أحكام صلاة المريض في الإسلام

صلاة المريض: أحكامها وتفصيلاتها في ضوء الشريعة الإسلامية

إن الصلاة عماد الدين، وهي الفريضة التي لا تسقط عن المسلم بأي حال من الأحوال ما دام العقل حاضراً، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد شدّد الشرع الحنيف على وجوبها في كل حال وسائر الأحوال، في الصحة والمرض، في الحضر والسفر، في الأمن والخوف، ومع كل ذلك، فإن الشريعة الإسلامية اتّسمت باليسر ورفع الحرج، فشرعت الرخص والتيسيرات التي تتناسب مع حال المسلم وظروفه، ومن أبرز ما يظهر فيه هذا التيسير: صلاة المريض، التي شرعها الله تعالى على وجه من اليسر والرحمة مراعاة لحال العبد الذي أقعده المرض.

يتناول هذا المقال المفصل أحكام صلاة المريض من حيث وجوبها، وطرق أدائها حسب القدرة، وما يترتب على تركها، مع ذكر آراء الفقهاء والدلائل الشرعية التي أُسست عليها هذه الأحكام، كما يعرض جدولًا توضيحيًا للحالات المختلفة للمريض وكيفية صلاته.

أولاً: مكانة الصلاة في الإسلام وعدم سقوطها عن المريض

الصلاة لا تسقط عن المسلم بحال، فهي واجبة على كل مسلم بالغ عاقل، حتى وإن كان مريضًا أو عاجزًا عن القيام أو الحركة أو حتى الكلام، طالما أن عقله حاضر. وقد دلّت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على هذا، قال الله تعالى:

“فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ” [التغابن: 16]

وقال النبي ﷺ:

“إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم” [رواه البخاري ومسلم]

فهذه النصوص تؤسس لقاعدة فقهية عظيمة، وهي: المشقة تجلب التيسير، وبناءً عليها شرعت أحكام خاصة بصلاة المريض.

ثانياً: كيفية أداء صلاة المريض حسب حالته الصحية

حدد الفقهاء كيفية صلاة المريض بناءً على قدرته، وهي مرتبة في صورة تدرجية تبدأ من الأكمل إلى الأيسر حسب الاستطاعة، وذلك على النحو التالي:

1. إذا كان المريض يستطيع القيام

فيجب عليه الصلاة واقفًا؛ لأنه الأصل، لقوله ﷺ:

“صلّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب” [رواه البخاري]

2. إذا عجز عن القيام

يصلي جالسًا، ويكون الركوع والسجود بالإيماء، مع جعل السجود أخفض من الركوع.

3. إذا عجز عن الجلوس

يصلي مضطجعًا على جانبه الأيمن، فإن لم يستطع، فعلى جنبه الأيسر، فإن لم يستطع فمستلقياً على ظهره، ويوجه قدميه للقبلة ويومئ برأسه للركوع والسجود.

4. إذا عجز عن الإيماء بالرأس

يصلي بقلبه؛ أي يُكَبِّر، ويقرأ، وينوي الركوع والسجود بقلبه، وهذه حالة نادرة جدًا تكون في الغالب في حال فقدان الحركة الجسدية الكاملة مع بقاء الوعي.

ثالثاً: أحكام الوضوء والطهارة في صلاة المريض

الطهارة شرط لصحة الصلاة، ولكن مع المرض قد تصعب بعض الأمور المتعلقة بالوضوء أو الغُسل، لذلك جاءت الشريعة برخص كثيرة في هذا الباب:

• التيمم بدلًا من الوضوء أو الغسل

إذا لم يستطع المريض استخدام الماء بسبب الضرر أو عدم القدرة أو عدم توفر الماء، فيشرع له التيمم، ويكون بضربتين خفيفتين على تراب طاهر، يمسح في الأولى وجهه، وفي الثانية كفيه.

• الاستعانة بغيره للوضوء

يجوز للمريض أن يستعين بغيره في الوضوء أو التيمم، بشرط أن يحافظ على النية والترتيب.

• الجمع بين الصلوات

يجوز للمريض أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، تقديماً أو تأخيراً، حسبما هو أيسر له، وهي من التيسيرات الثابتة عن النبي ﷺ.

رابعاً: أحكام أخرى متعلقة بصلاة المريض

1. صلاة المريض في الفراش أو المستشفى

إذا لم يتمكن المريض من الذهاب إلى المسجد أو أداء الصلاة في مكان طاهر واسع، يجوز له الصلاة في سريره أو مكانه، بشرط أن يكون مكان الصلاة خالياً من النجاسات، فإن لم يجد بُدًّا، صلى حسب حاله ولا يُكلَّف بما لا يستطيع.

