أخطاء في تربية التوائم

أخطاء تجنّبيها عند تعاملك مع أطفالك التوائم

يشكّل تربية التوائم تحدياً مزدوجاً يفوق من حيث التعقيد تربية طفل واحد، نظراً لتداخل العوامل النفسية والاجتماعية والتربوية في العلاقة بين الأخوين، ولحاجة كل منهما إلى معاملة فردية تحترم تفرده رغم تطابق العمر والبيئة. فبينما يرى البعض في التوائم نعمة مضاعفة، يغفل كثيرون عن الفروق الدقيقة التي تتطلب فهماً معمقاً للخصائص النفسية لكل طفل على حدة. وفي خضم السعي للتوفيق بين مسؤوليات الأمومة وضغوط الحياة اليومية، تقع كثير من الأمهات في أخطاء شائعة تؤثر سلباً على التطور النفسي والعاطفي والاجتماعي للتوأمين. وفيما يلي دراسة تحليلية موسعة لأبرز هذه الأخطاء، وتأثيرها، وطرق تفاديها.

أولاً: افتراض التشابه الكامل بين التوأمين

من أكثر الأخطاء الشائعة التي تقع فيها الأمهات افتراض أن التوأمين متماثلان في كل شيء: الطباع، والاحتياجات، والمشاعر، والقدرات، والتوجهات. وهذا التصور يهمّش الفروق الفردية التي تنمو مع الوقت وتُشكّل شخصية كل طفل على حدة.

رغم أن التوأمين يشتركان في الجينات (خصوصاً التوأم المتطابق)، فإن ذلك لا يعني بالضرورة تشابههم في المزاج، أو الاهتمامات، أو أنماط التعلم، أو حتى طريقة التعبير عن المشاعر. تجاهل هذه الفروقات قد يؤدي إلى مشكلات في الهوية، وشعور أحد التوأمين بعدم الفهم أو القبول.

التوصية: راقبي كل طفل على حدة، وامنحيه فرصاً لتشكيل شخصيته، بعيداً عن المقارنة أو التعميم، واستخدمي لغة تؤكد على فرادته مثل: “أحبّ طريقة تفكيرك الخاصة” أو “أنت مختلف عن أخيك ولك أسلوبك الجميل”.

ثانياً: المقارنة الدائمة بين التوأمين

تقع كثير من الأمهات في فخ المقارنة من باب التحفيز، مثل القول: “أخوكِ أنهى طعامه، لماذا أنتِ بطيئة؟” أو “لماذا لا تذاكر مثل أخيك؟”. غير أن هذه المقارنة تُحدث جروحاً نفسية عميقة، وتغذّي مشاعر الغيرة والتنافس السلبي.

الآثار النفسية:

• تعزيز الغيرة المرضية.

• تراجع الثقة بالنفس عند الطفل الأقل حظاً.

• ميل أحد الطفلين إلى الانسحاب أو التمرد.

• توتر العلاقة الأخوية مع مرور الوقت.

التوصية: استخدمي أساليب تعزيزية فردية، وامتنعي تماماً عن المقارنة، وبدلاً من ذلك، وجّهي الانتباه إلى التقدم الشخصي للطفل، مثل: “أنت اليوم حاولت أكثر من البارحة، وهذا ممتاز”.

ثالثاً: معاملة التوأمين ككيان واحد

يخطئ بعض الأهل في التعامل مع التوائم كوحدة واحدة، في اللباس، والهوايات، والتسمية (“التوأم”، “الولدين”، “الصغيرين”)، بل وحتى في جدول النشاطات اليومية. هذا الأسلوب يعطل نمو الاستقلالية، ويجعل الطفلين يشعران بعدم التقدير الفردي.

أمثلة على هذا الخطأ:

• إلباس التوأمين ملابس متطابقة بشكل دائم.

• مناداتهما كجماعة دون تمييز (مثلاً: “أين التوأم؟”).

• اتخاذ قرارات موحّدة تخص كليهما دون استشارتهما بشكل فردي.

التوصية: خصّصي وقتاً خاصاً لكل طفل، امنحي كلاً منهما حق الاختيار، ووجّهي الخطاب له باسمه الشخصي. التنوع في الملابس، والهوايات، وحتى في ترتيب أماكن النوم يساعد على تعزيز الهوية الفردية.

رابعاً: إهمال الفروق في الاحتياجات النمائية

رغم تطابق السن الزمني بين التوأمين، فإن وتيرة التطور العقلي واللغوي والحركي قد تختلف. لذلك فإن التوقعات الموحدة تؤدي إلى خيبة أمل، وشعور الطفل المتأخر بالقصور، أو إلى ضغط مفرط على الطفل الأسرع نمواً.

مثال تطبيقي:
إذا بدأ أحد التوأمين بالكلام في سن 12 شهراً بينما لم يفعل الآخر حتى 18 شهراً، لا ينبغي اعتبار الثاني “متخلفاً” أو “أقل ذكاءً”، فقد تكون الفروق طبيعية تماماً ضمن الطيف التطوري للأطفال.

التوصية: راقبي مراحل النمو وفق معايير فردية، واستشيري المتخصصين فقط عند ملاحظة تأخر مفرط. لا تعتبري تأخر أحد التوأمين بمثابة فشل تربوي.

خامساً: تحميل الطفل الأكبر (ولو بدقائق) مسؤولية زائدة

في ثقافتنا العربية، قد يُحمّل التوأم الأكبر – حتى إن كان الفرق بضع دقائق – مسؤوليات أكبر لا مبرر لها، مثل: “أنت الكبير، يجب أن تتنازل”، أو “احرص على أخيك لأنه أصغر منك”.

