حواء أكثر تعرضاً للأرق.. لماذا؟
الأرق هو أحد أكثر الاضطرابات الشائعة التي تؤثر على الناس حول العالم، حيث يعاني الكثيرون من صعوبة في النوم أو من الاستيقاظ المتكرر أثناء الليل. رغم أن الأرق يمكن أن يؤثر على أي شخص بغض النظر عن الجنس أو العمر، إلا أن الدراسات أظهرت أن النساء، أو “حواء”، هن أكثر عرضة للإصابة بالأرق مقارنة بالرجال. لهذا الموضوع عدة أسباب تتراوح بين البيولوجية والنفسية والاجتماعية، وقد يعكس فهمها بشكل عميق تأثيرات معقدة تؤثر في النوم وجودته لدى النساء.
العوامل البيولوجية:
1. التغيرات الهرمونية:
أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل النساء أكثر عرضة للأرق هو التغيرات الهرمونية التي تحدث طوال مراحل حياتهن. خلال الدورة الشهرية، يحدث تغير كبير في مستويات الهرمونات مثل الإستروجين والبروجستيرون. هذه التغيرات قد تؤدي إلى مشاعر من القلق والتوتر، وبالتالي صعوبة في النوم.
خلال مرحلة الحمل، تُواجه المرأة مزيدًا من التغيرات الهرمونية التي تزيد من صعوبة النوم. زيادة حجم البطن، وكذلك التغيرات في الضغط على الأعضاء الداخلية، قد تؤدي إلى القلق الجسدي، مما يساهم في الأرق. بالإضافة إلى ذلك، يعاني بعض النساء من زيادة الحاجة للتبول في الليل، وهو ما يعكر صفو النوم.
ومع الدخول في مرحلة انقطاع الطمث، يحدث انخفاض حاد في مستويات الإستروجين، مما يؤدي إلى انخفاض القدرة على النوم العميق، حيث تصاب العديد من النساء “بالهبات الساخنة” التي تؤدي إلى الاستيقاظ المفاجئ خلال الليل. هذه الاضطرابات الهرمونية يمكن أن تستمر لعدة سنوات بعد انقطاع الطمث، مما يفاقم مشكلة الأرق لدى النساء.
2. التغيرات في النوم مع تقدم العمر:
تجد النساء أن نوعية نومهن تتغير مع تقدم العمر. حيث أنهن مع مرور الوقت يواجهن تراجعًا في مراحل النوم العميق (النوم الريمي)، وهذا يقلل من الراحة التي يحصلن عليها أثناء الليل. مع دخول النساء إلى مراحل عمرية متقدمة، يزداد تواتر الاستيقاظ ليلاً مما يجعل النوم غير منتظم ومتقطع.
العوامل النفسية:
1. الضغوط النفسية والمشاعر المكبوتة:
تعاني النساء بشكل عام من مستويات أعلى من الضغوط النفسية المرتبطة بالمشاعر المختلفة كالحزن، والقلق، والاضطرابات العاطفية. وتظهر الدراسات أن النساء يعانين من مستويات أعلى من القلق والاكتئاب مقارنة بالرجال، وهذه المشاعر مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمشاكل النوم. الضغوط النفسية، سواء كانت متعلقة بالعمل أو بالعلاقات الشخصية أو بالحياة العائلية، يمكن أن تؤدي إلى صعوبة في النوم، إذ يصبح العقل مشغولًا بالأفكار مما يمنع الجسم من الاسترخاء بشكل كافٍ.
2. الاكتئاب والقلق:
الاكتئاب والقلق هما من أكثر الاضطرابات النفسية التي تؤثر في النساء وتساهم في مشاكل النوم. النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب مقارنة بالرجال، وتشير الدراسات إلى أن الأرق هو أحد الأعراض الشائعة للاكتئاب. كذلك، يعد القلق من العوامل التي تساهم في صعوبة الخلود إلى النوم. في الكثير من الأحيان، تجد النساء أنفسهن يقضين الليل في التفكير في المشاكل والهموم، مما يزيد من صعوبة الاسترخاء.
