أسباب احتباس البول: نظرة طبية موسعة

يُعد احتباس البول من الاضطرابات البولية الخطيرة التي تستدعي تدخلاً طبياً فورياً في كثير من الحالات، حيث يشير إلى صعوبة أو عدم القدرة على إفراغ المثانة بشكل كامل، سواء بصورة حادة مفاجئة أو مزمنة متكررة. هذا الاضطراب قد يصيب مختلف الفئات العمرية من الرجال والنساء، إلا أن انتشاره يكون أعلى لدى الذكور، خصوصاً في الفئات العمرية الأكبر بسبب ارتباطه بمشاكل البروستاتا. يتطلب فهم احتباس البول دراسة شاملة للبنية التشريحية للجهاز البولي، بالإضافة إلى العوامل العصبية والعضلية والدوائية التي قد تؤثر على قدرة المثانة على التفريغ السليم.

أولاً: لمحة تشريحية عن الجهاز البولي

يتألف الجهاز البولي من الكليتين، الحالبين، المثانة، والإحليل. تقوم الكليتان بتصفية الدم من الفضلات وتكوين البول الذي يُنقل إلى المثانة عبر الحالبين، ثم يُخزن البول في المثانة حتى يتم تفريغه عبر الإحليل. تتطلب هذه العملية تنسيقاً دقيقاً بين الجهاز العصبي العضلي وإشارات الدماغ. عند حدوث أي خلل في هذا التنسيق، تتعطل وظيفة الإفراغ، مما يؤدي إلى احتباس البول.

ثانياً: تصنيف احتباس البول

يُصنف احتباس البول إلى نوعين رئيسيين:

1. الاحتباس الحاد: يظهر فجأة ويتسبب في ألم شديد في المثانة، وهو حالة طبية طارئة تتطلب تدخلاً فورياً لتفريغ المثانة.

2. الاحتباس المزمن: يتطور تدريجياً وغالباً ما يكون غير مؤلم، لكن المريض لا يفرغ المثانة بشكل كامل، ما يؤدي إلى تراكم البول بمرور الوقت وزيادة خطر التهابات المسالك البولية.

ثالثاً: الأسباب التشريحية لاحتباس البول

1. تضخم البروستاتا الحميد (BPH)

يُعد من الأسباب الشائعة لدى الرجال، خصوصاً بعد سن الخمسين. حيث تؤدي زيادة حجم البروستاتا إلى ضغط على الإحليل، ما يعوق تدفق البول الطبيعي.

2. سرطان البروستاتا أو المثانة

يمكن أن يؤدي نمو الأورام في الجهاز البولي إلى انسداد مجرى البول إما داخلياً أو عن طريق الضغط الخارجي، ما يمنع خروج البول من المثانة.

3. الانسداد بالإحليل

وجود حصى بولية، أو انسدادات خلقية، أو التصاقات بعد العمليات الجراحية قد تؤدي إلى انسداد مجرى البول.

4. هبوط المثانة أو الرحم عند النساء

يحدث غالباً بعد الولادات المتكررة أو بسبب ضعف عضلات الحوض، مما يؤدي إلى ضغط على المثانة أو الإحليل وتعطيل تدفق البول.

رابعاً: الأسباب العصبية لاحتباس البول

1. تلف الأعصاب (الاعتلال العصبي)

يؤثر على الإشارات العصبية بين الدماغ والمثانة، وقد يكون ناجماً عن السكري، أو التصلب اللويحي المتعدد، أو الحوادث الدماغية أو النخاعية.

2. الشلل النصفي أو الرباعي

الأشخاص المصابون بإصابات الحبل الشوكي يعانون غالباً من خلل في التفريغ البولي نتيجة لانقطاع الإشارات العصبية.

3. داء باركنسون والتصلب الجانبي الضموري ALS

هذه الأمراض العصبية التنكسية تؤثر على التنسيق العضلي العصبي لعملية التبول.

خامساً: الأسباب الدوائية

العديد من الأدوية قد تؤثر على القدرة على إفراغ المثانة، وأبرزها:

سادساً: الأسباب الالتهابية والمعدية

1. التهاب المثانة

يسبب تورم في بطانة المثانة ويؤدي إلى عرقلة تدفق البول، خاصة إذا رافق الالتهاب تشنج عضلي.

