أسباب الإغماء عند سحب الدم

لماذا يغمى على البعض عند سحب الدم؟

يعد شعور البعض بالإغماء أو الدوار عند سحب الدم من أكثر الظواهر شيوعاً في البيئات الطبية. ورغم أنه قد يكون مفاجئاً للبعض، إلا أن هذه الظاهرة ليست غريبة أو نادرة، بل هي استجابة جسدية قد تكون مدفوعة بعوامل عدة، تتراوح بين النفسية والجسدية. في هذا المقال، سنتناول هذه الظاهرة بالتفصيل، مع توضيح أسبابها والعوامل المؤثرة فيها، بالإضافة إلى طرق الوقاية والتعامل معها.

1. التفاعل الجسدي مع عملية سحب الدم

تتسبب عملية سحب الدم في بعض التفاعلات الجسدية التي قد تؤدي إلى الإغماء. أحد أهم الأسباب لذلك هو تأثير عملية سحب الدم على الجهاز العصبي. عندما يتم إدخال الإبرة في الوريد لسحب الدم، يتم تحفيز بعض الأعصاب الحساسة في الجسم التي قد تؤدي إلى استجابة جسدية قوية، مثل انخفاض ضغط الدم. في بعض الحالات، قد يؤدي هذا إلى فقدان مؤقت للوعي.

2. انخفاض ضغط الدم (إغماء فزع الدم)

من الأسباب الرئيسية التي تفسر الإغماء أثناء سحب الدم هو انخفاض مفاجئ في ضغط الدم. هذا يحدث عادة بسبب الاستجابة غير الطبيعية للجهاز العصبي الودي، والذي يتحكم في استجابة الجسم للتوتر. عندما يرى الشخص الدم أو يشعر بألم عند سحب الدم، قد يفرز الجسم كمية أكبر من هرمونات مثل الأدرينالين، مما يؤدي إلى زيادة مؤقتة في معدلات ضربات القلب. ومع ذلك، إذا كان الشخص يعاني من انخفاض ضغط الدم، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإغماء.

تسمى هذه الظاهرة “إغماء فزع الدم” (Vasovagal Syncope)، وهي أكثر شيوعاً من التفاعلات الأخرى المرتبطة بالإغماء. يتمثل ذلك في استجابة جسمية يكون فيها الشخص حساساً للغاية تجاه الألم أو التوتر الناتج عن رؤية الدم أو التفاعل مع الإبرة. يؤدي ذلك إلى تمدد الأوعية الدموية في الجسم، مما يسبب انخفاضًا مفاجئًا في ضغط الدم ويسبب الدوار أو الإغماء.

3. القلق والخوف النفسي

قد تكون العوامل النفسية أحد الأسباب الرئيسية لإغماء البعض عند سحب الدم. إن الخوف أو القلق من الإبر، أو حتى مجرد فكرة سحب الدم، قد تؤدي إلى استجابة جسدية قوية. هذا النوع من الخوف يمكن أن يؤدي إلى تسارع في ضربات القلب، وضيق في التنفس، مما يؤدي في النهاية إلى الإغماء.

القلق يعزز من إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، التي بدورها تؤدي إلى تغييرات في النظام العصبي اللاإرادي. في بعض الحالات، قد تؤدي هذه التغييرات إلى دوار أو شعور بالضعف الذي ينتهي بالإغماء. الأشخاص الذين يعانون من الرهاب من الدم أو الإبر هم أكثر عرضة لهذا النوع من التفاعل.

4. أسباب فسيولوجية أخرى

بعض الحالات الصحية قد تكون عاملاً مهماً في حدوث الإغماء عند سحب الدم. على سبيل المثال، الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الدورة الدموية، مثل انخفاض ضغط الدم المزمن أو نقص تروية الأعضاء، قد يكونون أكثر عرضة للإغماء عند سحب الدم. كما أن بعض الأمراض المزمنة مثل السكري أو فقر الدم قد تؤدي إلى تفاعلات غير معتادة أثناء سحب الدم.

في حالات معينة، قد يعاني الأشخاص من عدم استقرار في مستويات السكر في الدم أو اضطراب في توازن السوائل، مما يزيد من احتمالية حدوث الإغماء. من الممكن أيضاً أن يكون ذلك ناتجاً عن نقص التغذية أو حالة من الجفاف، حيث تؤدي هذه العوامل إلى ضعف الدورة الدموية.

