجلد والأنسجة الرخوة

• السل (الذي قد يسبب حمى مزمنة منخفضة الدرجة)

تعمل البكتيريا على تحفيز إنتاج السيتوكينات والبروستاجلاندينات التي ترفع درجة حرارة الجسم.

ب. العدوى الفيروسية

الفيروسات هي مسببات شائعة للحمى، خاصة في الأمراض الموسمية مثل:

• الإنفلونزا

• نزلات البرد

• فيروس كورونا (كوفيد-19)

• الحمى الصفراء والحمى النزفية الفيروسية الأخرى

تسبب الفيروسات استجابة مناعية ترفع درجة الحرارة كجزء من دفاع الجسم.

ج. العدوى الفطرية والطفيليات

على الرغم من ندرتها مقارنة بالبكتيريا والفيروسات، إلا أن بعض الفطريات (مثل الكانديدا) والطفيليات (مثل الملاريا) تسبب حمى داخلية مزمنة أو حادة، وهي غالبًا مرتبطة بحالات ضعف المناعة.

2. الأمراض الالتهابية وغير الالتهابية المزمنة

تلعب الأمراض المزمنة دورًا هامًا في أسباب الحمى الداخلية، ومنها:

أ. الأمراض الالتهابية

• التهاب المفاصل الروماتويدي: وهو مرض مناعي ذاتي يسبب التهابات مزمنة مع ارتفاع في درجات الحرارة.

• الذئبة الحمراء (الذئبة الحمامية الجهازية): تؤدي إلى حمى نتيجة نشاط الالتهاب الشامل.

• التهاب الأوعية الدموية: مثل التهاب الشرايين العملاقة الذي يسبب حمى طويلة الأمد.

ب. الأمراض غير الالتهابية

بعض الأمراض المزمنة مثل أمراض الغدة الدرقية (فرط نشاط الغدة)، أمراض الكبد المزمنة، وأمراض الكلى قد تسبب حمى بسبب اضطرابات في عمليات الأيض أو تجمع السموم.

3. الأورام والسرطانات

الحمى المرتبطة بالأورام غالبًا ما تكون حمى مستمرة أو متكررة، وغالبًا ما تكون مصحوبة بأعراض أخرى مثل فقدان الوزن والتعب. تشمل هذه الأسباب:

• اللوكيميا (سرطان الدم)

• الليمفوما (سرطان الغدد الليمفاوية)

• الأورام الخبيثة الأخرى مثل سرطانات الرئة والكبد

تحدث الحمى في هذه الحالات بسبب إفراز مواد كيميائية من الخلايا السرطانية أو استجابة الجهاز المناعي للورم.

4. الحالات المناعية الذاتية

تسبب الأمراض المناعية الذاتية حمى داخلية نتيجة نشاط غير طبيعي للجهاز المناعي يهاجم أنسجة الجسم نفسه، ومن هذه الحالات:

• متلازمة فاير أو المتلازمات الحمى المتكررة

• أمراض مثل التصلب المتعدد وأمراض الغدة الدرقية المناعية

• أمراض التهاب الأمعاء المزمنة

5. أسباب أخرى نادرة أو غير معتادة

تشمل:

• الحمى مجهولة السبب (FUO): حالات لا يتم فيها تحديد السبب بعد الفحوصات الشاملة، وتحتاج إلى متابعة دقيقة.

• الاضطرابات الهرمونية: مثل فرط نشاط الغدة الكظرية (مرض كوشينغ)

• الأدوية والتفاعلات الدوائية: بعض الأدوية تسبب حمى كعرض جانبي.

• الاضطرابات النفسية: نادرًا ما تسبب بعض الاضطرابات النفسية حمى داخلية.

آلية حدوث الحمى الداخلية

عند تعرض الجسم لمحفزات مثل العدوى أو الالتهاب، يقوم الجهاز المناعي بإطلاق مواد تسمى “البروستاجلاندينات” والتي تؤثر على منطقة تحت المهاد في الدماغ، مما يؤدي إلى رفع نقطة ضبط درجة حرارة الجسم. يتبع ذلك سلسلة من التغيرات الفيزيولوجية مثل:

• انقباض الأوعية الدموية الجلدية للحد من فقدان الحرارة

• زيادة نشاط العضلات (الرعشة) لتوليد الحرارة

• الشعور بالقشعريرة والبرد

• في مراحل لاحقة، يبدأ الجسم في التعرق لتخفيض الحرارة عند تحسن الحالة

تقييم الحمى الداخلية

يبدأ التشخيص بتقييم شامل يشمل:

• التاريخ الطبي الكامل بما في ذلك الأعراض المصاحبة

• الفحص السريري الدقيق

• الفحوصات المخبرية مثل تعداد الدم الكامل، فحوصات الالتهاب (CRP، ESR)، تحليل البول، وزراعة الدم

• التصوير الطبي (الأشعة السينية، التصوير بالرنين المغناطيسي) في الحالات المشكوك بها

• أحيانًا تستدعي الحالة إجراء خزعات أو تنظير لتحديد السبب بدقة

علاج الحمى الداخلية

يعتمد العلاج على السبب الأساسي للحمى، حيث يتم:

• معالجة العدوى بالمضادات الحيوية أو مضادات الفيروسات أو مضادات الفطريات حسب نوع المسبب

• استخدام الأدوية المضادة للالتهاب في حالات الأمراض المزمنة المناعية

• العلاج الكيميائي أو الإشعاعي في حالات الأورام

• تعديل الأدوية أو وقفها في حالات الحمى الدوائية

• تدبير الأعراض مثل استخدام خافضات الحرارة (الباراسيتامول، الإيبوبروفين) لتخفيف الأعراض

جدول يوضح بعض الأسباب الشائعة للحمى الداخلية مع خصائصها

الخلاصة

الحمى الداخلية هي عرض شائع يشير إلى وجود اضطراب داخلي في الجسم، ويعود في أغلب الأحيان إلى عدوى ميكروبية، أمراض التهابية، أو أورام. تتطلب الحمى المتكررة أو المستمرة تقييمًا طبيًا دقيقًا لتحديد السبب الأساسي وبدء العلاج المناسب. كما أنها آلية دفاعية طبيعية يستخدمها الجسم لمحاربة الأمراض، لكنها قد تتحول إلى مؤشر لخطر إذا لم تُعالج أو أُهملت أسبابها. الفهم الدقيق لآليات الحمى والأسباب المحتملة يساعد في تحسين التشخيص والعلاج وتقليل المضاعفات الصحية المحتملة.

المصادر والمراجع

• Harrison’s Principles of Internal Medicine, 20th Edition, 2018

• Fauci et al., Harrison’s, Chapter on Fever and Infection

• Mayo Clinic: Fever (https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/fever/symptoms-causes/syc-20352759)