العواقب:

• حرمان الطفل من طفولته الطبيعية.

• شعور بالظلم أو الإحباط.

• تعزيز علاقة غير متوازنة بين التوأمين.

التوصية: عاملي التوأمين على أنهما متساويان في الحقوق والواجبات، دون تفضيل غير مبرر. بدلاً من استخدام عبارة “أنت الأكبر”، استخدمي عبارات تنمّي المسؤولية لدى كليهما بشكل متوازن.

سادساً: عدم تخصيص وقت فردي لكل طفل

في ظل الضغوط اليومية، تميل بعض الأمهات إلى التعامل مع التوأمين معاً طوال الوقت دون تخصيص لحظات فردية لكل طفل. هذا يحرم كل طفل من بناء علاقة حصرية مع الأم تتيح له التعبير عن مشاعره الخاصة، واحتياجاته الفريدة.

التأثيرات:

• شعور الطفل بالإهمال.

• ضعف الحوار الشخصي.

• انعدام الخصوصية العاطفية.

التوصية: حددي مواعيد دورية تخصصين فيها وقتاً خاصاً لكل طفل، ولو كان ذلك لربع ساعة يومياً. استمعي لكل منهما وحده، واقرئي له، أو اخرجا في نزهة قصيرة لوحدكما.

سابعاً: التدخل الزائد في الخلافات اليومية بين التوأمين

يحدث الخلاف بين التوائم بشكل طبيعي نتيجة التقارب المكاني والزمني. غير أن التدخل المفرط من الأهل في كل تفصيل، ومحاولة “حلّ” كل مشكلة، يمنع الطفلين من تطوير مهارات التفاوض، والمشاركة، واحترام الآخر.

خطأ شائع: التدخل لحسم موقف عبر اتهام أحد التوأمين أو إجبار أحدهما على الاعتذار دون فهم أبعاد المشكلة.

التوصية: اتركي مساحة لتجربة التوأمين في حل مشكلاتهما بأنفسهما، وراقبي عن بعد. تدخلي فقط في حال تطور الأمر إلى عنف جسدي أو لفظي واضح، ووجّهي النقاش بطريقة تعليمية تكرّس احترام الآخر.

ثامناً: الإفراط في استخدام التوأمة كوسيلة اجتماعية للتميز

في بعض المناسبات، تستغل بعض الأمهات كون أطفالهما توائم في إظهارهم كمظهر اجتماعي ملفت، عبر اصطحابهم للزيارات والمناسبات، أو عرض صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مبالغ فيه، ما قد يزعج الطفلين أو يشعرهما بالتشييء.

الآثار بعيدة المدى:

• شعور بالضغط لتقديم صورة “مثالية” أمام الناس.

• استغلال غير مباشر للطفولة.

• فقدان التلقائية في التعبير عن الذات.

التوصية: احرصي على أن تكون مشاركة التوأمين في الحياة الاجتماعية نابعة من رغبتهم، لا لأغراض التفاخر أو الاستعراض. واحترمي خصوصيتهما ورغبتهما في عدم الظهور إن لم يكونا مرتاحين لذلك.

تاسعاً: إهمال الاهتمام النفسي بالتوأم الأقل تميزاً

غالباً ما يُظهر أحد التوأمين قدرات أو مواهب لافتة مبكراً، مما يجذب الانتباه إليه على حساب الآخر. هذه المعاملة تزرع الغيرة والشعور بالرفض في قلب الطفل الثاني، وتؤثر في صورته الذاتية.

مثال واضح:

• طفل يتقن الرياضيات مبكراً، فتنهمك الأم في مديحه وإبرازه.

• طفل آخر أكثر هدوءاً أو أقل تفاعلاً، فلا يجد التشجيع الكافي.

التوصية: لا تجعلي الموهبة أو التفوق مقياساً للحب أو الرضا. امدحي الجهد وليس النتيجة، وامنحي كليهما الدعم والاهتمام العاطفي بالتساوي.

عاشراً: غياب التنسيق بين الأم والأب أو المربية في أسلوب التربية

إذا تلقّى التوأمان رسائل تربوية متناقضة من الأم والأب أو المربية، كأن تسمح الأم بشيء وتمنعه المربية أو العكس، يؤدي ذلك إلى ارتباك داخلي وضعف في النظام السلوكي.

النتائج التربوية:

• ضعف الانضباط الذاتي.

• استغلال الطفل للتناقض لصالحه.

• فقدان المرجعية التربوية.

التوصية: اتفقي مع كل من يشاركك في تربية الطفلين على نهج موحد، واضح، وثابت، من حيث القواعد والمكافآت والعقوبات.

جدول توضيحي لأهم الأخطاء وتأثيراتها وطرق تفاديها:

خلاصة

نجاح تربية التوائم لا يكمن في معاملتهما بالمساواة الصورية، بل في إدراك خصوصية كل طفل واحتضانه ككائن مستقل له عالمه وتفكيره ومشاعره. كل خطأ صغير في المعاملة قد يتحول إلى أثر نفسي دائم إذا لم يُعالج، لذلك فإن الوعي بهذه الأخطاء وتجنبها يمثل حجر الأساس في بناء بيئة أسرية صحية تعزز النمو المتوازن لهذين الطفلين الفريدين.

المراجع:

1. American Academy of Pediatrics – Twins and Multiple Births Guidance.

2. Segal, N. L. (2000). Entwined Lives: Twins and What They Tell Us About Human Behavior. Plume.