أركان وواجبات الحج الأساسية

أركان الحج وواجباته: شرح تفصيلي جامع

الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، ويمثّل ذروة العبادات التي تتجلى فيها روح الامتثال والطاعة والتجرد من الدنيا، حيث يجتمع المسلمون من شتى بقاع الأرض لأداء مناسك موحدة في زمان ومكان محددين. تتجلى عظمة هذه الفريضة في ارتباطها بأعمال محددة هي أركان لا يصح الحج بدونها، وأعمال أخرى تُعدّ واجبة لكنها لا تُبطل الحج بتركها بل يترتب عليها الفدية. فهم هذه الأركان والواجبات بدقة شرط أساسي لصحة الحج.

أولاً: أركان الحج

الأركان هي الأعمال التي لا يتم الحج إلا بها، وإذا فُقِد منها ركن واحد بطل الحج ولا يُجبر بدم أو فدية. وهي أربعة أركان على المشهور عند جمهور الفقهاء:

1. الإحرام (نية الدخول في النسك)

الإحرام هو نية الدخول في أحد نُسُك الحج الثلاثة: الإفراد، القِران، أو التمتع. وهو أول ركن من أركان الحج، ويبدأ من الميقات الزماني والمكاني الذي حدده الشرع. لا يشترط لبس الإحرام بل الأهم هو نية الدخول في النسك.

الضوابط الفقهية للإحرام:

• لا يصح بدون نية.

• لا يُشترط التلفظ بل يكفي عقد النية بالقلب.

• يُستحب التلفظ بالنسك بقول: “لبيك حجاً” أو “لبيك عمرة”.

2. الوقوف بعرفة

هو الركن الأعظم في الحج، ويكفي فيه الوقوف بعرفة ولو لحظة واحدة من بعد الزوال إلى فجر يوم النحر. قال رسول الله ﷺ: “الحج عرفة”. وبدونه لا يُعدّ الحج صحيحاً.

شروط الوقوف بعرفة:

• أن يكون داخل حدود عرفة.

• أن يقع الوقوف في الوقت المحدد شرعاً (من زوال يوم التاسع إلى فجر يوم العاشر).

• يشترط إدراك جزء من الوقوف قبل طلوع الفجر.

3. طواف الإفاضة

وهو الطواف الذي يكون بعد الرجوع من عرفة ومزدلفة، وهو ركن لا يتم الحج إلا به. لا يجوز تقديمه على الوقوف بعرفة، ويقع في يوم النحر أو بعده.

أحكام طواف الإفاضة:

• يشترط له الطهارة.

• لا بد من أن يكون سبعة أشواط.

• يكون حول الكعبة ابتداءً بالحجر الأسود وانتهاءً به.

4. السعي بين الصفا والمروة

هو التنقل سبع مرات بين جبلي الصفا والمروة، ويُؤدى بعد طواف الإفاضة. وهو ركن عند الشافعية والحنابلة، وشرط من شروط تمام النسك عند المالكية.

شروط صحة السعي:

• أن يكون بعد طواف صحيح.

• أن يُتمه سبعة أشواط.

• يبدأ بالصفا وينتهي بالمروة.

ثانياً: واجبات الحج

الواجبات هي أعمال تُطلب في الحج، ويؤثر تركها سلباً على تمام النسك لكنها لا تُبطله. ومن ترك واجباً وجب عليه دم (ذبح شاة). وهي سبعة على قول الجمهور:

1. الإحرام من الميقات

المواقيت هي مواضع حددها الشرع لا يجوز تجاوزها بدون نية الدخول في النسك لمن أراد الحج أو العمرة. ومن تجاوزها دون إحرام فعليه دم.

أمثلة على المواقيت:

• ذو الحليفة لأهل المدينة.

• الجُحفة لأهل الشام.

• يلملم لأهل اليمن.

• قرن المنازل لأهل نجد.

• ذات عرق لأهل العراق.

2. الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس لمن وقف نهاراً

من وقف نهاراً بعرفة يجب عليه أن يمكث حتى غروب الشمس اقتداءً بفعل النبي ﷺ، فإن انصرف قبل الغروب لزمه دم، أما من وقف بعد الغروب فلا يلزمه ذلك.

3. المبيت بمزدلفة ليلة النحر

يُعدّ المبيت بمزدلفة من واجبات الحج، ويكفي فيه التواجد فيها بعد منتصف الليل. وقد بات فيها النبي ﷺ وصلى بها المغرب والعشاء جمع تأخير، ثم بات حتى الفجر.

