أركان العمرة وأحكامها الأساسية

أركان العمرة: دراسة تفصيلية للأحكام والمعاني

العمرة من العبادات العظيمة التي أولاها الإسلام أهمية كبرى، وقد ورد الحث عليها في نصوص الكتاب والسنة لما فيها من تطهير للذنوب، ورفع للدرجات، وتجديد للعهد مع الله. وتُعد العمرة عبادةً مستقلة لها أركان وشروط وواجبات تختلف عن الحج في الزمان والمكان وبعض التفصيلات، ولكنها تشترك معه في بعض المناسك والمقاصد الروحية. هذا المقال يتناول أركان العمرة بالتفصيل مع الاستناد إلى أقوال العلماء وأدلة الشريعة الإسلامية.

تعريف العمرة

العمرة في اللغة مأخوذة من “الاعتمار” أي الزيارة. وفي الاصطلاح الشرعي تعني زيارة البيت الحرام لأداء مناسك معينة، وهي: الإحرام، والطواف، والسعي، والحلق أو التقصير، وتُؤدى في أي وقت من السنة دون تحديد بزمن معين، خلافًا للحج الذي له أشهر معلومات.

الفرق بين الركن والواجب في العمرة

من المهم التمييز بين الركن والواجب، إذ إن الركن لا يصح النسك إلا به، ولا يُجبر بدمٍ أو غيره إذا تُرك، أما الواجب فيمكن أن يُجبر بفدية، ويصح النسك بدونه مع الإثم.

وقد اتفق جمهور العلماء على أن للعمرة أركانًا لا تُجزأ العبادة إلا بالإتيان بها، وهي بحسب الراجح:

1. الإحرام

2. الطواف

3. السعي

4. الحلق أو التقصير

في حين يعتبر بعض الفقهاء الحلق أو التقصير من واجبات العمرة وليس من أركانها، إلا أن إدراجه ضمن الأركان هو من باب الاحتياط الفقهي المعتمد عند جمع من أهل العلم.

الركن الأول: الإحرام

الإحرام هو نية الدخول في النسك (العمرة أو الحج)، ولا يُشترط له لباس معين للنساء، ولكن يُشترط للرجال لبس الإزار والرداء مع تجنب المخيط. يبدأ الإحرام من أحد المواقيت المكانية التي حددها النبي ﷺ، وهي:

• ذو الحليفة (أبيار علي) لأهل المدينة ومن يمر بها.

• الجُحفة لأهل الشام.

• قرن المنازل (السيل الكبير) لأهل نجد.

• يلملم لأهل اليمن.

• ذات عرق لأهل العراق.

الإحرام يُعتبر من أهم أركان العمرة، إذ لا تصح العمرة إلا به، ويدخل فيه النية والامتناع عن المحظورات من اللباس والروائح والجماع والجدال.

أدلة شرعية:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى…»

(رواه البخاري ومسلم)

والإحرام يكون مقرونًا بالنية القلبية، ويُستحب أن يقرن بالتلفظ: “لبيك اللهم عمرة”، ويشرع بعد ذلك في التلبية: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك…”

الركن الثاني: الطواف

الطواف هو الدوران حول الكعبة المشرفة سبعة أشواط متتالية، يبدأ كل شوط من الحجر الأسود وينتهي إليه، ويُشترط فيه:

• الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر.

• ستر العورة.

• الطواف حول الكعبة من خارج الحجر (الحِجر ليس جزءًا من البيت).

• أن يكون الطواف في المسجد الحرام.

ويُعد الطواف ثاني أركان العمرة، ولا تصح العمرة إلا به، وهو ركن تعبدي لا يُغني عنه شيء، ويُسمى “طواف العمرة” أو “طواف القدوم” لمن أتى للعمرة فقط.

أدلة شرعية:

قال تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾

(سورة الحج: 29)

وقال النبي ﷺ: «خذوا عني مناسككم»

(رواه مسلم)

شروط صحة الطواف:

الركن الثالث: السعي بين الصفا والمروة

السعي هو التنقل سبعة أشواط بين جبل الصفا وجبل المروة داخل المسجد الحرام، ويبدأ من الصفا وينتهي عند المروة. كل شوط يحتسب من جبل إلى جبل. ويجب أن يكون بعد الطواف مباشرة.

أدلة شرعية:

قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ﴾

(سورة البقرة: 158)

وروى جابر رضي الله عنه في حديث طويل قال فيه: «فخرج إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ)… فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت…»

(رواه مسلم)

شروط صحة السعي:

الركن الرابع: الحلق أو التقصير

الحلق للرجال والتقصير للنساء يُعد ختامًا للعمرة، ويُفعل بعد الطواف والسعي، وهو علامة على التحلل من الإحرام. الحلق هو إزالة جميع شعر الرأس، أما التقصير فهو أخذ جزء بسيط من أطراف الشعر من جميع الجوانب.

لمن يُفضل الحلق:

• للرجال: الحلق أفضل من التقصير لما فيه من تعظيم لشعيرة الإحرام واتباع للسنة.

أدلة شرعية:

قال النبي ﷺ: «اللهم ارحم المحلقين»، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: «اللهم ارحم المحلقين»، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: «والمقصرين»

(رواه البخاري ومسلم)

شروط صحة الحلق أو التقصير:

الجدول التفصيلي لأركان العمرة وشروط صحتها

الخلاف الفقهي حول عدد الأركان

• الحنفية: يعتبرون الإحرام والطواف فقط من أركان العمرة، ويجعلون السعي والحلق من الواجبات.

• المالكية والشافعية والحنابلة: يعتبرون الإحرام والطواف والسعي أركانًا، ويختلفون في اعتبار الحلق ركنًا أو واجبًا.

هذا الاختلاف لا يُقلل من أهمية الإتيان بجميع المناسك على أكمل وجه، بل يُوصى المسلم أن يؤديها جميعًا دون تقصير، اتباعًا لهدي النبي ﷺ.

أهمية الإتيان بالأركان

إن الإتيان بأركان العمرة واجب شرعي، ومن لم يُتم ركنًا منها، فليس عليه فقط الإثم، بل لا تصح عمرته بالكلية، ولا يُجبر الركن بدم أو غيره، بخلاف الواجبات. ولذلك فإن العلم بأركان العمرة يُعد أمرًا ضروريًا لكل من أراد أداء هذه العبادة، حتى يتحقق له القبول والتوفيق من الله تعالى.

المراجع

1. ابن قدامة، المغني، دار الفكر.

2. النووي، المجموع شرح المهذب، دار الفكر.