أسباب ارتفاع حرارة الجسم

ارتفاع درجة حرارة الجسم عند الكبار

يُعد ارتفاع درجة حرارة الجسم لدى البالغين أحد المؤشرات الفسيولوجية الهامة التي تشير إلى وجود خلل في التوازن الداخلي للجسم، سواء كان ذلك نتيجة عدوى، أو حالة التهابية، أو استجابة مناعية، أو حتى اضطراب هرموني. وعلى الرغم من أن الحمى تُعد وسيلة دفاع طبيعية للجسم لمحاربة العوامل الممرضة، فإن تجاوزها لمستويات معينة قد يدل على وجود مشكلة صحية تستدعي التدخل الطبي والتشخيص الدقيق. يتناول هذا المقال بشكل موسع أسباب ارتفاع حرارة الجسم لدى الكبار، آليات حدوثها، طرق التشخيص، والأمراض المرتبطة بها، إلى جانب الوسائل المتاحة للعلاج والوقاية.

تعريف الحمى ودرجة الحرارة الطبيعية

تُعرف الحمى (Fever) بأنها ارتفاع درجة حرارة الجسم فوق المعدل الطبيعي، وهو 37 درجة مئوية عند أغلب الأشخاص، مع تفاوت بسيط حسب الوقت من اليوم والنشاط البدني والعوامل البيئية. تُعتبر درجة حرارة الجسم ما بين 36.1 إلى 37.2 درجة مئوية طبيعية، وأي ارتفاع يتجاوز 38 درجة مئوية يُعد حمى، ويُقسم عادة إلى:

الآلية الفسيولوجية لارتفاع الحرارة

يرتبط ارتفاع درجة الحرارة بعمل مركز التنظيم الحراري في الوطاء (الهيبوثالاموس) في الدماغ، والذي يستجيب لمواد تسمى البيروجينات، وهي بروتينات تفرزها الخلايا المناعية عند تعرض الجسم لأي جسم غريب مثل البكتيريا أو الفيروسات. تعمل هذه البيروجينات على إعادة ضبط “الترموستات” الداخلي للجسم إلى درجة أعلى، ما يؤدي إلى الشعور بالقشعريرة والبرد في البداية، ومن ثم ارتفاع حرارة الجسم نتيجة لتقلص العضلات وتسارع العمليات الأيضية بهدف الوصول إلى المستوى الجديد من الحرارة.

الأسباب الشائعة لارتفاع درجة الحرارة عند الكبار

1. العدوى البكتيرية والفيروسية

تُعد العدوى بمختلف أنواعها أكثر الأسباب شيوعًا لارتفاع الحرارة، ومن أبرزها:

• العدوى التنفسية: مثل الإنفلونزا، التهاب الحلق، التهاب الرئة، التهاب الجيوب الأنفية.

• العدوى البولية: مثل التهاب المثانة أو الكلى.

• العدوى المعوية: مثل النزلات المعوية البكتيرية أو الفيروسية.

• العدوى الجلدية: مثل الدمامل، والخرّاجات، والتهابات الجلد الجرثومية.

• العدوى المنقولة جنسياً: كالسيلان والكلاميديا.

2. الأمراض الالتهابية والمناعية

بعض الأمراض المزمنة المناعية أو الالتهابية قد تسبب ارتفاعاً مزمناً أو متقطعاً في درجة الحرارة، مثل:

• الذئبة الحمراء الجهازية.

• التهاب المفاصل الروماتويدي.

• مرض كرون والتهاب القولون التقرحي.

• مرض بهجت.

3. الأورام السرطانية

يمكن أن تسبب بعض الأورام الصلبة أو سرطانات الدم، مثل اللوكيميا والليمفوما، حمى مزمنة، خاصة إذا كانت هناك إصابة في نخاع العظم أو العقد اللمفاوية. تُعرف هذه الحالة باسم “الحمى الخفية المنشأ” (FUO).

4. الأدوية وردود الفعل التحسسية

تُعرف “الحمى الدوائية” كأحد الآثار الجانبية لبعض الأدوية مثل المضادات الحيوية (بيتا لاكتام)، ومضادات الاختلاج، وأدوية القلب. كما أن بعض الأشخاص قد يصابون بحمى نتيجة رد فعل تحسسي للدواء.

5. اضطرابات الغدة الدرقية

فرط نشاط الغدة الدرقية يمكن أن يسبب تسارعاً في الأيض وارتفاعاً في حرارة الجسم، يُرافقه تعرّق مفرط، رعشة، وخفقان القلب.

6. الإنهاك الحراري وضربات الشمس

يحدث ذلك غالباً في حالات التعرض الطويل لأشعة الشمس أو الجهد البدني المفرط في بيئة حارة ورطبة، مما يمنع الجسم من التخلص من الحرارة الزائدة بشكل كافٍ.