5. تأثير الإبرة على الجسم

من العوامل الأخرى التي يمكن أن تساهم في الإغماء هي مجرد وجود الإبرة في الجسم. عملية إدخال الإبرة في الوريد أو العرق قد تؤدي إلى تفاعل جسدي يتسبب في إطلاق مواد كيميائية معينة تؤدي إلى تغيرات في الأوعية الدموية والضغط الدموي. بعض الأشخاص قد يتفاعلون بشكل زائد مع هذه العملية، مما يؤدي إلى الدوار أو الإغماء.

في بعض الحالات النادرة، قد تحدث استجابة جسمية غير طبيعية تجاه الإبرة نفسها، مما يؤدي إلى رد فعل مناعي يتسبب في اضطرابات مؤقتة في الأوعية الدموية.

6. التأثيرات النفسية المرتبطة بالرؤية

إن مجرد رؤية الدم يمكن أن تكون سببًا في الإغماء لدى بعض الأفراد. يرتبط هذا بشكل أساسي بالجهاز العصبي المركزي، حيث يؤثر مشهد الدم على الأعصاب، مما يؤدي إلى استجابة متزايدة تؤدي إلى توسع الأوعية الدموية في الجسم. هذا التوسع يؤدي إلى تدفق الدم بشكل أقل إلى الدماغ، وبالتالي يسبب الإغماء.

7. العوامل الوراثية والاستعداد الشخصي

قد يكون لدى بعض الأشخاص استعداد وراثي للإغماء عند سحب الدم، ويعود ذلك إلى كيفية تعامل الجهاز العصبي لديهم مع التوتر أو الألم. الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من الإغماء قد يكونون أكثر عرضة لهذه الظاهرة. في هذه الحالات، قد تكون الاستجابة المبالغ فيها للمثيرات مثل الألم أو الخوف من الدم أو الإبرة نتيجة لجينات معينة تؤثر على كيفية استجابة الجسم لمثل هذه المواقف.

8. إجراءات الوقاية والعلاج

يعد فهم سبب الإغماء خطوة مهمة نحو الوقاية منه. هناك العديد من الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتقليل خطر حدوث الإغماء أثناء سحب الدم:

• التحدث مع الطبيب أو الممرضة: إذا كان الشخص يعاني من خوف أو قلق مفرط، ينبغي عليه التحدث مع مقدم الرعاية الصحية مسبقًا. قد يوفر الطبيب تقنيات للتهدئة أو يقوم بتطبيق إجراءات معينة لتقليل الإحساس بالألم أو التوتر.

• التنفس العميق والاسترخاء: يمكن أن يساعد التنفس العميق والاسترخاء في تقليل القلق والخوف قبل وأثناء سحب الدم. يساعد التنفس ببطء في زيادة تدفق الأوكسجين إلى الدماغ وتقليل خطر الإغماء.

• الجلوس أو الاستلقاء: من الأفضل أن يكون الشخص جالسًا أو مستلقيًا أثناء سحب الدم، خاصة إذا كان قد تعرض للإغماء في الماضي. يمكن أن يقلل ذلك من خطر سقوط الشخص أو تعرضه لإصابات.

• الإكثار من شرب السوائل: يمكن أن يساعد الحفاظ على الترطيب الجيد قبل سحب الدم في تقليل فرص حدوث الإغماء، حيث يسهل على الجسم التعامل مع التغيرات في ضغط الدم والتمثيل الغذائي.

9. الخاتمة

تعد ظاهرة الإغماء أثناء سحب الدم نتيجة لتفاعل معقد بين العوامل الجسدية والنفسية. على الرغم من أنها قد تكون مزعجة أو مقلقة للبعض، إلا أنها في الغالب ليست حالة خطيرة ويمكن التعامل معها بسهولة من خلال تطبيق بعض الإجراءات الوقائية البسيطة. فالفهم العميق لأسباب هذه الظاهرة يساعد الأفراد على التحكم في مشاعرهم وتوقع ما يمكن أن يحدث، وبالتالي يمكن تقليل المخاوف المرتبطة بها.