أسباب لزوجة الدم: نظرة علمية شاملة

تُعد لزوجة الدم (Blood Viscosity) من الخصائص الفيزيائية الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على وظائف الدورة الدموية وصحة الأوعية الدموية والقلب. تشير لزوجة الدم إلى مقاومة الدم للتدفق، وتُقاس بوحدات الديناميكا اللزوجية، حيث كلما ارتفعت اللزوجة، زادت صعوبة ضخ الدم في الجسم، مما يضع عبئًا أكبر على القلب والأوعية الدموية. تختلف لزوجة الدم من شخص إلى آخر بناءً على مجموعة من العوامل الفسيولوجية والمرضية، وتلعب دورًا حاسمًا في أمراض القلب والأوعية الدموية، الجلطات، واضطرابات الدورة الدموية.

في هذا المقال، سيتم تناول العوامل المختلفة التي تؤدي إلى ارتفاع أو انخفاض لزوجة الدم، وكيفية تأثير هذه العوامل على صحة الإنسان، مع التركيز على الجوانب البيولوجية، والمرَضية، والغذائية، والدوائية، والبيئية، مع الاستشهاد بأهم الأبحاث والمراجع العلمية المتخصصة في هذا المجال.

أولاً: التعريف العلمي للزوجة الدم

اللزوجة هي مقياس مقاومة السائل للتدفق، وتُعزى في الدم إلى مكونات البلازما، وعدد الخلايا الدموية، ودرجة حرارة الجسم. تقسم لزوجة الدم إلى نوعين:

• اللزوجة الكلية (Whole Blood Viscosity): وهي مقاومة الدم الكامل، وتشمل البلازما وخلايا الدم.

• لزوجة البلازما (Plasma Viscosity): وهي مقاومة مكون البلازما فقط، وتكون عادة أقل من لزوجة الدم الكاملة.

تعتمد لزوجة الدم على عدة عوامل منها:

• تركيز الهيماتوكريت (نسبة خلايا الدم إلى حجم الدم الكلي).

• تركيز البروتينات مثل الفيبرينوجين والجلوبيولين.

• درجة حرارة الدم.

• معدلات الترطيب والتروية.

• حجم وشكل وتراكم كريات الدم الحمراء.

ثانياً: العوامل المؤثرة في لزوجة الدم

1. تركيز الهيماتوكريت (Hematocrit Concentration)

يُعتبر تركيز الهيماتوكريت من أهم العوامل التي تتحكم في لزوجة الدم، حيث يشير إلى النسبة المئوية لخلايا الدم الحمراء في الدم. كلما ارتفع هذا التركيز، زادت اللزوجة. يؤدي ذلك إلى زيادة مقاومة التدفق، مما يُحمل القلب مجهوداً إضافياً لضخ الدم إلى الأنسجة. يُعد هذا الأمر خطيراً في حالات مثل الجفاف أو الأمراض المزمنة.

2. نقص الترطيب والجفاف

الجفاف يؤدي إلى انخفاض كمية البلازما وزيادة تركيز خلايا الدم، وبالتالي ارتفاع اللزوجة. في حالات فقدان السوائل الشديد، كما في الإسهال، التعرق المفرط أو نقص شرب الماء، تصبح اللزوجة عالية جداً وقد تزيد من احتمال حدوث الجلطات الدموية.

3. ارتفاع تركيز البروتينات في البلازما

ترتبط لزوجة البلازما بتركيز البروتينات، وبالأخص البروتينات عالية الوزن الجزيئي مثل الفيبرينوجين، والجلوبيولين، وCRP (بروتين سي التفاعلي). تزداد هذه البروتينات بشكل خاص أثناء الالتهابات، مما يؤدي إلى ارتفاع لزوجة البلازما، وبالتالي زيادة مقاومة تدفق الدم.

4. اضطرابات الدم

أ. كثرة كريات الدم الحمراء (Polycythemia)

يؤدي الإفراط في إنتاج خلايا الدم الحمراء إلى زيادة تركيز الهيماتوكريت، وبالتالي ارتفاع لزوجة الدم. تُعد هذه الحالة من مسببات خطر الإصابة بالجلطات.

ب. فقر الدم المنجلي (Sickle Cell Anemia)

تشوه خلايا الدم الحمراء إلى شكل المنجل يؤدي إلى انخفاض مرونتها وصعوبة حركتها داخل الشعيرات الدموية، مما يزيد من مقاومة التدفق ويرفع اللزوجة.

