أسباب اضطرابات النوم

أسباب اضطرابات النوم

تُعد اضطرابات النوم من أكثر المشكلات الصحية شيوعًا وتعقيدًا في العصر الحديث، وتؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة النفسية والجسدية للأفراد. وتتجلى هذه الاضطرابات في صور متعددة تشمل صعوبة النوم، الاستيقاظ المتكرر خلال الليل، النوم غير المريح، الكوابيس، المشي أثناء النوم، النوم المفرط، الأرق المزمن، وانقطاع النفس النومي، وغيرها من الحالات التي تؤدي إلى تدهور نوعية النوم وكفاءته.

تشير الدراسات الحديثة إلى أن اضطرابات النوم لم تعد حكرًا على فئة عمرية معينة، بل باتت تصيب الأطفال والبالغين وكبار السن على حد سواء، مما يجعل من الضروري فهم الأسباب المعقدة الكامنة وراء هذه الظاهرة. ويُعزى ذلك إلى عوامل متعددة تتداخل فيها الجوانب النفسية والعضوية والاجتماعية والسلوكية والبيئية.

فيما يلي تحليل شامل وموسع لأهم الأسباب المؤدية إلى اضطرابات النوم، مدعوم بأحدث ما توصل إليه الطب وعلم النفس وعلوم الأعصاب.

أولاً: الأسباب النفسية

1. القلق النفسي

يُعتبر القلق واحداً من أبرز المسببات لاضطرابات النوم، حيث يؤدي النشاط الذهني المفرط والتفكير المستمر في المشكلات اليومية أو المستقبلية إلى صعوبة في الدخول في مرحلة النوم العميق. وتؤدي نوبات القلق الليلي إلى تسارع ضربات القلب وزيادة التوتر العضلي مما يُبقي الشخص في حالة من التيقظ المستمر.

2. الاكتئاب

يرتبط الاكتئاب ارتباطًا وثيقًا بالأرق المزمن واضطرابات إيقاع النوم. ففي كثير من الحالات، يُعاني المصابون بالاكتئاب من الاستيقاظ المبكر دون القدرة على العودة للنوم أو الدخول في نوم متقطع وغير مريح.

3. اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

الأشخاص الذين مروا بتجارب صادمة قد يُعانون من كوابيس متكررة واضطرابات في بنية النوم، بسبب النشاط المفرط في الجهاز العصبي المرتبط بالاستجابة للخطر حتى أثناء الراحة الليلية.

4. التوتر والإجهاد اليومي

الضغط النفسي الناتج عن العمل أو العلاقات أو المشكلات المالية يمكن أن يؤدي إلى اضطراب في إفراز الهرمونات المرتبطة بالنوم مثل الميلاتونين والكورتيزول، مما يُعكر الإيقاع الطبيعي للنوم.

ثانياً: الأسباب العضوية والطبية

1. أمراض الغدة الدرقية

فرط نشاط الغدة الدرقية يؤدي إلى تسارع العمليات الأيضية في الجسم وزيادة مستوى النشاط العصبي، مما يُصعّب على المصاب الاسترخاء والنوم بسهولة.

2. آلام مزمنة

الأشخاص المصابون بأمراض مزمنة مثل التهاب المفاصل، أو الانزلاق الغضروفي، أو التهابات الأعصاب، يعانون من آلام مزعجة تعيق النوم أو تؤدي إلى الاستيقاظ المتكرر أثناء الليل.

3. اضطرابات التنفس أثناء النوم

ومن أبرزها انقطاع النفس الانسدادي النومي (OSA) الذي يؤدي إلى انسداد مجرى التنفس أثناء النوم، مما يُسبب استيقاظًا مفاجئًا متكررًا دون وعي كامل. تؤثر هذه الحالة على تشبع الدم بالأوكسجين وتُضعف القدرة على الدخول في مراحل النوم العميق.

4. مشاكل الجهاز الهضمي

الارتجاع المعدي المريئي واضطرابات القولون العصبي يمكن أن تتسبب في شعور بعدم الراحة أثناء النوم، خاصة عند الاستلقاء.

5. اضطرابات الجهاز العصبي

بعض الاضطرابات العصبية مثل داء باركنسون، التصلب المتعدد، ومتلازمة تململ الساقين، قد تسبب مشاكل كبيرة في النوم نتيجة النشاط الحركي اللاإرادي أو الألم أو الاضطراب في الدورة العصبية للراحة.

ثالثاً: الأسباب السلوكية والعادات اليومية

1. التعرض للإضاءة الاصطناعية

التعرض للضوء الأزرق الصادر عن الشاشات الإلكترونية قبل النوم يؤدي إلى تثبيط إنتاج الميلاتونين، الهرمون الرئيسي المنظم لدورة النوم والاستيقاظ. وهذا يؤدي إلى تأخير بداية النوم واضطرابه.

