أحكام الإظهار في سورة الزخرف

تُعد أحكام التجويد من أهم الركائز التي يجب على قارئ القرآن الكريم أن يلتزم بها، لتحقيق القراءة الصحيحة التي تحفظ للقرآن كلماته ومعانيه، كما نزل بها الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ومن بين هذه الأحكام، يأتي أحكام الإظهار كجزء أساسي من علم التجويد، وهي من الأحكام التي تتعلق بالنون الساكنة والتنوين، ويُطبق هذا الحكم في مواضع عديدة من القرآن الكريم، ومن بينها سورة الزخرف، التي تتميز بغناها اللغوي والتجويدي، وبما تحمل من آيات تحتوي على أحكام الإظهار في سياقات متعددة.

في هذا المقال سنستعرض شرحًا موسعًا لأحكام الإظهار في سورة الزخرف، مع تحليل أمثلة من الآيات، مع توضيح قواعد هذا الحكم التجويدي، ودلالات تطبيقه من الناحية اللغوية والقرآنية، مع التركيز على شرح الفروق بين الإظهار وأحكام أخرى متقاربة كالإدغام والإقلاب والإخفاء.

مفهوم الإظهار في التجويد

الإظهار هو أحد الأحكام التجويدية التي تُطبّق عند وقوع حرف النون الساكنة (نْ) أو التنوين (ً ٍ ٌ) قبل أحد حروف الإظهار الستة، وهي: (ء – ه – ع – ح – غ – خ). يُنطق النون أو التنوين بوضوح وبدون غنة، أي من غير أن يُلحق صوت الغنة الذي هو عبارة عن صوت أنفي مرتفع.

بالتالي، فإن الإظهار يعني “الإعلان والبيان”، وهو أن يُظهر قارئ القرآن صوت النون أو التنوين جليًا عند وقوعه قبل أي من حروف الإظهار، حتى لا يختلط الصوت ويُلتبس مع الأحكام الأخرى.

حروف الإظهار الستة

في حالة الإظهار، يجب على القارئ التفريق جيدًا بين حروف الإظهار الستة، وهي:

1. الألف (ء)

2. الهاء (ه)

3. العين (ع)

4. الحاء (ح)

5. الغين (غ)

6. الخاء (خ)

وإذا جاء بعد النون الساكنة أو التنوين أي من هذه الحروف، وجب الإظهار وبيان النون أو التنوين بوضوح.

الإظهار في سورة الزخرف

سورة الزخرف، وهي من السور المكية التي تحتوي على 89 آية، تتكرر فيها أحكام النون الساكنة والتنوين بشكل واضح، مما يجعلها مناسبة جدًا لبيان تطبيق الإظهار.

أمثلة على أحكام الإظهار في سورة الزخرف

فيما يلي نستعرض بعض الآيات التي وردت فيها أحكام الإظهار في سورة الزخرف:

• الآية 26: ﴿وَمِنْ دُونِهِمْ مَلَائِكَةٌ عِبَادٌ أُولُواْ قُوَّةٍۢ ۖ فَمَا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَٰنِ مِنْ تَفَٰوُتٍۢ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍۢ﴾
  
  في هذه الآية، بعد النون الساكنة في كلمة “مِنْ” جاء حرف العين (ع)، وهو أحد حروف الإظهار، فيطبق حكم الإظهار بوضوح حيث تُنطق النون بتمام الوضوح دون غنة.

• الآية 37: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِۦ لَمْ يَرْجُونَ مَغْفِرَةًۭ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ﴾
  
  بعد النون في “بِـءَايَٰتِ” جاءت همزة الهمزة، ومن حروف الإظهار، فيطبق حكم الإظهار، حيث تُنطق النون بوضوح.

• الآية 65: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ لَهْوٌۭ وَلَعِبٌۭ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلْأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلْحَقُّ﴾
  
  في كلمة “مِنَ” قبل حرف الحاء (ح)، يُطبق حكم الإظهار ويُنطق النون بوضوح تام.