ج. اللزوجة الزائدة في متلازمات التكاثر النقوي

مثل الورم النقوي المتعدد، حيث تؤدي زيادة إنتاج البروتينات الشاذة (مثل IgM) إلى لزوجة دموية عالية جداً قد تصل إلى حالات الطوارئ الطبية.

ثالثاً: تأثير العوامل الأيضية والغذائية

1. فرط الدهون والكوليسترول

الأنظمة الغذائية الغنية بالدهون المشبعة والدهون المتحولة تؤدي إلى زيادة لزوجة الدم، عبر تعزيز عملية الالتهاب، وزيادة مستويات الفيبرينوجين، وتراكم الصفائح الدموية. كما أن ارتفاع الكوليسترول الكلي والبروتينات الدهنية منخفضة الكثافة (LDL) يرتبط بلزوجة أعلى، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية.

2. داء السكري

يرتبط السكري من النوع الثاني بزيادة لزوجة الدم نتيجة لتلف الأوعية الدموية الدقيقة، وارتفاع تركيز الجلوكوز، وزيادة مستويات البروتينات الالتهابية. كما تؤدي مقاومة الأنسولين إلى تغييرات في لزوجة البلازما نتيجة تأثر بنية البروتينات.

3. زيادة الوزن والسمنة

الوزن الزائد يترافق مع زيادة مستوى الالتهابات المزمنة الخفيفة في الجسم، ما يؤدي إلى رفع تركيز بروتينات الالتهاب في البلازما. هذا يسهم في زيادة لزوجة الدم ورفع خطر التخثر القلبي والدماغي.

رابعاً: التأثيرات الهرمونية والدوائية

1. الهرمونات الجنسية

الإستروجين والبروجستيرون يمكن أن يؤثرا على لزوجة الدم، خصوصًا في النساء الحوامل أو من يتناولن حبوب منع الحمل. يمكن أن تؤدي هذه الهرمونات إلى تغييرات في بنية البروتينات الدموية وزيادة خطر الجلطات الوريدية.

2. أدوية مدرة للبول

قد تؤدي إلى فقدان الماء وتراكم الأملاح، مما يسبب جفافاً طفيفاً وزيادة تركيز مكونات الدم، وبالتالي رفع لزوجة الدم، خصوصًا لدى كبار السن أو المرضى بأمراض القلب.

3. العلاج الكيميائي

بعض أدوية العلاج الكيميائي تؤثر سلبًا على بنية خلايا الدم وتؤدي إلى تحللها أو زيادة تركيزها، ما قد يُسهم في تغيير لزوجة الدم، وزيادة خطر التخثر أو النزيف.

خامساً: العوامل البيئية ونمط الحياة

1. التدخين

يسهم التدخين في زيادة إنتاج الفيبرينوجين وتحفيز تجمع الصفائح الدموية، مما يرفع لزوجة الدم ويزيد من فرص حدوث الجلطات وتصلب الشرايين.

2. قلة النشاط البدني

الخمول البدني يؤدي إلى تباطؤ الدورة الدموية، وركود الدم في الأطراف السفلية، مما يُسهل من التصاق خلايا الدم ببعضها ورفع اللزوجة، وهو ما يُفسر انتشار الجلطات الوريدية لدى الأشخاص غير النشطين بدنيًا.

3. المرتفعات العالية

العيش أو العمل في الأماكن المرتفعة يؤدي إلى نقص الأوكسجين (Hypoxia)، مما يحفز نخاع العظم لإنتاج المزيد من خلايا الدم الحمراء لتعويض النقص. هذا يزيد من تركيز الهيماتوكريت وبالتالي من لزوجة الدم.

جدول: مقارنة بين العوامل المؤثرة في لزوجة الدم

سادساً: التداعيات الصحية لزيادة لزوجة الدم

ارتفاع لزوجة الدم له آثار صحية خطيرة إذا لم يتم تشخيصه وعلاجه، منها:

• الجلطات الدموية الوريدية والشريانية.

• ارتفاع ضغط الدم.

• زيادة الحمل على عضلة القلب.

• ضعف التروية الدموية للأنسجة الطرفية.

• مضاعفات مرضية لدى مرضى القلب والسكري.

من المهم التأكيد على ضرورة مراقبة لزوجة الدم في بعض الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل كبار السن، والحوامل، والمصابين بالأمراض المزمنة، والمتعافين من العمليات الجراحية الكبرى.

المصادر:

• Baskurt OK, Meiselman HJ. Blood rheology and hemodynamics. Semin Thromb Hemost. 2003.

• Sloop GD, Pop GA, Weidman JJ. The role of blood viscosity in cardiovascular disease. European Review for Medical and Pharmacological Sciences. 2016.