2. عدم انتظام مواعيد النوم

الاستيقاظ والنوم في أوقات متغيرة باستمرار يؤدي إلى خلل في الساعة البيولوجية للجسم، مما ينعكس سلبًا على جودة النوم.

3. الإفراط في تناول الكافيين

المشروبات المحتوية على الكافيين مثل القهوة والشاي ومشروبات الطاقة تُثبط عمل الأدينوزين، المادة المسؤولة عن تعزيز النعاس، مما يؤدي إلى صعوبة في النوم أو تقطع في النوم الليلي.

4. تناول الطعام قبل النوم مباشرة

تناول وجبات ثقيلة قبل النوم يؤدي إلى تنشيط عمليات الهضم، مما يُسبب حرقة أو انتفاخًا ويؤثر على القدرة على الاسترخاء.

5. قلة النشاط البدني

النشاط الجسدي المعتدل المنتظم يساعد على تعزيز النوم العميق، بينما تؤدي الحياة الخاملة إلى انخفاض جودة النوم وتأخير الدخول في مراحل النوم المهمة.

رابعاً: الأسباب البيئية

1. الضوضاء

الضوضاء الليلية، سواء من الشوارع أو من داخل المنزل، تُعد من المسببات الشائعة للاستيقاظ المتكرر أثناء الليل أو صعوبة بدء النوم.

2. درجات الحرارة غير المناسبة

الحرارة المرتفعة أو البرودة الشديدة تؤدي إلى عدم ارتياح بدني وتُسبب تقطع النوم. البيئة المثالية للنوم تتطلب حرارة معتدلة، تهوية مناسبة، وسرير مريح.

3. الإضاءة المفرطة

حتى الضوء البسيط قد يُؤثر سلبًا على إفراز الميلاتونين، وخصوصًا لدى الأفراد الحساسين للإضاءة أثناء النوم.

خامساً: الأسباب الدوائية والمواد الكيميائية

1. الأدوية المنبهة

بعض أدوية علاج الاكتئاب، أو الأدوية المنشطة، أو مضادات الاحتقان، تحتوي على مواد تؤثر على الجهاز العصبي المركزي وتُعيق القدرة على النوم.

2. المخدرات والمنشطات

تعاطي بعض المواد مثل الكوكايين، الأمفيتامين، النيكوتين، والكحول يُحدث تغيرات في كيمياء الدماغ ويُؤدي إلى اضطرابات خطيرة في النوم.

3. الانسحاب من الأدوية أو المواد

توقف الجسم عن الاعتياد على مادة ما بعد استخدامها لفترة طويلة قد يؤدي إلى أعراض انسحابية تشمل الأرق الحاد واضطرابات في نمط النوم.

سادساً: العوامل الهرمونية والفسيولوجية

1. التغيرات الهرمونية لدى النساء

الحيض، الحمل، وسن اليأس كلها مراحل تترافق مع تغيرات هرمونية تُؤثر على نوعية النوم، بما في ذلك التعرق الليلي، تقلبات المزاج، وألم البطن أو الظهر.

2. تغير الإيقاع البيولوجي

الأشخاص الذين يعملون بنظام المناوبات أو يسافرون باستمرار عبر مناطق زمنية مختلفة يعانون من اضطرابات الساعة البيولوجية (Jet Lag) مما يؤدي إلى صعوبة كبيرة في النوم أو الاستيقاظ.

سابعاً: اضطرابات النوم الأولية

1. الأرق المزمن

يُعرف على أنه صعوبة مستمرة في الدخول في النوم أو الاستمرار فيه، وغالبًا ما يكون دون سبب عضوي واضح، ويستمر لفترة طويلة (أكثر من 3 أشهر).

2. النوم القهري (Narcolepsy)

اضطراب عصبي يُسبب نوبات نوم مفاجئة وغير متوقعة خلال النهار، مما يؤدي إلى اضطراب كبير في دورة النوم الطبيعية.

3. السير أثناء النوم

يحدث عادة في مرحلة النوم العميق، ويُعد من الاضطرابات الحركية المرتبطة بالنوم، ويؤثر على السلامة الشخصية والنفسية للفرد.

4. متلازمة تململ الساقين

حالة مزعجة يشعر فيها الشخص بحاجة ملحة لتحريك ساقيه أثناء الراحة، وغالبًا ما تتفاقم عند محاولة النوم.

جدول لأبرز أسباب اضطرابات النوم وتأثيرها:

المراجع

1. American Academy of Sleep Medicine. International Classification of Sleep Disorders – Third Edition (ICSD-3). Darien, IL: AASM; 2014.

2. National Institute of Neurological Disorders and Stroke. Brain Basics: Understanding Sleep. U.S. Department of Health and Human Services.