أذكار طلوع الشمس وغروبها

أذكار طلوع الشمس وغروبها: فضائلها وأهميتها في حياة المسلم

تشكل الأذكار اليومية جزءًا أساسيًا من حياة المسلم، فهي وسيلة روحية تربط العبد بربه وتذكره بعظمة الله عز وجل في مختلف أوقات اليوم. ومن أبرز الأوقات التي اعتنى بها الإسلام بالتذكير فيها بذكر الله عز وجل: وقت طلوع الشمس ووقت غروبها، لما لهذين الوقتين من أهمية عظيمة في حياة الإنسان، حيث يمثلان بداية اليوم ونهايته. وقد وردت عن النبي محمد ﷺ أذكار مخصصة لهذين الوقتين، لما فيهما من تجدد في مظاهر الحياة، وتبدل في الأحوال، وتهيئة للنفس للاستمرار في الطاعة أو التوبة من التقصير.

أهمية وقتي الشروق والغروب في الشريعة الإسلامية

أوقات الشروق والغروب من الأوقات المباركة التي أقسم الله بها في كتابه الكريم، قال تعالى:

﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾ [التكوير: 18]،

وقال: ﴿ وَالضُّحَى ﴾ [الضحى: 1]،

كما أقسم بالغروب في قوله: ﴿ وَالْعَصْرِ ﴾ [العصر: 1]، وهذا يدل على شرف هذه الأوقات وعظيم منزلتها.

ففي وقت طلوع الشمس يبدأ يوم جديد يملؤه الأمل والتوكل على الله، وفي وقت الغروب تغرب شمس اليوم بما فيه من أعمال، ويكون الإنسان في ختام سعيه، فيتأمل أعماله ويتوب من تقصيره، ويشكر الله على نعمته.

الأذكار التي تقال عند طلوع الشمس

إن الأذكار التي تُقال عند طلوع الشمس تمثل وقودًا روحيًا للمؤمن، تمده بالطاقة الإيمانية وتحفزه للسعي في يومه بنشاط ويقين. ومن أهم هذه الأذكار:

1. دعاء الصباح

وردت العديد من الأدعية التي كان النبي ﷺ يرددها في الصباح، وهي تشمل تسبيحًا وتمجيدًا لله، وطلبًا للحماية والرزق.

من هذه الأدعية:

“اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ.”

— رواه الترمذي

“اللهم إني أسألك خير هذا اليوم: فتحه، ونصره، ونوره، وبركته، وهداه، وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده.”

— رواه أبو داود

2. قراءة المعوذات وآية الكرسي

يواظب المسلم على قراءة المعوذات (سورة الإخلاص، الفلق، الناس) ثلاث مرات صباحًا، لما ورد فيها من الحماية والتحصين.

“من قالها ثلاث مرات حين يصبح وحين يمسي كفته من كل شيء.”

— رواه الترمذي

كما أن قراءة آية الكرسي بعد صلاة الفجر تحصن المسلم حتى المساء، قال ﷺ:

“من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت.”

— رواه النسائي

3. التسبيح والتحميد والتهليل

من أعظم الأذكار التي تقال في هذا الوقت:

“سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ.”

— رواه مسلم

4. الاستغفار

الاستغفار في هذا الوقت يطهر النفس ويجعلها مهيأة ليوم جديد. قال الله تعالى:

﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18]

الأذكار التي تقال عند غروب الشمس

عند غروب الشمس يدخل وقت المساء، وهو وقت عظيم للتذكر واللجوء إلى الله بالدعاء، والحمد على ما مضى من اليوم، والرجاء في أن يُختم بخير، وهذه أبرز الأذكار المسائية التي تقال:

1. دعاء المساء

“اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.”

— رواه الترمذي

2. أذكار المساء العامة

كما في الصباح، تتكرر العديد من الأذكار مثل:

• قراءة المعوذات ثلاثًا

• قراءة آية الكرسي

• تسبيح الله مئة مرة

3. التهليل والاستغفار والتكبير

“مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَانَ لَهُ عِدْلُ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ.”

— رواه البخاري

4. التعوذ بالله من الشرور

من الأذكار الجامعة:

“اللَّهُمَّ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ.”

— رواه الترمذي

فوائد المداومة على أذكار الشروق والغروب

ارتباط أذكار الشروق والغروب بالسنن الكونية

تتجلى عظمة الله عز وجل في تعاقب الليل والنهار، في طلوع الشمس وغروبها، وهذه الظواهر الطبيعية العظيمة هي آيات على قدرة الله، قال تعالى:

﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 44]

وحين يقرن المسلم ذكر الله بهذه اللحظات الكونية، يكون في انسجام تام مع هذا الكون الذي يسبح بحمد الله، كما قال تعالى:

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾ [الإسراء: 44]

الأذكار بين العادة والعبادة

من المهم التفريق بين أن تصبح الأذكار مجرد عادة تُقال باللسان دون حضور القلب، وبين أن تكون عبادة حقيقية تتغلغل في وجدان المسلم. فحين يُردد المسلم الأذكار وهو يستحضر معانيها، ويشعر بصدقها وعمقها، تتحول من كلمات إلى طاقة روحية فعالة تصنع الفرق في حياته اليومية.

لذلك ينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يحرص على:

• تخصيص وقت ثابت لأذكار الصباح والمساء.

• فهم معاني الأذكار وعدم ترديدها بسرعة دون وعي.

• ربط الأذكار بسلوك عملي في اليوم، مثل التوكل على الله عند الخروج، أو التوبة في المساء.

الأذكار في السنة النبوية

جاءت السنة النبوية زاخرة بالأحاديث التي تحث على المداومة على أذكار الشروق والغروب، لما فيها من حفظ ووقاية وأجر. وقد حرص النبي محمد ﷺ على تعليمها لأصحابه، وربطها بواقعهم الحياتي.

قال رسول الله ﷺ:

“من قال حين يصبح وحين يمسي: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، لم يضره شيء.”

— رواه أبو داود

وورد في صحيح البخاري:

“كان النبي ﷺ إذا أمسى قال: أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له…”

وهذه الأحاديث تدل على أن الأذكار ليست طقوسًا شكلية، بل هي منهج حياة وسلاح يومي.

أذكار الشروق والغروب والتوازن النفسي

في ظل ضغوط الحياة اليومية، والاضطرابات النفسية التي يعاني منها كثير من الناس في العصر الحديث، تأتي الأذكار كوسيلة فعالة لضبط النفس، وتثبيت العقل والقلب، وتقليل التوتر والقلق.

وقد أظهرت دراسات نفسية حديثة أن ممارسة التأمل الواعي، ومن ضمنه الذكر والتسبيح، يساعد في خفض معدل ضربات القلب وضغط الدم، ويزيد من الشعور بالسكينة.

وليس هناك تأمل أسمى من ذكر الله، قال تعالى:

﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]

الخلاصة

إن أذكار طلوع الشمس وغروبها ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي شعائر روحية عميقة تمتد بجذورها في قلب الشريعة الإسلامية، وتحمل في طياتها زادًا إيمانيًا يعين المسلم على تجاوز صعوبات يومه، ويقربه من ربه، ويمنحه طمأنينة وسكينة لا يجدها في أي شيء آخر.

المداومة عليها هي مفتاح للبركة والنجاح في الدنيا والآخرة، وهي من أعظم وسائل الوقاية النفسية والجسدية والروحية.

المراجع

1. صحيح البخاري، دار ابن كثير

2. رياض الصالحين، الإمام النووي