أسباب التعرق الزائد تحت الإبط

يُعتبر التعرق من العمليات الفسيولوجية الطبيعية التي يقوم بها الجسم لتنظيم درجة حرارته والتخلص من السموم عبر الغدد العرقية. غير أن التعرق الزائد، وبخاصة تحت منطقة الإبط، يمثل مشكلة شائعة ومزعجة تؤثر على جودة حياة الكثيرين، سواء من الناحية الصحية أو الاجتماعية. يعرّف التعرق الزائد طبياً بـ”فرط التعرق” (Hyperhidrosis)، وهو حالة تنتج عن نشاط غير طبيعي في الغدد العرقية، مما يؤدي إلى إفراز كمية أكبر بكثير من العرق مقارنة بما يحتاجه الجسم للحفاظ على درجة حرارته.

في هذا المقال، سنناقش أسباب التعرق الزائد تحت الإبط بشكل موسع ومفصل، مع استعراض العوامل الداخلية والخارجية التي قد تساهم في هذه الحالة، كما سنتناول بعض الجوانب الطبية والعلمية ذات الصلة. يهدف المقال إلى تقديم فهم عميق لموضوع فرط التعرق تحت الإبط، مع الاستناد إلى أحدث الدراسات والبحوث الطبية.

طبيعة التعرق وأهميته

التعرق هو آلية طبيعية ينفذها الجسم عبر الغدد العرقية التي تتوزع في أنحاء الجسم، خاصة في مناطق مثل الإبطين، راحتي اليدين، باطن القدمين، والوجه. يفرز العرق مزيجاً من الماء والأملاح والمعادن، ويعمل على تبريد الجسم عند تبخره من سطح الجلد. الغدد العرقية تنقسم إلى نوعين رئيسيين:

• الغدد العرقية الإفرازية الإكرينية (Eccrine glands): مسؤولة عن إنتاج العرق الذي يبرد الجلد، وتنتشر في جميع أنحاء الجسم.

• الغدد العرقية الإفرازية الأبوكCrينية (Apocrine glands): تتركز في مناطق معينة مثل الإبطين والمنطقة التناسلية، وتنتج سائلاً يحتوي على بروتينات ودهون، ويعتبر مسؤولاً عن الرائحة المميزة للعرق بعد تفاعله مع البكتيريا.

تعريف فرط التعرق تحت الإبط

فرط التعرق تحت الإبط هو حالة تنتج فيها الغدد العرقية الإفرازية الأبوكCrينية والإكرينية إفرازاً مفرطاً للعرق دون ارتباط واضح مع زيادة درجة حرارة الجسم أو النشاط البدني، مما يؤدي إلى معاناة مفرطة من البلل المستمر في منطقة الإبط، ويمكن أن يمتد أثره ليشمل مشاكل نفسية واجتماعية مثل القلق والخجل.

أسباب التعرق الزائد تحت الإبط

تتعدد أسباب التعرق الزائد تحت الإبط، وتختلف بين الأسباب الأولية التي لا ترتبط بمرض معين، والأسباب الثانوية التي تنجم عن حالات صحية أخرى أو عوامل خارجية. يمكن تصنيف الأسباب إلى فئتين رئيسيتين:

1. الأسباب الأولية (فرط التعرق الأولي)

هذا النوع من فرط التعرق لا يرتبط بأي مرض محدد، وهو الأكثر شيوعاً بين المصابين بفرط التعرق تحت الإبط. يمكن تلخيص أهم أسباب هذا النوع فيما يلي:

• العوامل الوراثية: تشير الدراسات إلى وجود ميل وراثي عند بعض الأشخاص لفرط التعرق، حيث يلاحظ أن أفراد العائلة الواحدة يعانون من هذه الحالة. يرتبط هذا بزيادة نشاط الجهاز العصبي الودي المسؤول عن تحفيز الغدد العرقية.

• زيادة نشاط الجهاز العصبي الودي: في هذا النوع، يحدث تحفيز مفرط للأعصاب التي تنشط الغدد العرقية دون سبب واضح، مما يؤدي إلى إفراز العرق بكميات كبيرة.

• التغيرات الهرمونية: قد تحدث تغيرات في نشاط الغدد العرقية تحت تأثير الهرمونات، وخاصة في مرحلة البلوغ أو خلال فترات التوتر النفسي.

• التوتر والضغط النفسي: التعرق الزائد تحت الإبط يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتوتر والقلق، إذ أن الجهاز العصبي الودي يتفاعل مع الضغوط النفسية مما يزيد من إفراز العرق.

• الحرارة والرطوبة: من العوامل المحفزة لزيادة التعرق في هذه المنطقة رغم أن هذه الحالة تميل لأن تكون مستقلة عن الحرارة مقارنة بالتعرق الطبيعي.

2. الأسباب الثانوية (فرط التعرق الثانوي)

في هذا النوع، يكون التعرق الزائد نتيجة لحالة مرضية أخرى أو نتيجة تعرض الجسم لعوامل خارجية معينة. من أبرز هذه الأسباب:

• الأمراض المزمنة: مثل السكري، السمنة، فرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism)، وأمراض القلب والرئة، حيث تؤدي هذه الحالات إلى اضطراب في نظام تنظيم الحرارة أو زيادة نشاط الغدد العرقية.

• الالتهابات: مثل الالتهابات المزمنة أو الحادة التي قد تؤثر على الجهاز العصبي أو تؤدي إلى حمى مزمنة تزيد من نشاط الغدد العرقية.