العوامل الاجتماعية:
1. الأدوار الاجتماعية والأعباء المزدوجة:
النساء غالبًا ما يتحملن أعباء متعددة في حياتهن اليومية. من خلال التوقعات المجتمعية التقليدية، يتحملن مسؤوليات العناية بالأسرة والعمل. وتُعتبر هذه الأعباء المزدوجة عاملاً رئيسياً يساهم في الضغط النفسي ويؤدي إلى الأرق. حيث يزداد الضغط على النساء بسبب العمل خارج المنزل ومهام العناية بالمنزل، والأطفال، وتلبية احتياجات الأزواج. هذه المسؤوليات قد تمنعهن من الحصول على وقت كافٍ للراحة، مما يؤدي إلى اضطراب نومهن.
2. القلق المرتبط بالمظهر والضغوط الاجتماعية:
تواجه النساء ضغوطًا اجتماعية متزايدة متعلقة بالمظهر الجسدي والمكانة الاجتماعية. يتعرضن لضغوط كبيرة من وسائل الإعلام ومن معايير الجمال السائدة في المجتمع، مما قد يسبب قلقًا نفسيًا يؤثر على جودة النوم. زيادة القلق بشأن شكل الجسم، الوزن، والشباب يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات نفسية تسهم في الأرق.
العوامل الصحية:
1. الحالات الصحية المزمنة:
تعاني النساء بشكل عام من حالات صحية مزمنة أكثر من الرجال، مثل مشاكل الغدة الدرقية، والسكري، وأمراض القلب. هذه الحالات يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات في النوم. على سبيل المثال، يمكن أن تؤثر الاضطرابات الهرمونية في الغدة الدرقية على النوم، بينما تؤدي الحالات مثل السكري إلى تقلبات في مستوى السكر في الدم، ما قد يتسبب في الاستيقاظ المتكرر أثناء الليل.
2. الآلام المزمنة:
تشير الدراسات إلى أن النساء يعانين بشكل أكبر من آلام مزمنة مثل آلام الظهر، والتهاب المفاصل، والصداع النصفي، وهي عوامل تعيق النوم. في حالات الألم المزمن، يصبح من الصعب على الشخص أن ينام براحة، حيث يبقى الجسم متوترًا ويستمر الشعور بعدم الراحة أثناء الليل.
3. استخدام الأدوية:
تتعامل العديد من النساء مع مشاكل صحية تتطلب تناول أدوية، مثل أدوية الضغط أو الأدوية المهدئة، التي قد تؤثر بدورها على نومهن. بعض الأدوية تؤدي إلى تأثيرات جانبية تتعلق بالأرق أو النوم غير المتواصل، مما يفاقم من المشكلة.
العوامل السلوكية:
1. العادات اليومية والنمط الحياتي:
العادات اليومية التي تتبعها النساء قد تسهم أيضًا في الأرق. الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، مثل الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية قبل النوم، قد يؤدي إلى اضطراب النوم. الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يمكن أن يثبط إفراز هرمون الميلاتونين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم دورة النوم.
كما أن النساء اللواتي يعملن ساعات طويلة أو يعشن نمط حياة مليء بالأنشطة قد يواجهن صعوبة في التكيف مع نمط نوم منتظم، خاصة إذا كان العمل يتطلب مناوبات ليلية أو سفرًا متكررًا.
التأثيرات المتعددة للأرق على الحياة اليومية:
للأرق تأثيرات سلبية متعددة على الحياة اليومية، حيث تؤثر قلة النوم على الأداء العقلي والجسدي. يمكن أن يؤدي قلة النوم إلى ضعف التركيز، وزيادة معدلات التوتر، والاكتئاب، وضعف الذاكرة. كما أن نقص النوم يزيد من احتمالية التعرض للأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والسكتات الدماغية وارتفاع ضغط الدم.
التعامل مع الأرق:
على الرغم من التحديات العديدة التي تواجهها النساء في مواجهة الأرق، إلا أن هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد في تحسين النوم. من بين هذه الاستراتيجيات تحسين العادات اليومية مثل ممارسة الرياضة بانتظام، وتجنب الكافيين في المساء، والحفاظ على بيئة نوم هادئة ومريحة. كما يمكن أن تكون الاستشارة النفسية أو العلاج السلوكي المعرفي مفيدًا في علاج الأرق المرتبط بالقلق والاكتئاب.
في الختام، يظل الأرق من القضايا المعقدة التي تؤثر على نوعية حياة العديد من النساء حول العالم. وبتفهم الأسباب البيولوجية والنفسية والاجتماعية التي تساهم في هذه المشكلة، يمكن اتخاذ الخطوات المناسبة لتحسين جودة النوم وتخفيف معاناتهن.