استثناءات:

• يجوز للضعفاء من النساء والأطفال مغادرتها بعد منتصف الليل.

4. المبيت بمنى أيام التشريق

وهو من الواجبات التي يُلزم بها الحاج بعد أداء مناسك يوم النحر، حيث يبيت في منى في ليالي 11 و12 و13 من ذي الحجة، وإن تعجل في اليوم الثاني أجزأه ذلك.

5. رمي الجمار

وهو رمي الحصى في الأيام المحددة على النحو التالي:

• جمرة العقبة الكبرى: يوم النحر (7 حصيات).

• الجمرات الثلاث: في أيام التشريق (كل جمرة 7 حصيات).

شروط الرمي:

• الترتيب في الرمي.

• استخدام حصى صغيرة.

• أن يقع الرمي داخل الحوض المخصص لكل جمرة.

6. الحلق أو التقصير

الحلق أو التقصير واجب بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر. والحلق أفضل للرجال، أما النساء فيقصصن من شعرهن قدر أنملة فقط. لا يجوز تقديمه على رمي جمرة العقبة.

7. طواف الوداع

وهو آخر ما يفعله الحاج قبل مغادرته مكة. يجب على كل حاج إلا الحائض والنفساء. من تركه فعليه دم. يؤدى بعد الفراغ من جميع أعمال الحج وقبل مغادرة مكة.

ثالثاً: الفرق بين الركن والواجب في الحج

التمييز بين الركن والواجب في الحج من الأمور المهمة لفهم أثر ترك كل منهما على صحة النسك. يوضح الجدول التالي هذا الفرق بوضوح:

رابعاً: السنن والمستحبات في الحج

إضافة إلى الأركان والواجبات، هناك العديد من السنن التي يُستحب للحاج الالتزام بها طلباً للكمال والأجر، ولا يترتب على تركها شيء من الفدية أو البطلان، منها:

• التلبية: وهي سنة مؤكدة وتبدأ من الإحرام وتنتهي عند بداية رمي جمرة العقبة.

• المبيت بمنى ليلة التروية (ليلة 8 ذي الحجة).

• الطواف عند دخول المسجد الحرام لمن لم يكن قد طاف.

• تقبيل الحجر الأسود.

• خطبة الحج للإمام يوم السابع من ذي الحجة.

خامساً: حكم من ترك ركناً أو واجباً

ترك ركن من الأركان: لا يصح الحج مطلقاً إلا بإتمام هذا الركن، ويجب على الحاج الذي تركه أن يعيده في الوقت الشرعي، وإن لم يتمكن فلا حج له هذا العام.

ترك واجب من الواجبات: يصح الحج، ولكن يجب عليه أن يذبح شاة وتوزع على فقراء الحرم. ولا يُغني عنها الصيام إلا عند العجز عن الذبح.

سادساً: فتاوى معاصرة تتعلق بالأركان والواجبات

مع التوسع في الفتاوى الفقهية وتغير أحوال الناس، برزت بعض الأسئلة المتعلقة بالحج وأحكام أركانه وواجباته في العصر الحديث، ومنها:

• ترك طواف الوداع بسبب الزحام: على من غادر مكة دون طواف الوداع بسبب الزحام الشديد أو الطوارئ أن يُقدِّر الموقف حسب استطاعته، وإن كان متعمداً فعليه دم.

• استعمال وسائل النقل في السعي: السعي بين الصفا والمروة بالكرسي أو السيارة جائز للمعذورين.

• الحلق بالكهرباء: يجوز استخدام ماكينة الحلاقة الكهربائية إن أدّت إلى إزالة الشعر كاملاً.

سابعاً: أهمية معرفة هذه الأحكام

معرفة أركان الحج وواجباته ليست فقط مسألة فقهية، بل هي شرط لضمان صحة العبادة وتمامها. فالجهل بهذه الأحكام قد يؤدي إلى إبطال الحج دون أن يشعر الحاج. وقد أمر النبي ﷺ أصحابه بتعلم المناسك كما أمرهم بالصلاة والصيام، فالحج عبادة بدنية ومالية تجتمع فيها جميع صور التكليف، وتحتاج إلى وعي ومعرفة وإتقان.

المراجع:

• ابن قدامة، المغني، دار الفكر.

• النووي، شرح المهذب، دار الفكر.