2. استخدام الحفاضات أو القسطرة الطبية

إذا تعذر على المريض الطهارة الكاملة بسبب خروج البول أو البراز بصفة دائمة (سلس البول)، أو استعمل القسطرة، فتصح صلاته على حاله بعد الوضوء لكل صلاة، ولفقهاء المالكية والحنابلة تخفيف كبير في هذه الحالة.

3. استقبال القبلة

إذا كان المريض لا يستطيع التوجه للقبلة ولا يُعان عليه، صلى إلى الجهة التي يقدر عليها، ولا إعادة عليه.

خامساً: حكم ترك الصلاة بسبب المرض

يجب التأكيد أن الصلاة لا تسقط بأي حال طالما أن العقل حاضر، وترك الصلاة عمداً بلا عذر من الكبائر، ويعد جُرمًا عظيمًا قد يصل بصاحبه إلى الكفر، كما في قول النبي ﷺ:

“العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر” [رواه الترمذي والنسائي]

أما إن تركها نسيانًا أو غفلة أو بسبب فقدان مؤقت للوعي، فلا إثم عليه، ويقضيها متى تذكّر أو عاد إليه وعيه.

سادساً: جدول يوضح كيفية صلاة المريض حسب حالته

سابعاً: أقوال الفقهاء في التيسير على المريض

اتفقت المذاهب الأربعة على وجوب الصلاة على المريض، ولكن اختلفوا في بعض التفاصيل، مما يعكس رحمة الشريعة وسعتها:

• الحنفية: أجازوا للمريض أن يصلي بالإيماء حتى وهو مستلقٍ، وذهبوا إلى أن تعيين الجهة للقبلة غير واجب إن عُدم القدرة.

• المالكية: أكدوا على أهمية النية والترتيب حتى في الصلاة بالإيماء، واهتموا بتحديد وقت الصلاة والجمع عند الضرورة.

• الشافعية: أولوا اهتمامًا بالغًا بمراعاة الترتيب في الركوع والسجود بالإيماء، واشترطوا أن يكون السجود أخفض من الركوع.

• الحنابلة: أجازوا الصلاة بالإيماء حتى للمغمى عليه عند استرجاعه الوعي إن علم بمرور الوقت، وأجازوا الجمع تخفيفًا.

ثامناً: أهمية الصلاة في وقتها حتى في المرض

من أعظم صور الإيمان وأجمل مظاهر الثبات على الطاعة: التزام المريض بالصلاة في وقتها، رغم الألم والتعب، فهي صلة دائمة بين العبد وربه، وهي أمانه وطمأنينة للروح، فالصلاة تُعطي المريض قوة روحية تجعله أكثر صبرًا ورضًا وتسليمًا بقضاء الله، وقد قال رسول الله ﷺ:

“جعلت قرة عيني في الصلاة” [رواه النسائي]

تاسعاً: النية والاطمئنان في صلاة المريض

النية ركن قلبي لا يسقط بأي حال، والمريض يجب أن ينوي بقلبه أداء الصلاة وإن لم يقدر على التلفظ بها، كما أن الطمأنينة مطلوبة في حدود الاستطاعة، وهي أن يركن الجسد في كل ركن من أركان الصلاة، حسب إمكانياته البدنية.

عاشراً: توصيات للأطباء والأهل حول صلاة المريض

1. توعية المريض بوجوب الصلاة وعدم إسقاطها مهما كانت حالته، مع تذكيره برحمة الله وتيسير الشرع.

2. توفير أدوات التيمم والسترة الشرعية في غرف المرضى.

3. مساعدة المريض في الوضوء أو التيمم أو الاتجاه للقبلة إن كان لا يستطيع بنفسه.

4. تسهيل الجمع بين الصلوات لمن يُرهقه أداء كل صلاة في وقتها.

5. توفير أوقات راحة كافية للمريض كي يؤدي صلاته بهدوء وطمأنينة.

المراجع

1. الفقه الإسلامي وأدلته – د. وهبة الزحيلي.

2. الموسوعة الفقهية الكويتية – وزارة الأوقاف الكويتية.

صلاة المريض هي صورة من صور الرحمة الإلهية والتشريع الرباني المرن الذي يُراعي أحوال الإنسان، وهي في الوقت ذاته اختبار حقيقي لثبات العبد على الطاعة والعبادة في أحلك ظروفه، وإشارة إلى أن الصلة بين العبد وربه لا تنقطع ما دام في الجسد روح.