• الأدوية: هناك بعض الأدوية التي تؤدي إلى فرط التعرق كأثر جانبي، مثل بعض مضادات الاكتئاب، الأدوية الخاصة بخفض ضغط الدم، أو أدوية تنظيم السكر.

• الحمل: التغيرات الهرمونية والجسدية أثناء الحمل تؤدي إلى زيادة نشاط الغدد العرقية.

• انقطاع الطمث: التغيرات الهرمونية التي تصاحب انقطاع الطمث تؤثر على تنظيم حرارة الجسم وتزيد من التعرق.

• الأورام: في حالات نادرة، قد يكون فرط التعرق نتيجة وجود أورام خاصةً أورام الغدد العصبية التي تؤثر على الجهاز العصبي الودي.

العوامل التي تزيد من التعرق تحت الإبط

هناك مجموعة من العوامل التي قد تؤدي إلى تفاقم حالة التعرق الزائد تحت الإبط بغض النظر عن سبب فرط التعرق الأساسي، ومنها:

• استخدام الملابس الصناعية أو غير القابلة للتهوية: حيث تؤدي هذه الملابس إلى حبس الحرارة والرطوبة في منطقة الإبط، مما يزيد من التعرق.

• النظام الغذائي: تناول الأطعمة الحارة، الكافيين، والمشروبات الساخنة يمكن أن يؤدي إلى زيادة نشاط الغدد العرقية.

• التدخين: يؤثر التدخين على الجهاز العصبي الودي، مما قد يزيد من التعرق.

• السمنة: الوزن الزائد يرفع من درجة حرارة الجسم، وبالتالي يزيد من حاجة الجسم للتعرق لتبريد نفسه.

آلية التعرق الزائد تحت الإبط

ينطلق التعرق الزائد تحت الإبط نتيجة نشاط مفرط للجهاز العصبي الودي الذي يرسل إشارات مستمرة إلى الغدد العرقية لزيادة الإفرازات، حتى في غياب الحاجة الفعلية لذلك. الغدد العرقية تحت الإبط أكثر كثافة من باقي أجزاء الجسم، وهذا يفسر كثافة التعرق في هذه المنطقة. كما أن تواجد الغدد الأبوكرينية في الإبط يجعل الرائحة المصاحبة للعرق أكثر وضوحاً في حالات فرط التعرق.

الفرق بين التعرق الطبيعي وفرط التعرق تحت الإبط

طرق التشخيص

يعتمد تشخيص فرط التعرق تحت الإبط على الفحص السريري والتاريخ المرضي للمريض، بالإضافة إلى استخدام بعض الفحوصات المعملية لاستبعاد الأسباب الثانوية مثل اختبارات الغدة الدرقية، فحوصات السكر، وأحياناً تصوير أعصاب محدد.

تُستخدم أيضاً بعض الطرق التقنية مثل اختبار التعرق (Starch-Iodine Test) الذي يحدد مناطق الإفراز المفرط ويُساعد في تقييم الحالة قبل العلاج.

علاج فرط التعرق تحت الإبط

يرتكز علاج فرط التعرق تحت الإبط على السبب، وشدة الحالة، وتأثيرها على حياة المريض. يمكن تقسيم العلاجات إلى:

1. العلاج التحفظي

• مضادات التعرق الطبية: تحتوي على مركبات الألمنيوم التي تساعد على غلق مسام الغدد العرقية مؤقتاً، وهي متوفرة بتركيزات مختلفة.

• تغيير نمط الحياة: ارتداء ملابس قطنية، تجنب الأطعمة الحارة والكافيين، والحفاظ على وزن صحي.

• العلاج النفسي: خاصة في حالات التعرق المرتبط بالتوتر والقلق.

2. العلاجات الدوائية

• الأدوية المضادة للكولين: تقلل نشاط الغدد العرقية لكن لها أعراض جانبية محتملة.

• البوتوكس (Botox): حقن توكسين البوتولينوم في الإبط لإيقاف نشاط الأعصاب المحفزة للغدد العرقية، ويعتبر علاجاً فعالاً مع تأثير يدوم لأشهر.

3. الإجراءات الجراحية

• جراحة إزالة الغدد العرقية: في الحالات الشديدة جداً.

• قطع الأعصاب السمبثاوية (Sympathectomy): إجراء جراحي يعطل الأعصاب التي تنشط الغدد العرقية، لكنه يحمل مخاطر ومضاعفات.

الخلاصة

التعرق الزائد تحت الإبط مشكلة صحية شائعة ذات أسباب متعددة تشمل عوامل وراثية، عصبية، هرمونية، ومرتبطة بأمراض أخرى. فهم هذه الأسباب يساعد في اختيار العلاج الأنسب وتحسين جودة حياة المصابين. التعرق الزائد لا يقتصر على الجانب الجسدي فقط، بل يمتد تأثيره إلى النواحي النفسية والاجتماعية، مما يجعل التعامل معه علاجياً ونفسياً أمراً ضرورياً. يواصل البحث الطبي تطوير طرق علاج أكثر أماناً وفعالية لمواجهة هذه الحالة، مع التركيز على تحقيق راحة المريض وتقليل الأعراض إلى أقصى حد ممكن.

المصادر والمراجع

• Mayo Clinic. Hyperhidrosis (Excessive Sweating). https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/hyperhidrosis/symptoms-causes/syc-20367152

• Cleveland Clinic. Hyperhidrosis: Excessive Sweating Causes & Treatments. https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/16927-hyperhidrosis