أعراض مصاحبة لارتفاع درجة الحرارة

لا تقتصر الحمى على ارتفاع الحرارة فقط، بل ترافقها مجموعة من الأعراض، تشمل:

• الشعور بالقشعريرة أو الارتعاش.

• التعرق الغزير.

• الصداع.

• ألم العضلات أو المفاصل.

• الإعياء العام.

• فقدان الشهية.

• تسارع نبضات القلب والتنفس.

• أحيانًا الارتباك أو الهذيان في حالات الحمى الشديدة أو لدى كبار السن.

طرق تشخيص سبب الحمى

يعتمد تشخيص سبب الحمى على دمج الفحص السريري مع الفحوصات المخبرية والتصويرية. وتشمل الخطوات:

• التاريخ الطبي الكامل: متى بدأت الحمى؟ هل هناك أعراض مصاحبة؟ هل تم استخدام أدوية؟ هل سافر الشخص مؤخرًا؟

• الفحص السريري: لتحديد وجود أي علامات للعدوى أو الالتهاب.

• تحاليل الدم: مثل العد الدموي الكامل (CBC)، معدل ترسيب كريات الدم الحمراء (ESR)، البروتين التفاعلي C (CRP)، تحليل وظائف الكبد والكلى.

• تحاليل البول والبراز: لتقصي العدوى.

• زراعة الدم أو البول أو إفرازات الجسم: للكشف عن البكتيريا المسببة.

• الأشعة: مثل الأشعة السينية للصدر أو التصوير المقطعي في حالات الشك في الالتهاب الرئوي أو الأورام.

العلاج بناءً على السبب

يعتمد علاج الحمى بشكل رئيسي على تحديد السبب وعلاجه، ولكن توجد خطوات علاجية أولية لتخفيف الأعراض:

1. خافضات الحرارة

• الباراسيتامول: يُعد الأكثر أماناً وفعالية.

• الإيبوبروفين: يستخدم لتخفيف الألم والحرارة والالتهاب، لكنه غير مناسب لبعض المرضى مثل من يعانون من قرحة المعدة.

2. المضادات الحيوية

تُستخدم فقط في حالات العدوى البكتيرية المثبتة أو المشتبه بها، ويُمنع استخدامها عشوائيًا دون وصفة.

3. الراحة والسوائل

الراحة التامة وتناول السوائل بكثرة يساعد في خفض الحرارة والوقاية من الجفاف، خاصة مع التعرق المفرط.

4. الكمادات الفاترة

استخدام كمادات ماء فاتر وليس بارد جدًا على الجبهة وتحت الإبط والفخذين يساعد في تخفيف الحرارة بشكل طبيعي دون صدمة حرارية.

5. علاج السبب الأساسي

سواء كان التهاب، ورم، اضطراب مناعي أو هرموني، يجب معالجة السبب من جذوره وليس فقط تخفيف الحرارة.

متى تكون الحمى حالة طارئة؟

تتحول الحمى من عرض بسيط إلى حالة حرجة تتطلب تدخلًا طبيًا فوريًا إذا صاحبها أحد الأمور التالية:

• حرارة تتجاوز 41 درجة مئوية.

• استمرار الحرارة لأكثر من 3 أيام دون استجابة.

• اضطراب في الوعي أو هذيان.

• نوبات تشنج.

• طفح جلدي مفاجئ.

• صعوبة في التنفس أو ألم في الصدر.

• علامات جفاف شديد (جفاف الفم، قلة التبول، الدوخة).

الوقاية من الحمى ومسبباتها

• النظافة الشخصية وغسل اليدين بانتظام.

• تجنب مخالطة المرضى المصابين بأمراض معدية.

• الحرص على التطعيمات الدورية.

• طهي الطعام جيدًا وتجنب الأطعمة غير النظيفة.

• شرب المياه النظيفة وتفادي الملوث منها.

• تجنب الشمس المباشرة واستخدام القبعات والملابس الخفيفة في الطقس الحار.

• مراجعة الطبيب فورًا عند ظهور أعراض حادة أو متكررة دون سبب واضح.

خلاصة طبية

يُعد ارتفاع درجة حرارة الجسم عند البالغين علامة حيوية لا يمكن إغفالها، إذ تشير إلى وجود حالة صحية تستدعي الانتباه، سواء كانت بسيطة كعدوى فيروسية موسمية أو معقدة كأمراض المناعة الذاتية أو الأورام. المعرفة الدقيقة بالأعراض المصاحبة، مع اتباع طرق التشخيص والعلاج الصحيحة، يساهم في الوقاية من المضاعفات ويضمن استعادة التوازن الحراري للجسم بفعالية.

المراجع:

1. Harrison’s Principles of Internal Medicine, 21st Edition

2. Mayo Clinic – Fever in Adults: Symptoms and Causes
   
   https://www.mayoclinic.org/symptoms/fever/basics/causes/sym-20050997