2. التهاب البروستاتا

قد يؤدي إلى تورم حاد في البروستاتا مما يضغط على الإحليل.

3. السل البولي أو التهابات مزمنة

يمكن أن تؤدي إلى تليفات وانسدادات في المجرى البولي.

سابعاً: الأسباب الجراحية والمرضية المكتسبة

1. مضاعفات العمليات الجراحية

قد تتسبب بعض العمليات الجراحية في منطقة الحوض أو العمود الفقري أو البطن في تلف الأعصاب المغذية للمثانة.

2. التحسس من التخدير أو التخدير القطني

قد يؤدي التخدير إلى إيقاف إشارات التفريغ العصبية مؤقتاً.

3. الإمساك الشديد

يمكن أن يضغط على المثانة أو الإحليل من الخارج، مما يؤدي إلى الاحتباس.

ثامناً: أسباب نادرة ومكتشفة حديثاً

1. القولون العصبي المرتبط بالجهاز البولي (Bowel-bladder syndrome)

يؤثر تفاعل القولون والمثانة المشترك على قدرة المريض على التبول بشكل طبيعي.

2. مشاكل هرمونية

اختلال مستويات الإستروجين والبروجستيرون في النساء قد يغير من ديناميكية المثانة ومرونة الإحليل.

3. التحسس النفسي والإجهاد

التوتر العصبي المزمن واضطرابات القلق قد تؤثر على سلوك التبول، خاصةً في الحالات النفسية المعروفة بـ “احتباس البول الوظيفي”.

تاسعاً: المضاعفات الناتجة عن احتباس البول

عند إهمال احتباس البول، خاصةً المزمن، تبدأ المضاعفات الخطيرة بالظهور تدريجياً، ومن أبرزها:

• تمدد المثانة وضعف جدارها.

• التهابات متكررة في المسالك البولية.

• ارتجاع البول إلى الكليتين وحدوث تلف كلوي مزمن.

• تكون الحصوات البولية.

• تمزق المثانة في الحالات الحادة غير المعالجة.

عاشراً: التشخيص الطبي

يتطلب تشخيص احتباس البول خطوات متعددة تشمل:

• الفحص السريري لمنطقة البطن والعانة.

• استخدام جهاز الموجات فوق الصوتية لتقييم كمية البول المتبقية بعد التبول.

• تحاليل البول والدم للكشف عن الالتهابات أو الفشل الكلوي.

• الفحص العصبي للكشف عن الاعتلال العصبي.

• دراسة ديناميكية المثانة (Urodynamic study).

الحادي عشر: خيارات العلاج المتاحة

تختلف الخيارات العلاجية باختلاف السبب الكامن وراء الحالة، وتشمل:

1. تفريغ المثانة باستخدام القسطرة البولية سواء كانت مؤقتة أو طويلة الأمد.

2. علاج السبب الجذري مثل استئصال البروستاتا، أو تفتيت الحصى، أو علاج الالتهاب.

3. العلاج الدوائي مثل مثبطات مستقبلات ألفا، أو المضادات الحيوية، أو أدوية تنظيم المثانة.

4. التأهيل العصبي والعلاج الطبيعي للمصابين باعتلالات عصبية.

5. التحفيز العصبي للمثانة في حالات معينة باستخدام أجهزة تحفيز كهربي.

الثاني عشر: الوقاية والمتابعة

رغم أن بعض أسباب احتباس البول لا يمكن تفاديها، إلا أن هناك مجموعة من الإجراءات الوقائية التي تساعد في الحد من احتمالية تطور الحالة:

• المتابعة الدورية للرجال فوق سن الخمسين لفحص البروستاتا.

• علاج التهابات البول فور ظهورها.

• الالتزام بخطط علاج الأمراض العصبية المزمنة.

• ممارسة التمارين التي تعزز من وظيفة عضلات قاع الحوض.

• تجنب الأدوية المؤثرة على المثانة بدون وصفة طبية.

المراجع العلمية

1. Wein, A. J., Kavoussi, L. R., Campbell-Walsh Urology. Elsevier. (2021).

2. McAninch, J. W., & Lue, T. F. Smith & Tanagho’s General Urology. McGraw Hill Education. (2019).