الفرق بين الإظهار وأحكام النون الساكنة الأخرى

لا يمكن دراسة أحكام الإظهار بمعزل عن بقية الأحكام التي تخص النون الساكنة والتنوين، والتي هي:

• الإدغام: إدخال النون في الحرف الذي بعده بحيث يصير الحرفان حرفًا واحدًا مشددًا، مع غنة أو بدونها حسب نوع الإدغام.

• الإقلاب: تحويل النون الساكنة أو التنوين إلى ميم إذا جاء بعدها حرف الباء.

• الإخفاء: النطق بالنون أو التنوين مع غنة مخفاة بين الإظهار والإدغام، عندما تأتي بعدها أحد حروف الإخفاء الخمسة عشر.

في المقابل، الإظهار هو إظهار النون الساكنة أو التنوين بوضوح ودون غنة، عندما تأتي بعدها حروف الإظهار الستة.

دلالة تطبيق الإظهار في التلاوة

تطبيق الإظهار له دلالات عديدة في القراءة، منها:

1. الحفاظ على وضوح الكلمات: عندما يُطبق الإظهار، تظل الكلمات واضحة ومعانيها مفهومة، دون لبس أو التباس في النطق.

2. الالتزام بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم: لأن النون الساكنة والتنوين في مواضع الإظهار تلاها النبي ببيان واضح، فالقراءة الصحيحة تحافظ على هذا الشكل.

3. تجنب الأخطاء التي قد تغير المعنى: كخلط الإظهار بالإدغام أو الإخفاء، والتي قد تؤدي إلى تحريف النطق.

4. التوازن الصوتي: الإظهار يجعل الصوت متوازنًا وهادئًا عند نطق النون أو التنوين قبل حروف الإظهار، دون تأثير صوتي زائد كالغيبة.

الإظهار في سياق قواعد التجويد والنطق

في دراسة الإظهار، يجب التنويه إلى أن نطق النون الساكنة أو التنوين يكون بدون غنة في هذه الحالة، لكن ذلك لا يعني إخفاء الصوت، بل إظهار النون بشكل واضح.

إذًا، الإظهار يركز على إبراز النون الساكنة أو التنوين من غير أن يصاحبه غنة أو إدغام، ويعتمد على ملاحظة الحروف التي تأتي بعدها، فلو كانت أحد حروف الإظهار الستة وجب الإظهار، ولو كانت غيرها يُطبق حكم مختلف.

جدول مقارنة بين أحكام النون الساكنة والتنوين

خلاصة حول أحكام الإظهار في سورة الزخرف

سورة الزخرف تحتوي على العديد من المواضع التي تبرز أهمية تطبيق أحكام الإظهار بشكل دقيق، فهو يضمن وضوح النطق، وحفظ النص القرآني من الخطأ، ويؤدي إلى تلاوة سليمة تتوافق مع قواعد التجويد التي حفظها العلماء عبر القرون.

فهم الإظهار، وتمييزه عن الإدغام والإقلاب والإخفاء من الأمور التي تدعو قارئ القرآن إلى التدرب على التلاوة المستمرة، وخاصة في سور مثل الزخرف التي تحوي العديد من النون الساكنة والتنوين أمام حروف الإظهار. بذلك، يكتسب القارئ مهارة أداء التلاوة التي تُظهر جمال القرآن، وتبرز عظمة البيان القرآني.

المصادر والمراجع

1. كتاب التجويد المبسط – د. عبد الله بن محمد بن عبد الله الغنيم

2. قواعد التجويد للنون الساكنة والتنوين – دار الإمام مالك للطباعة والنشر

يعد الإظهار من أهم الأحكام التي يجب على كل قارئ لكتاب الله تدبرها والعمل بها، لأنه يحقق التلاوة الصادقة التي تعبر عن جمال القرآن وروحه، وبخاصة في السور التي تزخر بهذه الأحكام مثل سورة الزخرف.